خبر : الغياب العربي و الحضور التركي... محاولة للفهم /بقلم:ماجد عزام

الإثنين 15 فبراير 2010 01:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
الغياب العربي و الحضور التركي... محاولة للفهم /بقلم:ماجد عزام



ثمة تساؤل كبيرعلى الساحة الفلسطينية , كما العربية . عن أسباب هذا الحضور التركي الطاغى والمميز , والغياب العربي المدوي , عن ملفات وقضايا مهمة ونوعية وتمس جوهرياً بالمصالح العربية , الحيوية والعليا.                                                                                 الامران مترابطان , و ثمة علاقة جدلية بينهما ,  الغياب العربي ,  والحضور التركي , يمكن تفسيرهما بعاملين متعلقين بالعرب وتركيا معا , أحدهما خارجى , فيما الاخر داخلى.العامل الاول يتعلق بطريقة تعاطي الولايات المتحدة مع المنطقة بشكل عام , ومع التوجهات السياسية التركية والعربية بشكل خاص.  لفهم و استيعاب ذلك , لا باس من عرض الواقعة التالية,  "عندما أراد هنري كيسنجر زيارة المنطقة في النصف الاول  من سبعينيات القرن الماضى , طلب من قسم التخطيط السياسى  في وزارة الخارجية , تقريرا او رؤية تساعده , على فهم المنطقة ومشكلاتها  وكيفية مقاربتها " انذاك - كتب  الباحث الشاب ريتشارد هاس(تولى رئاسة القسم فيما بعد) تقريرا من صفحتين بعنوان "الخيمة والسوق" داعيا رئيسه للعمل وفق محتواها.   قال هاس: "ان ثمة خيمة كبيرة داخل كل دولة عربية , يتربع الزعيم فى صدرها" . و اوصى هاس على ضرورة عدم الالتفات والاهتمام بالصخب  او الاصوات العالية فى جوانب الخيمة , فالزعيم وحده يملك القرار  ويجب العمل معه مباشرة ,  ولابأس من  المبالغة  فى الإطراء والمديح , للحصول على المبتغى.التعاطي مع صاحب القرار الاوحد ومصدر السلطة , بل كل السلطات في الحقيقة , يجب أن يكون –حسب ورقة هاس-بذهنية السوق , تضخيم قدرات الزعيم الشخصية , مقابل تبخيس البضاعة المعروضة , والتقليل من قيمتها وعرض اقل ثمن ممكن بعد التاكد  ان هذا هو السقف الذى لا يمكن ان يقبل الزعيم باقل منه . بعد حرب تشرين اول اكتوبر 1973 وفي جولاته المكوكية للمنطقة استخدم كيسنجر بدقة مذهلة نظرية الخيمة والسوق . نجح الامر مع الرئيس انور السادات   على الجبهة المصرية  نتيجة عوامل عدة تتعلق اساسا  ,بشخصيته وطريقة تفكيره . وفشلت على الجبهة السورية  لأن الرئيس حافظ الاسد , امتلك شخصية مختلفة ورؤية مناقضة لرؤية السادات.منذ ذلك الحين , ما فتئت الولايات المتحدة , تتعاطى مع المنطقة ,  وفق نفس نظرية "الخيمة والسوق"، تتصرف على اساس ان ثمة شخص واحد لا احد سواه يمتلك القرار.              الحكم او القرار المؤسساتى المنظم . فان ممارسة مزيج من الضغوط والغراءات وانواع  الابتزاز  كفيل بالموافقة , او على الاقل عدم ممانعة أو معارضة السياسات الأمريكية فى المنطقة , ودائما وفق نفس المنطق , دفع اقل ثمن ممكن , فى اغلى بضاعة , طالما ان الامر منوط بارضاء , او خداع رجل واحد , لا يستطيع اى كان معارضته , او منعه من تتنفيذ ما يراه مناسبا له وللوطن  .لا تستطيع الولايات المتحدة استخدام هذا الأمر مع تركيا , حيث الحكومة منتخبة و حيث القرار ليس اسيرا لشخص واحد , يمكن ابتزازه او الضغط عليه , وحيث المحاسبة قائمة , سواء داخل البرلمان  او حتى عبر الانتخابات النزيهة , التى تجرى بانتظام , و يفصح فيها الشعب عن رايه فى اداء الحكومة سلبا او ايجابا , وبالتالى لا فرصة او امكانية لتطبيق نظرية الخيمة والسوق لثنائى هاس –كيسنجر .   وهذا ما يفسر رفض تركيا المشاركة فى حماقة بل كارثة , غزو العراق وعجز الولايات المتحدة  عن الضغط عليها او ابتزازها . وفى المقابل شاركت دول عربية كثيرة مباشرة , او غير مباشرة , فى تسهيل الغزو رغم يقينها   بانه يمثل كارثة على مصالحها  , كما على المنطقة بشكل عام.                                                                                   من هنا, يمكن الانطلاق مباشرة الى العامل الداخلى  الكامن خلف  الغياب , بل الغيبوبة العربية الحضور التركى الطاغى والمستحب . عند العرب ثمة حكوما  تستمد شرعيتها من دعم القوى كما الكبرى , كما من التها البوليسية القمعية  والمصالح الحقيقية , هى مصالح النظام او الطبقات , والاسر الحاكمة حتى فى النظم الجمه ورية , اما فى  تركيا , فثمة حكومة تستمد شرعيتها من الشعب مباشرة , وتعتقد انها ملزمة بالتعبير عن اماله وطموحه , وارائه السياسية والاقتصالدية والاجتماعية . والا جاءت لحظة المحاسبة العسيرة , فى امتحان صناديق الاقتراع الملزم والحئ     وفق هذا المنطق من الصعب تصور  الخلاص العربى , بعيدا عن التغيير السلمى والديموقراطى رغم انسداد الافاق بمستوياتها وابعادها المختلفة,  الا ان لا فرق جوهرى بين رفض الاحتلال و الهيمنة الخارجية  والتصدى للاستبداد والجمود الداخلى  . الامران متلازمان ومترابطان عضويا  والحل او المخرج  هو باعطاء القرار للشعب  او بالاحرى للشعوب العربية والقبول بحكمها  والثقة المطلقة بمزاجها السياسى والوطنى , وبالتالى الاستعداد الجيد والدائم لامتحان صناديق الاقتراع , ليس وفق طريقة التسعة وتسعين بالمائة – (تم تحديثها لتتماشى مع العصر باتت تسعين او حتى ثمانين بالمائة) بل بانتخابات حرة ونزيهة وفق دستور توافق عليه الاغلبية المطلقة وعلى قاعدة الرضوخ التام لارادة الشعب , والسعى  الجاد لتكريسها فى افاقها المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية ,  ما يتيح حتما  حضورا عربيا افضل واقوى , لايترك الساحة للاخرين .وفى نفس الوقت,  يرسل نظرية الخيمة والسوق الى المتحف  , ويجعلها شيئا من الماضى ليس الا.