إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني وانجاز المصالحة الفلسطينية وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي لمواجهة التحديات الإسرائيلية الراهنة التي تستهدف إفراغ المسألة الوطنية من مضمونها الحقيقي .. ليس هناك ثمة أي شك في أن هذه مطالب كل الوطنيين الفلسطينيين الذين يطمحون للقفز تماما عن الأوضاع الفلسطينية المأساوية الراهنة ومن ثم إعادة الحركة السياسية الوطنية الفلسطينية إلى سياقها التاريخي كي تنجز المشروع الوطني في التحرر والانعتاق وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة للشعب الفلسطيني . بالإمكان القول أن هناك جملة من المؤشرات ، التي نعتقد أنها قد تدفع قيادة حركة حماس للإعلان عن موافقتها للذهاب إلى القاهرة للتوقيع على الورقة المصرية مع إسقاط مطالبها الخاصة بتلك التحفظات أو الاستدراكات التي كانت تشترط توضيحها قبل الذهاب إلى التوقيع .... في هذا السياق يمكن إبراز مجموعة من هذه المؤشرات التي نرى أنها قد تسهم في إنضاج الأوضاع وتبرر إقدام الحركة للإعلان عن موافقتها غير المشروطة للتوقيع على الورقة المصرية : أولا : بدأت حركة حماس تدرك جيدا مدى صلابة الموقف المصري بعدم فتح الورقة المصرية للنقاش قبل أن يتم التوقيع عليها من جانب حركة حماس وزاد هذا الإدراك من جانب حركة حماس بعد توتر الأوضاع مؤخرا بين الحركة والقيادة المصرية على خلفية الأحداث الأخيرة التي وقعت على الحدود وما ترتب عليها من مقتل الجندي المصري ومطالبة مصر حركة حماس بمحاكمة الفاعلين .... هذا التوتر في العلاقات بين مصر وحركة حماس دفع هذه الأخيرة للطلب من مصر استقبال بعض وفود الحركة في القاهرة للتوضيح إلا أن مصر رفضت ذلك .... في ظل هذا التوتر الغير مسبوق بين مصر وحماس باتت الحركة مقتنعة أن ذهابها للتوقيع على الورقة المصرية للمصالحة الوطنية يشكل المدخل المناسب لإعادة تهدئة الأوضاع وتنقية الأجواء مع مصر . ثانيا : سعت حركة حماس في الأشهر الماضية للربط بين انجاز المصالحة الوطنية وإغلاق حالة الانقسام الراهن وبين انجاز ملف ما أصبح يعرف الآن بملف جلعاد شاليط لتبادل الأسرى ... كانت الحركة تسعى لانجاز صفقة تبادل الأسرى وما ينعكس عنها من إعادة رفع أسهم شعبيتها على صعيد الرأي العام الفلسطيني وهذا قبل الذهاب إلى المصالحة الوطنية والآن وبعد فشل الجولة الأخيرة للمفاوضات الخاصة بصفقة شاليط ، بفعل تراجع حكومة نتنياهو عن معظم ما كانت قد وافقت عليه في الجولات السابقة ، أدركت حركة حماس أن صفقة شاليط قد عادت إلى الوراء كثيرا وهي ليست مطروحة للجدل في الوقت الحاضر وان الاستمرار في تعطيل انجاز المصالحة الوطنية إلى حين انجاز صفقة شاليط هو أمر لن يعود على الحركة بأي مكاسب سياسية على الإطلاق . ثالثا : إن زيارة رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري إلى قطاع غزة ولقائه مع أقطاب وفعاليات المجتمع المدني من رموز وطنية ، مستقلين ، رجال فكر ورجال أعمال وتمحور نقاشهم حول مسألة واحدة هي الإسراع في انجاز المصالحة الوطنية – بجانب التشاور بخصوص إقامة حزب التجمع الوطني الخاص بالمستقلين – ولقائه اليوم مع بعض قيادات حركة حماس وعلى رأسهم إسماعيل هنية ... كل هذا يؤشر على أن الأمور تسير في تجاه نضوج الأوضاع أمام قيادة حماس للإعلان عن استعدادها للذهاب إلى القاهرة والتوقيع على الورقة المصرية كمدخل أولي على طريق إعادة الزخم للحركة السياسية الفلسطينية كي تنطلق وكذا للدبلوماسية المصرية ، راعية الحوار ، كي تواصل ما بعد هذه الخطوة من خطوات على طريق انجاز الحلقات الأخرى الخاصة بتجسيد المصالحة الوطنية الفلسطينية الحقيقية . رابعا : ما أعلن عنه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، نبيل شعت من انه سيصل الى غزة اليوم وما صرح به انه ذاهب إلى وطنه وأهله في غزة وتفاؤله من أن هذه الزيارة قد تسهم وتساعد في إنهاء حالة الانقسام الراهن .... إن زيارة نبيل شعت إلى غزة في إطار هذه الظروف بالذات لا يمكن أن تأتي من قبيل المصادفة بقدر ما تشكل خطوة مدروسة بعناية ، خاصة وان الأخ نبيل شعت يمثل شخصية فتحاوية رفيعة المستوى تحظى بالاحترام والصدقية الكبيرة وبإمكانه أن يحقق ما جاء من اجله في إطار هذه المرحلة حيث أغلبية الرأي العام الفلسطيني تنادي بإغلاق ملف الانقسام الراهن . خامسا : القادة والرؤساء العرب على موعد قريب من عقد القمة العربية التي ستحتضنها العاصمة الليبية طرابلس وهم يطمحون أن تكون هذه القمة ناجحة وأفضل من سابقتها ، خاصة بعد ذوبان الجليد على طريق الرياض دمشق وما انعكس عن المصالحة السعودية – السورية من إغلاق الملف اللبناني عبر ولادة حكومة الحريري بعد مخاض طويل وكذا مواصلة العربية السعودية لجهودها على طريق تنقية الأجواء بين القاهرة ودمشق والعمل على إعادة الحياة للترويكا العربية ( مصر – السعودية – سوريا ) وهو الأمر الذي يسهم تماما في تهدئة الأوضاع على الصعيد العربي والذي يفضي بالضرورة إلى إحداث التهدئة والاسترخاء على الساحة الفلسطينية ..... هناك جهود حقيقية تبذل من جانب العربية السعودية لدعم الموقف المصري الخاص بانجاز المصالحة الفلسطينية وهذا قبل التئام القمة العربية نهاية آذار مارس القادم ، حيث الحرص أن تخرج هذه القمة بقرارات عربية تجسد وحدة العرب في مواجهة التحديات التي تحدق بمستقبلهم . تجدر الإشارة ، في هذا السياق ، أن أمين عام جامعة الدول العربية ، عمرو موسى قد أعلن مؤخرا أن الرئيس عباس بصفته رئيسا لمنظمة التحرير ورئيسا لدولة فلسطين هو من سيمثل فلسطين في القمة وان القمة تتعامل فقط مع رؤساء الدول ولا تتعامل مع قادة منظمات أو فصائل ... تصريحات موسى كانت بمثابة رسالة تؤكد على من يمثل الشرعية الفلسطينية وأن الأمر يتطلب من قادة حركة حماس إعادة الانسجام في إطار الكل الوطني الفلسطيني . سادسا : في إطار الرد عل مطلب رئيس حركة حماس خالد مشعل بالالتقاء أولا مع الرئيس عباس ومن ثم الذهاب إلى توقيع الورقة المصرية ورفض الرئيس عباس ذلك مشترطا التوقيع من جانب مشعل أولا على الورقة المصرية كمدخل لحدوث اللقاء ، هذا الموقف الثابت من جانب الرئيس عباس قد يسهم هو الآخر في دفع قادة الحركة لإعادة النظر في موقفهم الراهن بعدم التوقيع على الورقة المصرية قبل مناقشة واستيضاح جملة من التحفظات والاستدراكات . بعبارة مقتضبة نقول : إن جملة المؤشرات التي ذكرناها آنفا تدفعنا إلى التفاؤل والاعتقاد أن الأوضاع السياسية الراهنة قد نضجت وان لامجال أمام قادة حركة حماس سوى الإعلان عن الاستعداد للذهاب إلى القاهرة للتوقيع على الورقة المصرية أسوة بحركة فتح التي سبق لها وان وقعت على هذه الورقة وهذا على طريق فتح المجال أمام الشقيقة الكبرى مصر كي تواصل انجاز المصالحة الوطنية عبر تنفيذ كل بنود الورقة التي تأخذ بعين الاعتبار كل متطلبات ومطالب القوى السياسية الوطنية والإسلامية الفلسطينية ويبقى السؤال : هل ستسير الأمور في هذا الاتجاه أم أن عقبات أخرى قد تقفز إلى السطح ؟ .. لننتظر . ؟!