أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية هذين اليومين إلى الصعوبات الجديدة التي أصبحت تواجهها الأجهزة السرية بسبب وجود كاميرات مراقبة قد تكشف عناصرها. ولم تتردد ’يديعوت احرونوت’ في القول صراحة بأن الزمن الذي كان فيه بالامكان تصفية شخص ما بعيدا عن مرأى ومسمع أي كان قد ولى وانقضى، متسائلة ما إذا كان الذين أرسلوا عناصر الكومندوس إلى دبي لاغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح الشهر الماضي سيجرؤون على إرسالهم مجددا إلى بلد آخر بعد نشر صورهم في الصحف. ما كشفه قائد شرطة دبي أمس الأول في مؤتمره الصحافي وبكل تفاصيله الموثقة بكاميرات المطار والفندق وأروقته تطرح فعلا تحديا حقيقيا أمام كل من يعتقد بأنه ما زال في الإمكان ارتكاب الجرائم في أماكن معروفة ومغلقة دون التعرف على ملامحه وصولا إلى تحديد شخصيته لاحقا. هذا على عكس ما حصل في السابق وأحيانا في فنادق أيضا حيث أن عصام السرطاوي مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات اغتيل في بهو فندق بلشبونة في نيسان/أبريل 2003 أمام مرأى الجميع، بمن في ذلك شمعون بيريس الذي كان يقف إلى جانبه، ولاذ بالفرار الفاعل الذي ينتمي لجماعة أبو نضال المنشقة عن حركة ’فتح’. في السنوات الماضية صار من شبه المستحيل تقريبا أن تجد مكانا عاما دون أن تكون مثبتة في مختلف زواياه كاميرات مراقبة تغطي كل أرجائه بل إن مثل هذه الكاميرات صارت موجودة أيضا في الفلل الخاصة والشقق. لو كان مثل هذا الأمر معمولا به في السابق لكنا وقفنا مثلا على تفاصيل اغتيال أبو جهاد (خليل الوزير) في بيته بضاحية سيدي أبو سعيد بتونس في نيسان/ أبريل 1988 على يد كومندوس إسرائيلي يقوده ايهود باراك أو كذلك تفاصيل اغتيال كل من القياديين أبو إياد (صلاح خلف) وأبو الهول (هايل عبد الحميد) بسلاح فلسطيني غادر من أحد الحراس الشخصيين في صالون البيت بتونس في كانون الثاني/ يناير 1991. فرق بين هذا النوع من الكاميرات المثبتة بالأساس للمراقبة وضمان السلامة وأحيانا لرصد السرقات في المحلات الكبرى أو حتى بعض الدكاكين الصغرى، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، فإذا بها تكشف أو تساعد على كشف مجرمين، وبين الكاميرات التي يصادف وجودها أحيانا في المكان الصحيح والوقت الصحيح فتوثق ما كان يراد له أن يبقى سرا مكتوما بلا أثر. حدث هذا في الفترة الأخيرة في الاحتجاجات الإيرانية الواسعة بعد انتخاب الرئيس نجاد أو ما كشف عن مجزرة ارتكبت بحق عزل في نيجيريا عند التصدي للجماعة المتطرفة ’بوكو حرام’. فرق كبير هذه المرة بين النوعين السابقين من الكاميرات غير الخفية وبين الكاميرات التي تركب خلسة لتوثيق شيء مريب أو محاولة الإيقاع بهذا أو ذاك. آخرها الفضيحة المخجلة لمدير مكتب الرئيس الفلسطيني. هذا الأسلوب كثيرا ما تلجأ إليه أجهزة المخابرات في حالات وجيهة وأخرى أقل وجاهة وأحيانا في حالات باختصار حقيرة. المخابرات الإسرائيلية اعتمدت هذا الأسلوب لإسقاط بعض الشباب والشابات لإجبارهم على التعامل معها بعد أن تكون نصبت لهم كمائن في أوضاع حميمة مشينة تساومهم بها . البعض ينهار ويتجاوب والبعض الآخر يقاوم ويتصدى معتبرا الفضيحة الجنسية زلة أهون بكثير من الخيانة الوطنية . كثير من الدول العربية ذات الحس الأمني المتورم تعمد أيضا لذات الأسلوب مع المعارضين أو حتى من الموالين لشراء صمتهم وولائهم الدائم حتى أنه تردد أن بلدا كمصر أنشأ في فترة من الفترات خلية كاملة لهذه المهمة شاركت فيها وجوه نسائية شهيرة من عالم الفن والتمثيل. أكثر من ذلك ، البعض يذهب - عن حق أو باطل- إلى أن بعض العلاقات الطيبة على الدوام بين هذا البلد وذاك تعود في حقيقة الأمر إلى أشرطة هامة يمسكها كل طرف عن الآخر. وما خفي قد يكون أعظم بكثير.