لم يسلم شعبنا الفلسطيني من عدوى الثورات العربية المعاصرة فبعد الإطاحة بنظامي تونس ومصر توجهت الأنظار إلى الضفة الغربية كونها الحكومة الأكثر التصاقا بالاحتلال والأكثر قمعا وفتكا بأبناء شعبنا فلم يسلم شيخا ولا صبيا ولا امرأة ولا صبية ولا مقاوما ولا مسالما ولا محررا ولا مسجونا في سجون الاحتلال الا وقاسى ويقاسي ظلم النظام البوليسي المستبد بل زاد عن باقي الأنظمة العربية بتنسيقه السافر وتعاونه الأمني اللامحدود مع الاحتلال.إلا أن النظام الحاكم وذراعه الفصيلي قام بخطوة استباقية إلى الإمام عندما دعا إلى اعتصام ووقفة جماهيرية تحت شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام" وخطب الرئيس خطبته العصماء وصفقت الجماهير في مسرحية محروقة ممجوجة قاتم لونها لا تسر الناظرين، ثم تعالت الأصوات ووصل صداها إلى وسائل الإعلام الجديد (الفيسبوك وتويتر وغيرها من مواقع الاتصال الاجتماعي، وتشكلت المجموعات البريئة وخرجت للعيان والميدان فلاحقتها العيون والتساؤلات حتى وصلنا إلى مسيرات الجمعة الماضية 4-3-2011 التي جابت شوارع غزة تتطالب بإنهاء الانقسام ورفع الحصار؟ لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل حقا الفصائل الفلسطينية وخاصة قطبيها تريد إنهاء الانقسام؟ وهل الشعب يريد إنهاء الانقسام؟ وهل الوقت قد حان لإنهاء الانقسام؟ أسئلة تفرض نفسها بنفسها على كل مراقب ومتابع لقضايا الوضع الداخلي الفلسطيني، وإلا يكون لعدوى الثورات الشعبية العربية أثر مباشر على تحريك هذا الملف الذي جمد منذ فترة طويلة لغياب القرار الفلسطيني الوطني؟ إن عدوى الثورات العربية لا ينطبق على فلسطين لأن فلسطين خارج الأنظمة العربية بل خارج المنظومة العربية برمتها ، ولا ينطلي علينا المرجعيات العربية ذات المسميات المختلفة والتي أخرها لجنة المتابعة العربية التي يلجأ اليها الرئيس وقت الأزمات لنيل الشرعية العربية ويقفز عنها عندما تتوفر له الشرعية الفلسطينية المغتصبة كما حدث في مسرحيات إضفاء الشرعية على العودة للمفاوضات غير المباشرة والمباشرة مع إسرائيل، ففلسطين ليست دولة ولا يحكمها حاكم او رئيس وله أذرعته الضاربة في كل شبر ودار وبيت وزنكة وفرد في ليبيا أسف فلسطين، فالشعب الفلسطيني مشتت في أصقاع الأرض في أربع كنتونات (الشتات، الداخل، الضفة، غزة) وكل من هذه التقسيمات يتبع للجهة الحاكمة فيها، فالشتات مشتت بين أنظمة الدول التي يعيش فيها والداخل القوانين الإسرائيلية سيف مسلط عليه مسلوب الحرية والهوية ويصنف بتصنيفات عنصرية وصهينية والضفة مسلوبة الإرادة مثقلة بالعهود والمواثيق ما ان ترفع رأسها للتنفس نفس الحرية يرش عليها بغاز الرواتب والمال المسيس فتسقط مغشية على وجهها لتعيد الكرة مرة أخرى، أما غزة فهي البقعة الحرة في العالم التي نفضت عن نفسها غبار التبعية ومزقت مواثيق وعهود عصورها المظلمة وتصارع بوجودها صراع البقاء والوجود.إذن لا يوجد نظام فلسطيني لإسقاطه ولا يوجد رئيس لتنحيته فالرئيس فاقدا للشرعية والبرلمان جاء موعد استحقاقه الطبيعي ؟ وسقطت كل الاتفاقيات وعلى رأسها اتفاقية أوسلو لذا نحن أمام استحقاق وطني شامل يعيد صياغة العلاقات الداخلية من المؤسسات التشريعية والسياسات الخارجية إلى المؤسسات التنفيذية والسياسات الداخلية وهذا الاستحقاق لا يتأتى إلا بتوفر الإرادة المسؤولة لإنهاء الانقسام والعودة لفلسطين الأرض والشعب والمقدسات وإجراء انتخابات فصائلية داخلية حرة ونزيهة بشفافية كاملة ترضى عنها كافة الأطر التنظيمية في الفصيل الواحد لفرز قيادة حزبية جديدة تعبر عن آصاله الفصيل وصدق انتمائه لشعبه وقضيته محررا من التبعية والولاءات غير الفلسطينية وألا يكون أسير المال المسيس، ثم يعقد اجتماعا نوعيا للأمناء العامين الجدد المنتخبين ويكون على رأس أعمالهم إنهاء الانقسام والتحضير لانتخابات مجلس وطني والرئيس الفلسطيني الجديد ولجنة تنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يجب أن يكون على رأس عملها فيما بعد إدارة التجمعات الفلسطينية في الشتات والأراضي المحتلة عبر وضع الأسس واللوائح الداخلية الضابطة والناظمة لإدارة شؤون الفلسطينيين والعمل على تحقيق حقوقهم الآنية في البلاد المقيمين فيها بدون مس للهوية الفلسطينية والثوابت الفلسطينية وخاصة تقرير المصير وذلك بإبقاء الشؤون الخارجية في منظمة التحرير الفلسطينية خارج الوطن، وفي الأراضي المحتلة الشروع في تشكيل حكومة إنقاذ وطني مجردة من الفصائل والأحزاب ويكون جل اهتمامها التحضير لانتخابات برلمانية حرة ونزيهة بالتنسيق مع لجنة الانتخابات المركزية المتفق عليها فلسطينيا.بذلك نكون قد أعدنا القطار على سكته الصحيحة وأسسنا لعهد جديد ولجيش قادر على المقاومة والانتصار والتحرير؟