*يبدو الفلسطينيون حانقين على قناة الجزيرة الفضائية أكثر مما هم ممتنون لها على كشفها لوثائق وصفت بأنها سرية حول مجرى التفاوض الفلسطيني الصهيوني، فالفلسطينيون لم يجدوا جديداً بالنسبة لهم فيها، فكثير منها كان متداولاً منذ أوسلو وحتى الآن، وكل جولة مفاوضات كانت الشائعات تنشط حول تنازلات هنا أو اخفاقات هناك للمفاوض الفلسطيني، حتى باتت صفة التفريط لصيقة بالمفاوض الفلسطيني حتى لو لم يفرط بعد.ويدرك الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الحصار، والاغلاق، وويلات الانقسام، أن هذه الوثائق مجرد حبر على ورق، فعجلة التسوية متوقفة، ولا يبدو أنها قابلة للتحرك في الأجل القريب، لذا يبدو أنهم غير مهتمون بأي معلومات جديدة تؤكد ما يعرفونه مسبقاً، خصوصاً وأنها لم تنتقل الى مرحلة التوافق أو الاتفاق. قناة الجزيرة الفضائية التي كانت لسنوات طوال محط اعجاب كبير لأداءها المهني، وكذلك تساؤل أكبر حول أهدافها ومساعيها، عرت نفسها بالكامل بالاسلوب الاستعراضي الذي اتبعته في تغطية سبقها الصحفي هذا، فمن حق الجزيرة وأي وسيلة اعلام اخرى أن تنشر ما ترتئيه من أخبار، ومن حقها أن تحقق لنفسها سبقاً اخبارياً متميزاً في أكثر القضايا العربية تعقيداً، الا أنه ليس من حقها أن توظفه سياسياً بهذه الطريقة المكشوفة لصالح أجندات مموليها.ولكّنا نحن الفلسطينيون أشد الناس امتناناً لها على كشفها، لو أنها حاولت تناوله بشكل مهني وموضوعي، لا أن تحوله الى جولة استعراض و"شماتة" واضحة بفريق أوسلو السلطوي، غذت الانقسام الفلسطيني وعمقته.ولا يعني انتقاد الجزيرة في هذا الشأن بأي حال من الأحوال، أن اللوم كله يقع على عاتقها، فالجزيرة مارست حقها وإن كان بطريقة مغلوطة ومقصودة، الا أن الخطأ الأكبر الأول يقع على عاتق من تنازلوا أولاً حتى ولو لم يوقعوا، فمجريات الوثائق المنشورة تشير إلى أن الجانب الإسرائيلي هو من رفض ما عرضناه نحن وليس العكس، حيث كان يريد كعادته من المفاوض الفلسطيني أكثر.والخطأ الثاني يجب أن يدفع ثمنه من سرب هذه الوثائق، ففي الوقت الذي كانت تدور الشكوك حول دور للقيادي محمد دحلان، قالت الصحافة العبرية أن موظفين في مكتب دائرة المفاوضات الفلسطينية التي يترأسها د. صائب عريقات هم من سربوا هذه الوثائق، وهو ما يضع المذكور، والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير في وضع لا يحسدون عليه إطلاقاً، ويؤشر إلى مدى الترهل والاهمال و"الاستهبال" الذي وصلوا اليه بتعيين موظفين في دائرة مهمة كدائرة المفاوضات من دون التدقيق في خلفياتهم.وبالنتيجة فإن كشف الجزيرة على علاته فرصة، لمواجهة نتائج عقدين من التفاوض الطويل، ولوضع المفاوضين باسم شعبنا على كرسي الحقيقة، على قاعدة المساءلة والمحاسبة، ورسم آليات جديدة تنهي تفرد أي شخص أو قوة بصنع القرار الفلسطيني ومستقبل القضية الوطنية، وتضمن الحفاظ على حقوق ملايين اللاجئين والمشردين في الوطن والشتات، فرصة على قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية أن تبرر استمرار وجودها بانتهازها لفتح الباب أمام إنهاء الانقسام، ولملمة الكل الفلسطيني في بيت ومنهج واحد. فرصة إن استطعنا إمساكها ربما نربح نحن. صحافية من قطاع غزة