خبر : "كشف المستور".. بين المهنية والمسؤولية الوطنية!!.. هاني حبيب

الأربعاء 26 يناير 2011 10:28 ص / بتوقيت القدس +2GMT
"كشف المستور".. بين المهنية والمسؤولية الوطنية!!.. هاني حبيب



غزة / سما / ما إن تبدأ الشارة الموسيقية المصاحبة لـ "كشف المستور" في قناة الجزيرة، حتى يظهر المذيع حاملاً عصا شارة بيد، وريموت كونترول باليد الاخرى، وتظهر "الوندوز" المربعات وفيها بضعة أسطر كمقتطفات من وثيقة محددة بالتاريخ، يقرأ المذيع ما هو مكتوب، ثم يبدأ بالتفسير والتحليل، هذا هو "مسرح" الرسالة الإعلامية الذي رأيناه ونحن نتابع "كشف المستور" ولكن اين الرسالة الإعلامية المرسلة الى المشاهد المبهور بتكنولوجيا مسرح الرسالة، ليست هنا في المربع المحدد والمكتوب، بل بما يقدمه المذيع من تفسير وتحليل، ولأنه "كشف المستور" فإن المشاهد – المتلقي قد تم إعداده لتلقي أخبار صادمة مستترة وسرية، ولأن ما هو مكتوب في المربع لا يشكل في الغالب مثل هذه الصدمة، فإن مهمة المذيع، من خلال تفسيره وتحليله، أن يكشف عن هذا المستور، تصبح الوثيقة، ما هي الا أداة يستثمرها المذيع لإرسال رسالته الخاصة الى المشاهد – المتلقي، الذي يستمع اكثر مما يشاهد، فقد بات مهيئاً لتلقي الصدمة، وها هو المذيع يقدمها له طازجة صنعها بنفسه.تشاهد مربعاً كتب عليه ما قاله ياسر عبد ربه حول "يهودية الدولة" من ان الامر لا يخصنا، بل يخص اسرائيل، لتسمي نفسها ما تشاء، مربع لاحق، يقول فيه صائب عريقات وبأسطر قليلة، ان الامر يتعلق بإسرائيل وماذا تطلق على نفسها، نحن لا شأن لنا في هذا السياق، وسبق أن اعترفنا باسرائيل كما هي.. يعقب المذيع قائلاً: "هناك تناقض واضح بين عبد ربه وعريقات بشأن الاعتراف بيهودية الدولة. وهذا التعليق ينطوي على خداع، اذ ليس هناك من تناقض على الاطلاق، بالاضافة الى ان الحديث بشأن "الاعتراف بيهودية الدولة" وكأنما هناك بالفعل قد تم اعتراف بذلك.تظهر خريطة للقدس الشرقية، مناطقها وأحياءها ملونة بألوان مختلفة، مؤشر المذيع ينتقل من حي الى آخر، من لون الى آخر، لكنه يفسر ويقول، هنا الحي الفلاني الذي تنازلت عنه السلطة الوطنية الفلسطينية لصالح اسرائيل، وهذا هو الحي الذي تبرعت بجزء منه لضمه الى اسرائيل، كي تتلاصق مع البراق "حائط المبكى".. في النصوص التي نشرت حول الوثيقة المتعلقة بهذا الامر، يتبين ان هذه الاحياء، طالبت بها اسرائيل، ولم يتحدث الفريق الفلسطيني المفاوض بشأنها، خريطة اسرائيلية ملونة، قلبها المذيع من اشتراطات اسرائيلية الى هدايا فلسطينية لإسرائيل.نحن لسنا أمام وثائق فحسب، بل نحن أمام طريقة مهنية، عالية الجودة والتقنية، تحيل هذه الوثائق الى "الرأي الآخر" وهو رأي الجزيرة من خلال مذيعها الذي يعلق ويفسر بما لا يتفق بالضرورة مع مضمون الوثائق التي يتحدث عنها، بل تنسجم بالضرورة مع سياسة القناة، بالكاد نحن نقرأ او نستمع الى ما جاء في هذه الوثائق، المذيع يتبرع بتسهيل الامر علينا، ويقدم بكل رحابة صدر تفسيره وتعقيبه على المحتويات، وما يصلنا ويظل محفوراً في عقولنا، هو هذا التفسير وذاك التعليق.لا أعتقد ان الوثائق نفسها مزورة، بل أرجح دقتها وصدقيتها، والمشكلة لا تكمن هنا، بل بعملية الإبهار الصوري وعملية الايحاء المبهرة والتفسيرات المرافقة، لكن وايضاً لا يتوقف الامر عند هذا الحد، اذ انني اعتقد ان هناك مواقف سلبية خاطئة تضمنتها نصوص هذه الوثائق، وتعبر عن تراجع واضح في بعض الاحيان، عن الموقف الرسمي المعلن، الا ان ذلك لا يقاس، بمدى الكارثة التي صنعتها الجزيرة بشأن القضايا الجوهرية في العملية التفاوضية.لقد تعاملت الجزيرة بمهنية عالية، وأداء جيد وفعال مستثمرة طاقاتها وامكانياتها البشرية والتقنية افضل استخدام، وهكذا أرد على بعض الذين اتهموها باللامهنية، اذ ليس من الصحيح انه كان على القناة، قبل نشر هذه الوثيقة، ان تحاور المعنيين الفلسطينيين، بل كان من واجبها المهني الحفاظ على هذا السبق الصحافي لنفسها، ولكن.. ولكن اقول بهذا السياق، هو في خيار بين السبق، وبين الفتنة والكارثة، وهنا تأتي المهنية المسؤولة، فهل من الصحيح مثلاً، قيادة شعب الى الفتنة حتى لا نفوت سبقاً صحافياً؟! الحديث هنا عن المسؤولية الوطنية والقومية واعتبارات تتعلق بأمن الوطن والمواطن، وهذا ما لم تحرص عليه مهنية الجزيرة، لأسباب تتعلق برسالتها الإعلامية – السياسية التي تنسجم مع اهدافها التي لا اعتقد ان احداً يجهلها.أما بشأن الذين اعترضوا على نشر الوثائق، فأعتقد ان الكثير منهم صدمتهم المفاجأة، ولم يكن بحوزتهم الرد المطلوب، فقد رد الرئيس ابو مازن بأن هناك خلطاً متعمداً، لكنه اضاف، ان هذه الوثائق مصحوبة بالخرائط، كانت السلطة الوطنية الفلسطينية تزود الحكومات العربية وكذلك الجامعة العربية بها، وغاب عن الرئيس ان هذه الوثائق لم تزود بها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المؤسسة القيادية الاولى للشعب الفلسطيني عبر منظمة التحرير، فقد طالب بعض اعضاء هذه اللجنة من القيادة الفلسطينية تزويدهم بها، وهذا عيب كبير بل خطير في اداء القيادة بهذا الشأن.ويقول صائب عريقات انه سيفجر قنبلة من العيار الثقيل ويكشف من هم وراء الحملة ومن زود قناة الجزيرة بالوثائق، وهذا رد شائن، مهمة عريقات ليست الكشف عن اي شيء، ولا تفجير قنبلة، بل مهمته الاساسية بالرد على ما جاء في هذه الوثائق، وكشف زيفها اذا أمكنه ذلك، والمشكلة لا تنحصر فيمن سربها، بل بما جاء فيها.كما أسمع دعوات لإقفال مكاتب القناة، والتظاهر ضدها، وهو ما يجب ان يكون من المحرمات، فعلى الصعيد المهني فإن القناة قامت بواجبها، وهذا يسجل لها اذا ما تجاوزنا ما سبق الاشارة اليه حول المهنية والمسؤولية، بل يجب ان توفر السلطة لهذه القناة ومكاتبها كل امكانيات الحرص عليها، مكاتب وطواقم وأجهزة، وما أقدمت عليه حكومة فياض بهذا الصدد، يسجل لصالحها، وهذا ليس دفاعاً عن الجزيرة، بل دفاع عن مبدأ الحق في التعبير بلا قيود او قمع من اية جهة كانت، حتى لو كانت تلك الجهة هي الجماهير الغاضبة.. أما الرد، فيجب ان يكون إعلامياً وبنفس وسائل القناة.ذات مرة، عاتبني احد المسؤولين حول مقال كتبته اعتبره إساءة للسلطة، وقال لي لماذا تنشر غسيلنا الوسخ، فقلت له.. السؤال هو: لماذا هناك غسيل وسخ أصلاً؟!.www.hanihabib.netwww.hanihabib272@hotmail.com