في البحرين داخل متحف التراث وفي القسم الفلسطيني الذي احتوى على وسائل تعبير نافذة وذكية قوية الإقناع والتأثير تبرزها مواقع ضوئية وبعضها صوتي تتحدث جميعها عن جزالة العنف والترهيب والقتل التي مارسها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين.. قفزت في ذهني مسألة مقارنة.. إذا كانت إسرائيل تبرز نفسها أمام العالم على أنها حين تقارَن بالأنظمة العربية فهي تتّسم بالنزاهة الإدارية والاقتصادية وتتبنّى مشروعات حضارية وتنتشر في ممارسات ثقافية دولية، والسلطة البرلمانية في الكنيست هي التي تملك إصدار القرار الإيجابي وعملية وجود الحاكم، بينما العالم العربي يعيش أوضاع تخلّف متعددة، ومن يصل إلى الحكم فمن الصعب أن يخرج منه، ومصير الاقتصاديات والثقافات مرهون بمزاج قدرات شخصية تستحوذ عليه وتترصده في كل دروب انسياباته.. حسناً.. هناك مقارنة أخرى لا أحد يتعرض لها.. أليس هناك تشابه هو الأكثر تقارباً لنوعية من سلوك طرف ضد آخر؟.. نظام القاعدة هل هو أكثر فتكاً وتجاوزاً للمعايير الإنسانية والدينية من ممارسات إسرائيل الوحشية ضد الأعزل الفلسطيني طفلاً كان أو امرأة أو رجلاً عجوزاً؟.. إذا كان انتحاري القاعدة بانفجاره يقتل عشرات ليسوا خصوماً له أو مارسوا عدوانية ما، فإن وقْع السلاح الإسرائيلي على بيوت عشوائية وتجمّع أطفال أو نساء ينهي حياة عشرات من الأبرياء دون رحمة.. لماذا تختفي هذه الصورة عن أنظار العالم؟!.. لماذا لم توجد أصوات عربية اللغة داخل المجتمعات الغربية واليهودية تندّد بوحشية الدولة اليهودية وأنه لا سلام ما لم تتوفر حقوق لطرف آخر؟.. مَنْ كان يمكن أن يسمعه الغرب.. ليس هذا فقط ولكن أيضاً له قدرة مساندة الاقتصاد العربي وتطوير تعدّد علاقاته.. أين هو المسيحي العربي البارز الذي كان في واجهة كثير من المجتمعات العربية، قبل قرن ثم نصف قرن، قبل أن يُرغم على الهجرة إلى الغرب؟.. أين هو اليهودي عربي اللغة وهو مثل المسيحي تواجداً على الأرض العربية كمواطنين قبل ألفي عام على الأقل؟.. لقد مُورس ضدهما الاضطهاد والتضييق حتى اضطرا إلى الهروب إما إلى إسرائيل أو إلى الغرب، مع ما يقال من تأكيد أن يهود العراق كانوا يفضلون البقاء فيه، وأن أهم مسؤول اقتصادي أسّس قوة اقتصاد العراق كان يهودياً في العصر الملكي.. العمق المأساوي في الواقع الراهن الآن لا يتوقف عند حد هروب مواطنين تحوّلوا إلى خصوم مع أنهم لم يكونوا خصوماً في أي يوم بل منهم مَنْ أسس وسائل إعلام ومنهم مَنْ أسس قدرات اقتصاد.. العمق المأساوي يطرح أمامنا واقع العالم العربي بعد أن خرج من مرحلة عداوات الأديان الأخرى، التي لم يكن وجودها جديداً عليه، إلى مرحلة العداوات الذاتية، إما في صدام التشدّد المتخلّف مع إيجابيات الوعي الجديد.. رغم أن كلاً منهما يؤطران في تماثل إسلامي سني واحد.. أو في فتح مناخات الصدام الطائفي بتحفيزات محلية أو أخرى جانبية مؤثرة في التمويل والترهيب بدعم من إيران.. وما كان يمكن أن يولد نظام القاعدة أساساً لولا تخلّف الوعي بصفة عامة..