من يظن أن إسرائيل اليوم هي إسرائيل الأمس فهو واهم! فإسرائيل اليوم رغم تضاعف قوتها العسكرية أضعافا كثيرة و نفوذ أذرعتها الأمنية و الإستخباراتية و تغلغلها في معظم دول العالم و رغم الدعم السياسي و الدبلوماسي اللا محدود من الأنظمة و الدول الكبرى و الصغرى, و رغم امتلاكها للسلاح النووي الوحيد في دول الشرق الأوسط، إلا أن إسرائيل اليوم تعيش عزلة سياسية غير ظاهرة لم تشهدها منذ نشأتها و تزداد يوما بعد يوم بسبب السياسة الليكودية التوراتية و العنجهية العنصرية لليبرمان مما دفع رئيس الوزراء السابق أولمرت لمهاجمة سياسة نتنياهو علانية حين قال " إسرائيل قد تدفع ثمنا باهظا جدا بسبب سياسة الحكومة الحالية " بينما عزز باراك أولمرت بقوله" إن الحكومة أصبحت في أمس الحاجة إلى عملية سياسية جديدة و مفاوضات سلام تخرجها من العزلة السياسية بدأت معالمها تلوح بالأفق خلال الأشهر الماضية" . و انضمت وزيرة الخارجية السابقة تسيفي ليفني في خطاب لها في جامعة بار ايلان إلى انتقاد سياسة نتنياهو (تعتبر الأعنف) حين قالت "إن الحكومة الحالية فقدت البوصلة والاتجاه وأنها كاذبة وان الدولة العبرية وضعت في الزاوية الآن وتعيش لحظات سيئة على المستوى الدولي لم يسبق لها مثيل" و وثقت هذه الانتقادات بدراسة بحثية صادرة عن مؤسسة "رؤوت" للأمن القومي في 28/8/2010 و التي تناولت فيها تداعيات أسطول الحرية على إسرائيل و عزلتها السياسية فخلصت الى:- تعزيز النموذج السياسي لنظام حماس و منحه الشرعية و تقييد هامش حركة إسرائيل ضدها.- توجيه انتقادات للساسة الإسرائيليين حيال الأقلية العربية في إسرائيل.- تفعيل المحاكم الدولية ضد الإسرائيليين في تحد صارخ لشرعية القضاء الإسرائيلي.- ضم إسرائيل كواحدة في محور الشر و هي اليوم في حالة دفاع دبلوماسية كونية.- إنهاء علاقات التحالف الاستراتيجي مع تركيا.- اضطرار يهود العالم لتسديد أثمان اجتماعية و فردية لدعمهم إسرائيل و تعرض اللوبي الإسرائيلي لهجمات و ضغوط.و لم يمر يوما على الصحافة الإسرائيلية إلا و فيها تقد لاذع لسياسة نتنياهو و حكومته الرامية للعزلة السياسية و وصفه بالمشلول الساكن الذي لا يستطيع الحركة, بل يعيش في جمود سياسي قاتل و بلغت ذروة الانتقادات بقلم ألوف بن في صحيفة هآرتس في 29/12/2010 حين علق على مقابلة تلفزيونية لنتياهو مع القناة العاشرة: "عندما لا يكون لديك ما تقوله ، فمن الأفضل أن تسكت، ولكن نتنياهو ضيع زمن الشاشة التي توفر له محاولة لدفع الادعاءات في انه خرقة بالية لوزير الخارجية ليبرمان و لزوجته سارة ".كل ما سبق و تقرير غولدستون و تقارير الأمم المتحدة المختلفة و تقرير خبير الأمم المتحدة جين فيتشنيو ، و تقارير منظمة العفو الدولية و تقرير وفد نقابة المحامين الأمريكيين و شهادة الطبيب النرويجي مادس غليبرت و غيرها من التقارير الدولية و الإنسانية و العالمية ، بجانب الدعاوي التي رفعت و ترفع في المحاكم الدولية ضد القادة و الجنود الإسرائيليين، و ما جاء بالأمس من مطالبة اللجنة المركزية للتوثيق و ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين بغزة للمجتمع الدولي و العربي خاصة البرلمانات والمجالس التشريعية باتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء حالة الانفلات من العقاب و تكريس مبدأ المحاسبة على انتهاك القانون الدولي و ارتكاب جرائم الحرب دون الرضوخ للضغوط السياسية الهادفة للحد من ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.كل هذا حاضرا بظلاله وشبحه على طاولة اتخاذ القرار الإسرائيلي ضد الحرب على غزة و الذي بدت وتيرتها تسخن الأجواء فمن تصريحات باراك أمس بأن "الأيام القادمة ستشهد نجاحا على حدود غزة و لن نبقى هدفا لاختبارات فصائل غزة" إلى الرسالة المصرية لحماس بان "إسرائيل تحضر لحرب جديدة" ولكني اعتقد أن هاجس و شبح العزلة السياسية مازال يخيم على عقول و أذهان القادة السياسيين ويؤخر في اتخاذ القرار وهذا ما ذهب إليه الإعلاميون الإسرائيليون حين يقول عوفر شيلح في صحبفة معاريف" من الصعب التفكير باستخدام قوة كثيفة أو أكثر حرية بما في ذلك التسطيح المسبق لمناطق مبنية و مأهولة في قصف كثيف، بسبب النتائج السياسية ل "رصاص المصبوب" أصحاب القرار الإسرائيلي يعرفون حجم الضرر الذي ألحقته الحملة بإسرائيل و يمكن الادعاء بأن بذور حملة نزع الشرعية ضدنا زرعت قبل ذلك بكثير ، فمن تركيا حتى غربي أوروبا فقد أطلقت الحرب موجة من الغضب و ليس تقرير غولدستون إلا تعبيرا عنها و يخطئ من يعتقد إن إسرائيل يمكنها أن تتجاهله في حالة اشتعال متجدد و أن يديها ستكونان حرة في العمل كما تشاء و لقد عبر قائد المنطقة الجنوبية بواف غلات " بأنه يفهم بأن ما يرى من مكتب رئيس الأركان يختلف عن المشهد من الغرفة الحربية لقيادة المنطقة الجنوبية و من الصعب انه ستكون لديه فكرة ثورة أو أكثر هجومية " . بناء على ما سبق اعتقد بأن الحرب القادمة على غزة وان كانت واقعة لا بد فإنها قد لا تكون كسابقتها من حيث الكم والكيف وقد لا تعتمد كثيرا على المجازفات البرية الواسعة بل قد تكون (أحزمة حدودية)ولكن سيكون السلاح الجوي هو سمة الحرب القادمة كونه الأكثر دقة والأنجع إيلاما والأقل خسارة بشرية بالمقارنة مع سلاح المدفعية (رسالة المقاومة كورنيت) الذي نسبت الخطأ فيه ليست بقليلة وهذا ما شاهدنا من خلال الشريط المصور الذي عرضته لجنة التوثيق الفلسطينية من خلال برنامج "مع مسؤول" الحكومي والذي ظهر فيه الجنود غير مبالين حين أخطأت مدفعيتهم هدفها فتعالت ضحكاتهم وصرخاتهم وعادوا القصف مرة أخرى وهم يرددون (باي غزة باي)، فماذا ستقول لهم غزة؟ وكيف ستقرأ غزة رسالات إسرائيل العسكرية والسياسية والتي آخرها رفض مصر لعرض إسرائيل بالإشراف على غزة بعد إسقاط حكم حماس بعملية عسكرية؟