خبر : تونس: في البدء كانت.. النار!!.. هاني حبيب

الأحد 16 يناير 2011 10:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تونس: في البدء كانت.. النار!!.. هاني حبيب



غزة / سما / هكذا هي الثورات، تأتي في توقيتها الخاص، من دون انتظار أو توقع، عندما تصبح ممكنة، تنطلق ولا يوقفها أحد، قد يسهل قراءة ممهّداتها، لكن من الصعب التحكم بانطلاقتها أو نتائجها، كنا ننتظر حرباً إسرائيلية في غزة، وانفلاتاً أمنياً في لبنان، ومعجزة توقف تفتت السودان، ولجماً لانتفاضة الشعب التونسي، غير أن تونس نفسها أرسلت إشارتها للجميع، تراكم الأحداث والضغوط، هو الذي يحدد لحظة الصفر، والأمر ليس عفوياً، لكنه أيضاً، خارج اطار السيطرة، فليس هناك من ناظم سوى السيرورة الداخلية للتحرك الشعبي، وليس هناك من منظم أو مقرر سوى تقاطعات إرادة الشعب مع نظام القمع وآلياته وقدرته على التحكم بالمسار، الثورة تتقدم، لكن لا أحد بإمكانه الرهان على تواصلها، والقمع سيتقدم، لكن إرادة وصلابة الثورة قادرة على وقفه، لكن الأمر يتطلب اللحظة المناسبة التي لا يمكن تحديدها أو التكهن بها، خاصة عندما يكون التحرك شعبياً لا سيطرة لأطراف الصراع عليه إلا بقدر محدود ليس بكاف لتحديد تلك اللحظة التي دائماً ما تفلت من هذه الأطراف التي يتحكم بها تحرك الشارع.هذا ما حدث بالضبط مع تلك اللحظة التي قرر فيها البائع المتجول الشاب محمد بو عزيزي، إشعال النار في جسده احتجاجاً على مصادرة عربته التي يبيع عليها الخضار بعد أن ذهب إلى البلدية ليشكو وتصفعه موظفة في البلدية على وجهه، كانت هذه هي لحظة البداية التي لم يتخيل أحد أنها سترسم نهاية لنظام استبدادي عجزت حتى "ثورة الخبز" التي اندلعت عام 83/1984 (في توقيت الثورة الحالية نفسه 27 كانون الأول 83 – 6 كانون الثاني 1984) في أن تتواصل لتنتصر، لكن الفارق الأساسي، أن التظاهرات الشعبية الحاشدة لم تحتج على الغلاء والبطالة فحسب، بل وللمطالبة بالحريات والإصلاحات السياسية، وامتدت هذه الثورة، "ثورة بو عزيزي" لتجتاح كل المدن والأرياف، كالقيروان وسوسة، وتونس العاصمة وبنزرت، انطلاقاً من ولاية سيدي بو زيد، حيث انطلاق لحظة هذه الثورة عندما أشعل بو عزيزي في نفسه النار إيذاناً باندلاعها، دون حتى أن يعلم، أن تلك اللحظة ستمجد في التاريخ، لتونس والمنطقة العربية كلها، لمرحلة جديدة، كما لم يعلم الرئيس الهارب، بن علي وهو يزور بو عزيزي في المستشفى قبل وفاته، أن هذا الشاب المسجّى على سرير جراحه، هو سر إنهاء حكمه الذي قارب على ربع قرن متواصلة.. ولو كان يعلم بن علي ذلك، فماذا كان يمكن أن يفعل أكثر مما فعله عندما قامت قواته بقتل حوالي مئة متظاهر تونسي!.وككل مثل هذه الثورات، فهي قد تقتات أبناءها وشهداءها، وقد تعطيهم ظهرها، وقد تأتي بما هو أسوأ مما ثارت عليه، وقد تمنح المجرمين والقتلة والفاسدين فرصة السطو والنهب والقتل في مرحلة انتقالية من الصعب السيطرة على مجرياتها، حدث ذلك في تونس، وهو أمر ليس مستغرباً، فمثل هؤلاء موجودون دائماً، في كل بلد ولدى كل شعب، وقد رأينا في العراق مثل ذلك بعدما احتلته الولايات المتحدة، ورأينا كيف سقط تمثال صدام حسين، كما رأينا كيف مزقت صوره، بل ضربت بالأقدام، ثم بعد ساعات، وجدنا أن جدران المدن العراقية، تزدحم بصور المعمّمين والباقي بات معروفاً للجميع.الجيش التونسي هو الذي تولى إنزال وتمزيق صور بن علي، كنهاية لمرحلة استبدادية، ولكن ليس لكي تلصق صور لغيره من المستبدين الجدد، وإذا ما نزلت الصور، لا يجب أن يطاح بمكتبات الشعب التونسي الذي ناضل من أجلها طوال عقود، صحيح، نظام بن علي كان نظاماً استبدادياً يقود بلداً فقيراً بإمكانياته الاقتصادية، مع ذلك سجلت تونس في عهده كما في عهد سابقه حفاظاً على مكتسبات مهمة، لم يحظ بها المواطن العربي في أي مكان في القارة العربية، كقانون الأحوال الشخصية لعام 1956، الذي منح المرأة التونسية حقوقاً، لا تزال المرأة العربية، عاجزة عن تحقيق بعض منها في الأقطار الأخرى، سقوط صور الزعماء، لا يجب أن تسقط معها إنجازات الشعوب، وإلا فنحن نكون على عتبة استبداد من نوع جديد، يبدد مكتسبات النضال الوطني التي تحققت بالمثابرة والدمع والدماء!.أقصى نظام بن علي، معظم الأحزاب المعارضة، وفور سقوطه، أخذنا نسمع مطالبات بإقصاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي عن النظام القادم أو الجمهورية الثالثة، ونعتقد أن ذلك يشكل بداية خطيرة وسلبية إلى أقصى الحدود، فإذا كنت تطالب باللا تقصى، عليك عدم إقصاء غيرك، وإذا ما ارتكب هذا الحزب، عبر قيادته، العديد من جرائم الفساد والقمع، فالأولى أن تقدم، كل الفاسدين والقتلة إلى محاكم نظامية شفافة، فهذا الحزب، كما في معظم الأحزاب، يضم مختلف الفئات، منها الفاسدة ومنها المناضلة، ولا يجب إقصاء أي حزب، إلا إذا كان ذلك يتعارض مع قانون أخذ مبادئه ومفاهيمه من دستور سنّه الشعب في ظروف صحية سليمة، وهذا ليس دفاعاً عن الحزب الذي كان حاكماً، بل دفاع عن مبدأ الحرية والمساواة والديمقراطية."ثورة بو عزيزي" التونسية، يمكن أن تشبه "ثورة عبد الناصر" المصرية، من حيث امتداداتها خارج حدودها، فبينما أشعلت ثورة عبد الناصر حروب مقاومة الاستعمار، ونيل الاستقلال، حتى خارج المستعمرات في المنطقة العربية، فها نحن شهود على إمكانيات امتداد ثورة بو عزيزي، إلى أنظمة عربية، لا تقل استبداداً عن نظام بن علي، وإرهاصاتها بدأت تأخذ مجرياتها وتحركها، رغم كل شيء، في أقطار مؤهلة لاستنساخ التجربة التونسية، مع الأخذ بالاعتبار المقاربات والتعارضات الخاصة بكل قطر وبلد، ومع رحيل بن علي وهروبه، هناك من بدأ يجمع حاجياته، ويحجز على طائراته الخاصة، حتى تكون مستعدة في اللحظة المناسبة، ولعل بعضاً منهم، أخذ يبحث عن مكان تشرده الجديد، بعدما علم أن بن علي وجد مكانه ومنفاه بصعوبة، بعدما رفضت حتى دولاً صديقة له استقباله.ونحن في فلسطين، لعلنا الأكثر حرصاً على امتداد هذه الثورة لتطال كل النظم الاستبدادية، وحتى بالنظر إلى عامل "المصالح" فمن مصلحتنا ومصلحة قضيتنا الوطنية، لئلا يظل المواطن العربي حبيس البحث عن العمل ولقمة الخبز، بحيث يتجاهل وينسى القضية القومية الكبرى، قضية فلسطين، وإذا ما توفرت الحرية والخبز والعمل للمواطن العربي، فإنه سيكون أكثر استعداداً للوقوف خلف الشعب الفلسطيني، وربما معه، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويستطيع أن يفرض المواطن العربي أجندته على قوى الضغط والهيمنة التي لا تزال قادرة على فرض أجندتها على قضايانا القومية، وفي الطليعة منها، القضية الفلسطينية!.www.hanihabib.net - hanihabib272@hotmail.com هاني حبيب