تميزت منظمات المجتمع المدني بأدوار متعددة عبر التنمية من اجل الصمود والبناء والمقاومة إلى ممارسة آليات من الضغط والتأثير باتجاه إرساء قوانين وتشريعات تصون مصالح الفقراء والمهمشين إلى العمل باتجاه إرساء أسس سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء وصيانة الحريات العامة وحقوق الإنسان هذا إلى جانب المساهمة بالتنسيق مع قوى التضامن الشعبي الدولي واستنهاضها ودمجها في إطار المقاومة الشعبية والمدنية في مواجهة الاحتلال .وعليه فإلى جانب الدور الخدماتي والتنموي الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني فإن لها رسالة كفاحية مبنية على فلسفة المقاومة والصمود واستقطاب القوى التضامنية مع شعبنا بهدف فضح الممارسات الإسرائيلية والتي وصلت مؤخراً إلى مصاف جرائم الحرب وفق تقرير غولدستون .برز هذا الدور ابان الانتفاضة الأولى وأثناء الانتفاضة الثانية خاصة في مواجهة جدار الفصل العنصري والذي توج بالنشاط الأسبوعي التي تقوم به هذه القوى بالتنسيق مع القوى الوطنية في بلدتي بلعين ونعلين وغيرهم من البلدات التي يهددها استمرار بناء الجدار والذي يعمل على مصادرة مساحات واسعة من أراضي المزارعين ويمنع الحركة الأمر الذي يؤثر سلباً على مسار الصحة والتعليم والتواصل إضافة إلى مصادرته للموارد والأرض والمزروعات و التي تعتبر المادة الاقتصادية للصمود والتنمية .لعبت منظمات المجتمع المدني ذات الوجهة الديمقراطية وغير المنحازة سياسياً لطرفي الصراع الفلسطيني " فتح وحماس " دوراً بارزاً بالمساهمة بتفعيل الأنشطة الرامية إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وقد قامت بالاتصال عبر لجانها وصلاتها المختلفة مع النشطاء الدوليين ، وذلك عبر حملات السفن التي دخلت عبر البحر إلى قطاع غزة بالعديد من المرات إلى أن منعتها البوارج البحرية الإسرائيلية في عمليات قرصنة مدانة وفق القانون الدولي .وفي ذات السياق شكلت منظمات المجتمع المدني أئتلافاً موسعاً ضم ممثلين لقطاعات اجتماعية مختلفة ( شباب، طلبة ، مرأة ، عمال، منظمات أهلية ، أكاديمية ) وذلك في إطار التحضير والتنسيق لمسيرة غزة نحو الحرية " Gaza Freedom Marsh " ، حيث قامت بالتنسيق مع القوى التضامنية في كل من أوروبا والولايات المتحدة وذلك بهدف تنظيم مسيرة ضخمة على حاجز بيت حانون " ايرز " في شمال قطاع غزة .كان من المخطط لهذه المسيرة ان يشارك بها حوالي 50 ألف إنسان ما بين متضامن أجنبي والذي وصل عدد الذين أكدوا مشاركتهم حوالي 1400 متضامن إضافة إلى كافة القوى والفاعليات الوطنية والإسلامية ومكونات منظمات المجتمع المدني التي تعبر عن قطاعات مختلفة من الشباب والمرأة والعمال والمزارعين وأصحاب الاحتياجات الخاصة والأكاديميين ... إلخ.كل ذلك من أجل هز الراي العام العالمي والضمير الإنساني بمناسبة الذكرى السنوى الأولى للعدوان على قطاع غزة .كان اختيار حاجز بيت حانون " ايرز " مدروساً بما أن الأخير يشكل عنواناً للاحتلال ولابتزاز المسافرين وخاصة المرضى إضافة إلى أن هذا الحاجز يشكل بوابة التواصل مع الضفة الغربية ، من اجل إعطاء رسالة للرأي العام حول موقف المجمع المدني والمتضامين الهادف إلى وحدة الوطن جغرافياً وسياسياً وفق القانون الدولي وفي إطار رفض سياسة التجزئة والتقسيم الممارسة من قبل الاحتلال لتحويل الوطن والشعب إلى كنتونات معزولة عن بعضها البعض .إن مقاومة الحصار عن قطاع غزة قضية وطنية بامتياز وهي تقع في صلب أجندة منظمات المجتمع المدني وذلك بغض النظر عن الطرف السياسي الذي يحكم سواءً بالقطاع أو بالضفة فالحصار مفروض على الجميع وهو يشكل عقاباً جماعياً يمس حياة الأفراد والمواطنين وليس طرفاً سياسياً ،محدداً فهو يستهدف الطلبة والمرضى والأطفال والشباب والمسنين والمزارعين والعمال ورجال الأعمال .... إلخ .وعليه فإن مقاومة الحصار ليس شأناً محصوراً بطرف سياسي ما رغم إدراكنا ان هناك شروطاً مجحفة فرضتها اللجنة الرباعية الدولية على هذا الطرف السياسي والتي رفضتها " أي الشروط" منظمات المجتمع المدني بوصفها تدخلاً فظاً بالشأن الفلسطيني الداخلي وبأنها تعكس ازدواجية المعايير ونكوصاً عن الالتزام بقيم الديمقراطي وحقوق الإنسان ، حيث يجب احترام نتائج الانتخابات التشريعية .إن رفض الحصار ومقاومته من قبل منظمات المجتمع المدني يشكل قوة إضافية ذات بعد شعبي ونوعي للطرف السياسي المستهدف من الحصار ، هكذا يفترض ، ولكن الغريب ان يجري العمل على محاولة احتواء عمل منظمات المجتمع المدني الذي استمر لمدة 4 أشهر تحت عنوان " مسيرة غزة نحو الحرية " والسعي باتجاه إلحاقها بلجنة حكومية في غزة كانت قد تشكلت مؤخراً لكسر الحصار عن القطاع .اعتقد أنه من المناسب أن تعمل الحكومة في غزة على تقديم التسهيلات الضرورية اللازمة لمنظمات المجتمع المدني لإنجاح جهودهم للمساهمة بمقاومة الحصار والاحتلال بالطرق الشعبية والمدنية المستندة للشرعة الدولية لحقوق الإنسان ، حيث أن مشاركة قطاعات شعبية واسعة وتحت لواء منظمات المجتمع المدني سيبرز رسالة إلى الرأي العام العالمي أن مكونات الشعب الفلسطيني وقوى المجتمع المدني بالمقدمة منها هي التي ترفض الحصار الأمر الذي سيشكل مصدر قوة للحكومة في غزة ، علماً بأن لجنة المجتمع المدني التي تشكلت تحت عنوان " مسيرة غزة نحو الحرية" كانت قد نسقت مع الحكومة وطالبت بتسهيل مهمات عملها في إطار يحافظ على استقلاليتها ويضمن إشراف الحكومة العام على دخول المتضامنين الأجانب . لقد دلت تجربة مسيرة 31/12 على حاجز بيت حانون " ايرز " وبغض النظر عن الإعاقات التي تمت لدخول المتضامنين الأجانب خارج دائرة الإدارة أن المسيرة ستكون ذو أثر اكبر ، لو كانت منظمة من قبل منظمات المجتمع المدني على ان يشارك بها قطاعات اجتماعية مختلفة ، الأمر الذي يتطلب القيام بالمراجعة والتقييم لكي يتم إعادة الاعتبار لدور منظمات المجتمع المدني ، لتأخذ مكانتها الطبيعية في حشد قوى التضامن الشعبي والدولي والتأثير لحقوق شعبنا ليس فقط من اجل مقاومة الحصار ولكن من أجل فرض عقوبات على دولة الاحتلال ومحاكمة قادتهم وتعريتهم أمام شعوب العالم .هناك أدوار يجب أن تسند إلى منظمات المجتمع المدني ، وكما أنه من المناسب استمرارية هذا الدور فيما يتعلق بالعلاقة مع قوى التضامن الشعبي الدولي ،فإن ذلك ينسحب أيضاً على دور منظمات حقوق الإنسان المحلية في توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية والعمل على تفعيل هذا التوثيق أمام المحافل والمحاكم الدولية من أجل محاكمة قادة الاحتلال ، حيث أن هذا العمل المهني المتراكم يعتبر أحد انجازات حركة حقوق الإنسان في فلسطين الأمر الذي يستلزم ليس فقط عدم القيام بتكرار عملها بل المساهمة في تقديم التسهيلات الملائمة لها .