غزة / سما / في انسحاب ايهود باراك من حزب العمل وشقه، حصل الرئيس "السابق" للحزب على اسم جديد، "ايهود براح" اي "ايهود هرب"، على الاقل من جانب رفاقه السابقين في الحزب، لكن باراك في الواقع لم يهرب، بل يتمركز في حضن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وبات اكثر وضوحاً، ولم يعد مجرد غطاء "يساري" لهذه الحكومة، بل اصبح من مكوناتها اليمينية المتطرفة، لم يهرب باراك الا من تاريخه، متجهاً نحو مستقبله، فقد فشل في انقاذ حزب العمل من السقوط والتهاوي، لكنه الآن على رأس تكتل يهدف الى التحول الى حزب، يضمن له البقاء في قلب توجهات الرأي العام نحو اليمين، باراك لم يهرب، بل أنقذ نفسه، بثمن بخس ورخيص، ولا حزن على حزب العمل، فقد تهاوى منذ سنوات، ودخوله في حكومة نتنياهو الى جانب عتاولة اليمين، شاس، واسرائيل بيتنا، والليكود، كتب نهايته بنفسه، فلا حزن على ميت نفق منذ سنوات، ومحاولات الاصلاح السابقة، لم يقف في مواجهتها سوى رئيسه الذي كان من المفترض ان يقوم بإصلاحه وإنقاذه، الحديث عن باراك وليس غيره.وعوضاً عن انقاذ الحزب الذي يترأسه، قام باراك بإنقاذ نتنياهو وحكومته، عندما استبق انتفاضة المعارضة داخل الحزب، فقد كان من المتوقع عقد مؤتمر طارئ للحزب، لمناقشة قضية جمود العملية التفاوضية، وتحميل نتنياهو وحكومته مسؤولية هذا الجمود، وأن يخير المؤتمر رئيس الحكومة بين أمرين، الاول العودة الى المفاوضات المباشرة والقبول بالمقترح الاميركي، الصفقة المعروفة، او مواجهة خروج حزب العمل من الحكومة، وقد وقع على ذلك اكثر من 600 عضو، بحيث بات عقد مثل هذا المؤتمر خلال اسابيع قليلة، فباراك لم يهرب، إذ بإنزلاقه وتخليه عن الحزب الذي كان يترأسه، انما مكنه من الاحتفاظ بوزارته، مقابل ان يحتفظ نتنياهو بحكومته، لكن ليس اية حكومة، فقد كان باراك وحزب العمل يشكلون الغطاء "المعتدل" لهذه الحكومة، لكن ذلك الآن بات اكثر صعوبة، وربما اكثر جدوى، لأن الامور باتت اكثر وضوحاً، وعلى الجميع الآن ان يتعامل مع حكومة نتنياهو، باعتبارها كتلة يمينية فاشية متراصة وملتزمة بتوجهات ومبادئ اليمين المتطرفة، وعوضاً من ان يشكل احتمال خروج حزب العمل من الحكومة، هاجساً يومياً لحكومة نتنياهو، اصبحت هذه الحكومة اكثر استقراراً.كان من المتوقع، على ضوء الخلافات الحادة بين تيارات حزب العمل الداخلية، ان يفقد باراك رئاسة الحزب، وقبل ان ينجح معارضوه في ذلك، فصل حزباً جديداً على قياسه، يضمن فيه رئاسته من دون معارضة، لم يهرب باراك، بل حافظ على مقعده، في الحزب والحكومة، فعن اي هروب يتحدثون؟! بل انه، باراك، يتحدث عن سوابق مشابهة، فبن غوريون انشق، وكذلك فعل بيريس، وهما من رواد حزب العمل، كما ان شارون انشق بدوره، وتغافل باراك ان هؤلاء انشقوا لمعارضة الحكومة، وليس لمعارضة الحزب، اسباب سياسية في الغالب، وليس اسباباً ذاتية تتعلق بالحفاظ على الموقع والصدارة.مع ذلك، فقد فقد باراك الكثير مقابل هذا الاحتفاظ بالموقع، فقد كان وزيراً "نشازاً" داخل الحكومة، التهديد بانسحاب الحزب، ادى الى ان يحاول نتنياهو، وبعض اركان الائتلاف الحكومي، إرضاء باراك بهدف الاستمرار في الحكومة، كان باراك مدللاً من قبل هذا الائتلاف مخافة الانسحاب، أما الآن، وبعد ان طوى كل أشرعته، لم يعد له مكان الا الغرق في هذا الائتلاف حتى النهاية، إذ لم يعد يخشى احد من انسحابه، اذ لا مأوى آخر له، وتكتل الاستقلال الذي يترأسه الآن، قطع تذكرة ذهاب بلا إياب، وتحول من شريك الى عميل حسب وصف صحيفة "يديعوت" أمس.وكان يمكن لخروج باراك من حزب العمل، ان يشكل إنقاذاً للحزب، باعتبار ان وحدته باتت اكثر وضوحاً بعد هذا الخروج، الا ان الامر ليس كذلك على الاطلاق، فالانقسام الداخلي الذي غذاه باراك، وبسببه، ليس من الممكن اصلاحه، وبعد خروجه مع فريقه، فإن باراك ترك الحزب منقسماً الى قسمين على الاقل، فهناك النواب "العصاة": عمير بيرتس، ايتان كابل، غالب مجادلة، ودانيئيل بن سيمون، ومعسكر آخر، يضم بنيامين بن اليعازر، يتسحاق هرتسوغ وافيشاي برافرمان وشيلي ينيموفيتش، الفريق الاول، وبعد لحظات من اعلان باراك عن انشقاقه، اعلن انه لن يقبل فرض تعيين رئيس مؤقت للحزب، وكان يعني بوضوح، طموح بن اليعازر لخلافة باراك، وهو طموح كان موجوداً منذ شهور، وساهم في ظهور العصاة والتيارات داخل الحزب، وعلى الارجح ان انقساماً جديداً، قد يتبلور اكثر داخل اطار الحزب ومؤسساته، خاصة ان خروج باراك، سيفسح المجال أمام منافسة شديدة ومواجهة كانت تنحصر ضد باراك، الذي لم يعد موجوداً!والطلاق ما زال ليس بائناً، فهناك مشاكل تتعلق "بالنفقة"، هناك ميزانية للحزب، هناك ديون، وفقاً للقانون، يجب ان تتحدد الحصص والمسؤوليات، وليس من المستبعد، ان تفتح المحاكم ملفات لم تكن معروفة للرأي العام، وربما هناك اتهامات ذات طبيعة جنائية واتهامات بالفساد وكشف المستور، وعندما يتعلق الامر بممتلكات الحزب، من المتوقع ان يبدأ مشوار المحاكم ورجال الشرطة، ويصبح الحزب في قفص الاتهام اذا ما استمرت المنافسة بين فرقاء الحزب، وكتلة باراك المنسحبة، لا تأخذ بالاعتبار انهاء هذه الملفات بلا ضجيج.لباراك تبريراته العديدة في لجوئه الجديد، ولعل أخطرها لا يتعلق بالمنافسة الحادة داخل الحزب وامكانيات طرده من الرئاسة، بل تتعلق برؤيته للعملية التفاوضية، فقد كان باراك مقتنعاً بأن هذه العملية لا يمكن لها ان تنطلق دون مرونة من قبل حكومته، حكومة نتنياهو، هذا لم يحدث بطبيعته الآن، لكنه الآن يقول شيئاً آخر لتبرير سلوكه الانتهازي، يقول باراك ان "ابو مازن" كان ينتظر ان تسقط حكومة نتنياهو، الامر الذي ساعده في اتخاذ مواقف جذرية حادة، بانتظار هذا السقوط، ولكن الآن، وبعد ان استقرت هذه الحكومة، ولم يعد هناك حديث عن سقوطها، فإن رهان "ابو مازن قد سقط" ويفرض ذلك – على رأي باراك – ان يكون الرئيس الفلسطيني اكثر تفهماً للمعطيات الجديدة، ويتعامل على اساس ان هذه الحكومة مستقرة ومستمرة.. وهكذا، بدلاً من تحميل حكومة نتنياهو مسؤولية الجمود في العملية التفاوضية، اخذ باراك يحمل القيادة الفلسطينية هذه المسؤولية، لكي يشق طريقه الجديدة في حكومة يمينية فاشية بات جزءاً من منهجها وايديولوجيتها، فباراك لم يهرب، ولكنه اغرق نفسه في معسكر اليمين حيث ينتمي فعلاً!!.www.hanihabib.nethanihabib272@hotmail.com