خبر : سياسة الابتزاز التفاوضية ... بقلم: فراس ياغي

الخميس 11 فبراير 2010 12:28 م / بتوقيت القدس +2GMT
سياسة الابتزاز التفاوضية ... بقلم: فراس ياغي



قال باولو كيلو: "كنت تلميذ الحياة، وما زلت تلميذها، لقد استقيت المعرفة وتعلمت من أشياء أكثر بساطه، من أشياء غير متوقعة"، فالحياة وحكاياتها مدرسة حقيقية لمن يريد أن يستقي المعرفة ولمن يريد أن يتعرف على حقيقة الأشياء، المجال واسع جدا هنا، وكل صغيره وكل جزيء فيها فكره، بل أفكار، والنفس البشرية دائما تميل للمعرفة، خاصة منها المليئة بالغموض أو التي تتعلق بالفضيحة، الفضول عنوان كبير لكل فرد في هذه الحياة وخاصة في مجتمعاتنا العربية، والحكاية والأقاويل تكبر وتكبر من شخص لآخر، ولكن حين تصبح الحكاية واقعا ملموسا، وحين تكون بعناوين كبيرة وبراقة، فالقصة هنا تصبح مختلفة، والأسئلة وعلامات الاستفهام تبدأ بالظهور فورا، لماذا الآن؟! وما هو المهم في الحكاية؟! وأين نحن كمجتمع وقياده من هذا كله؟!! وكيف يمكن التعامل مع كل ذلك؟ أسئلة كثيرة وكبيرة لا بدَّ من الحديث عنها.صحيح أن ما حدث وظهر لا يغتفر ولا يمكن التسامح فيه، ومن يخطيء يجب أن يحاسب ويدفع ثمن فعلته، وكل شخصية عامة هي ملك للجمهور وليس ملك لنفسها، الخصوصية تنتهي عندما يتم النشر والإفصاح، ولحظتها يجب اتخاذ القرارات بجرأة وبدون تردد، وأقل شيء هو التحقيق فيما حدث، وبشفافية يلمسها الجمهور، فما ظهر فضيحة مدويه هدفها تشويه صورة السلطة الوطنية الفلسطينية والضغط على الرئيس "عباس"، وهذا واضح بشكل كبير، فالمسائل هنا ليست شخصيه، خاصة عندما تظهر على شاشة تلفزيون القناة العاشرة الإسرائيلية، إنها علامات مفضوحة ويفهما كل عاقل، إنها جزء من السياسة الهادفه لضرب مصداقية الحكم الرشيد الذي يقوده رئيس الوزراء الدكتور "سلام فياض"، فالحديث الذي تم في هذه القناة يتماشى مع هذا السياق، ويرادف ذلك سياسة المدح الذي تقوم به وسائل الإعلام والشخصيات السياسية الإسرائيلية الغير بريئة، ولا تعبر عن رضا سياسي عمن تكيل الثناء له، فمن تمدحه "إسرائيل" أو إعلامها تريد حرقه في المجتمع الفلسطيني، سياسة يعرفها الجميع، المدح والتشهير وكشف الخصوصيات سياسة ابتزازية لا يمكن أن تصنع ثقة ولا أن تمد جسور الثقة في فتره تشهد فيها عملية السلام جمود كبير، والرد على هذا الجمود بهذه الطريقة سيعزز عدم الثقة، وسيشعر الطرف المعني بان هناك سياسة رعناء غير مدروسة باسم حرية الإعلام.السلام الذي تحدث عنه رئيس الوزراء في مؤتمرهم السنوي الاستراتيجي - الأمني في "هرتسيليا" هو أقصر الطرق للوفاق والاتفاق، فحل الدولتين هو أساس السلام، ومن يريد أن يعيش بأمن وبطمأنينه فيجب أن يعطي الطرف الآخر أمناً وسلاما بدولة ذات سيادة قابله للحياة والتواصل الجغرافي، أما سياسات الابتزاز، والفضائح فلا تحقق سوى زيادة الفجوات وعدم الثقة، ولقد جاء تقرير القناة العاشرة ضمن هذا المضمار، ويبدو أن الموقف من المفاوضات افقد البعض صوابه، لدرجة الجنون، كما أن التحرك نحو المصالحة وزيارة الدكتور "نبيل شعث" لغزة، دفعت بسرعة صانعي القرار في إسرائيل لكشف ضيق الأفق والوعي السياسي لديها، خاصة أننا نعلم جيدا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية عند الموضوع الفلسطيني معدومة الحرية وموجهة بطريقة أو بأخرى، وطريقة تغطيتها للعدوان على غزة خير دليل على ذلك.ظهور هذا التقرير الآن لحكاية عمرها سنة تقريبا، وتحدث عنها "محمد نزال" على الفضائيات، يؤكد أن هناك من لا يستطيع تحمل أعباء واستحقاق السلام، وان هناك من يعمل على تخريب كل الجهود الهادفه لاستئنافها، وان المقصود زيادة التشكيك بالقيادة الفلسطينية وبمواقفها، الحكاية كلها من ألفها ليائها ليست بذي أهميه في الواقع السياسي لو حدثت في أي دولة أوروبية أو حتى إسرائيل إذا ما تم كل شيء برضا الطرفين، بل تصبح مخالفه للقانون بظهورها للعلن لأنها تعدي واضح على الخصوصية، ولكن حين يتعلق الأمر بالفلسطيني فكل شيء مباح، فهو لا يستحق أي شيء، فهو غير قادر على أن يحكم نفسه، غير قادر أن يتوحد، غير قادر أن يبني قيما ومثلا جيده، هو فاسد وقيادته وسلطته فاسده، وإذا كان هذا حال الفلسطيني وقيادته، فلماذا إذا تريدون صنع السلام معهم؟! يبدو أن سياسة الجزرة والعصاة لم تنفع، فبدأت سياسة الابتزاز العلني بعد أن كان ابتزاز سري، كان يعيشه الفلسطيني منذ جاء الاحتلال، سياسة قديمة عاشها كل معتقل وعاشها كل مريض يريد أن يتعالج، وكتب عنها الكثير، المهم هنا بالنسبة للمجتمع الفلسطيني ليس الحكاية نفسها، ولا الصور المخجلة لمن بثها وتعدى فيها على خصوصية الخصوصيات، فكل هذا أصبح معروفا، فالمطلوب مواقف واضحة من هكذا وسائل اعلام، ومطلوب تحقيق جدي، ورفض كل سياسة الابتزاز بالإجمال، والعمل وبكل جديه نحو المصالحة التي تعتبر الضمان الحقيقي لكل الشعب الفلسطيني والمستندة للورقة المصرية بلا تعديل مع اخذ الملاحظات حين التنفيذ بضمانات ومراقبة ومتابعة مصريه الراعي الأساسي لملف المصالحة الفلسطينية، وفي عملية السلام يجب أن يكون واضحا أن المفاوضات الثنائية قد استنفذت، وان استئنافها من عدمه لن يقدم أو يؤخر فيها، فما اتفق عليه لم ينفذ، والحديث هنا يجب أن يكون وفقا لطريقه جديدة عنوانها الجامعة العربية وقرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام، ففلسطين جزء من جامعة الدول العربية، وقضيتها هي قضية العرب المركزية، ومن يريد السلام عليه أن يحققه مع العرب جميعا، والفلسطينيين جزءا من العرب وليسوا كل العرب، الجامعة العربية هي التي عليها تحمل المسئولية وعليها أن تعمل وفقا لذلك حتى في المفاوضات.أخيرا علينا أن ننظر لما حدث بعيونهم وليس بعيوننا، فهم غير حريصون علينا، ولا يتمنون لنا الخير، وهذا واضح من السياسات المفروضة على ارض الواقع، هم لم يتعلموا أبدا من تجاربهم ويعتقدون أنهم بذلك يوصلون رسائل مختلفة خاصة للقيادة الفلسطينية، ولكنها رسائل تزيد الوضع تعقيدا، ولن تحقق المراد منها، فالقرار السياسي غير مرتبط بأخطاء الأشخاص مهما كان موقعهم، مع التأكيد هنا على ضرورة محاسبتهم، وسياسة الابتزاز ستنعكس على من يمارسها، وسوف تؤدي لمواقف أكثر تشددا، وأكثر تمسكا، فلا هذه الحكاية ولا الأكبر منها، إن كان هناك اكبر، سيؤدي إلى التنازل عن المواقف المعلنة، فالمفاوضات خيار استراتيجي وثابت، ولكن وفق الأسس والاتفاقات والتبادلية وليس وفقا لرؤيا "ليبرمان – نتنياهو" وليس وفق سياسة ابتزاز تفاوضية، وأما الحديث عن بدائل للمفاوضات من قبل العاجزين والمتمسكين بمنطقة ميتة امنيا، فهؤلاء ليس لديهم أفق سياسي أبدا، فالشعب الفلسطيني صابر وصامد ومتمسك بثوابته ولن يغادر أرضه ووطنه ويقاوم الاحتلال بشكل يومي بطريقته وبإمكانياته المتوفرة.