خبر : ثغرة كبيرة في جدار الموقف الفلسطيني/بقلم:هاني المصري

السبت 30 يناير 2010 12:17 م / بتوقيت القدس +2GMT
ثغرة كبيرة في جدار الموقف الفلسطيني/بقلم:هاني المصري



بعد أن كاد ينهي جولته التاسعة بالفشل استطاع جورج ميتشل أن يحدث ثغرةً كبيرةً في جدار الـموقف الفلسطيني الرافض لاستئناف الـمفاوضات من خلال حصوله على وعد بدراسة مقترح إجراء مفاوضات غير مباشرة مكوكية، والـموافقة من الرئيس على أن يتم عقد لقاءات فلسطينية إسرائيلية للبحث في إجراءات بناء الثقة التي تنوي إسرائيل تقديمها للفلسطينيين، ولـم يوافق أبو مازن على أن تتناول اللقاءات الـمقبلة القضايا السياسية، أو أن تكون على مستوى القمة.كان الـموقف الفلسطيني متماسكاً حتى اللحظة الأخيرة، ورفض أن تكون هناك لقاءات فلسطينية إسرائيلية قبل وقف الاستيطان وتحديد مرجعية الـمفاوضات وانطلاق الـمفاوضات الـمقبلة من النقطة التي انتهت إليها الـمفاوضات السابقة، وذلك رغم ترحيبه بأية خطوة إسرائيلية تسهّل الحياة على الفلسطينيين، شرط أن تأتي كجزء من تطبيق الالتزامات الإسرائيلية الواردة في خارطة الطريق دون مقابل. ومن الـمفترض التمسّك بهذا الـموقف وتطويره ورفض الانزلاق إلى مفاوضات مباشرة على أي مستوى كان، أو مفاوضات غير مباشرة دون التزامات إسرائيلية واضحة وقاطعة، لأنها تظهر السياسة الفلسطينية هشة وقابلة للتذبذب والتغيير.الـموافقة على عقد لقاءات للبحث في خطوات بناء الثقة أحدثت ثغرة كبيرة في الـموقف الفلسطيني يمكن أن تقود إلى انهياره تماماً، مع أنه لا يزال من الـممكن ردمها، وهي حدثت تحت ضغط الإصرار الإسرائيلي على أن خطوات بناء الثقة لن توهب مجاناً ولكن يجب أن تبحث على طاولة الـمفاوضات، ويجب أن تكون جزءاً من التمهيد لاستئناف الـمفاوضات، وبعد الضغط الأميركي خلال زيارة ميتشل، والـمسبوق بتهديدات أميركية وإسرائيلية بعضها ظهر علناً بحديث شمعون بيريس عن أن الرئيس الفلسطيني يلعب بالنار، وأن تجميد الـمسيرة السياسية سيقود إلى انتفاضة ثالثة، وبعضها الآخر تم سراً بالحديث الأميركي عن أن أبو مازن إذا أراد النزول عن الشجرة العالية التي صعد إليها فسيجد الدعم والتغطية العربية والدولية والإسرائيلية، وإذا أصر على موقفه فسيسقط عن الشجرة.إن التفاوض على الـمسائل الجزئية الانتقالية أسوأ من التفاوض على القضايا الأساسية التي تكون إسرائيل فيها محشورة بالزاوية، فهو أولا ينزل بسقف الـمفاوضات والـمطالب الفلسطينية إلى مستوى إزالة حاجز هنا أو هناك، وهذا يعني أولاً، أننا يمكن أن نشهد ماراثوناً من الاجتماعات، وثانياً، يحقق برنامج الحكومة الإسرائيلية الذي يعطي الأولوية للأمن والسلام الاقتصادي، وثالثاً، يوفر غطاء للحكومة الإسرائيلية للاستمرار في تطبيق برامجها التوسعية والاستيطانية والعنصرية، ورابعاً، يوحي للعالـم بأن الحكومة الإسرائيلية تريد السلام، وأن الـمفاوضات بدأت أو على وشك أن تبدأ، وبالتالي لا داعي للتدخلات والـمبادرات العربية والدولية، ولا داعي للتفكير بخيارات وبدائل أخرى مثل الحماية الدولية وفرض حل دولي على إسرائيل، ولا داعي للـمقاومة والصمود والوحدة الوطنية الفلسطينية وملاحقة إسرائيل على جرائمها على مستوى العالـم كله لعزلها ومقاطعتها ومعاقبتها.كتبنا وقلنا سابقاً: إن وقف الـمفاوضات يستحق الدعم والتشجيع، ولكنه غير كاف، ووحده لا يوفر أساساً سياسياً صلباً قادراً على الصمود في وجه التهديدات والضغوط والعقوبات الإسرائيلية والأميركية، بل يستدعي الضغوط ويجعل الفلسطينيين تحت رحمتها.أهمية وقف الـمفاوضات الأساسية يكمن في كونها خطوة أولى في مسار طويل يهدف إلى الخروج من استراتيجية الـمفاوضات كطريق وحيد لحل الصراع وإلى وضع استراتيجية جديدة وبديلة، تهدف إلى التخلص من الوهم بأن الـمفاوضات في ظل موازين القوى الراهنة والـمعطيات القائمة يمكن أن تقود إلى حل وطني.هذا لا يعني أن الاستراتيجية الجديدة سترفض الـمفاوضات من حيث الـمبدأ، بل يعني أن الـمفاوضات حتى تحقق الأهداف الوطنية منها يجب أن تستند إلى شروط ومستلزمات مثل الاتفاق على مرجعية واحدة ملزمة تقوم على إنهاء الاحتلال والقانون الدولي وقرارات الأمم الـمتحدة، بحيث تهدف الـمفاوضات إلى تطبيقها وليس التفاوض حولها، وأن يكون هناك دور دولي وضمانات حقيقية وآلية تطبيق ملزمة وجداول زمنية قصيرة.كما أن الـمفاوضات حتى تنجح يجب أن تكون الأطراف الـمختلفة قد شعرت أنها بحاجة إلى حل وأصبحت مستعدة وجاهزة لإجراء مساومة تهبط بها عن مواقفها الأصلية. وما دامت إسرائيل لا تشعر بضرورة أن تتراجع عن مواقفها الـمتعنتة، فعلى الطرف الفلسطيني أن يتسلح بأوراق قوة وضغط فلسطينية وعربية ودولية وخيارات وبدائل أخرى حتى تشعر إسرائيل أنها إذا لـم تقبل الحد الأدنى من الحقوق والـمصالح الفلسطينية ستخسر أكثر مما تربح، أو ستربح أقل مما تربح الآن.أن تصحيح الـمسار التفاوضي الفلسطيني ضروري قبل استئناف الـمفاوضات؛ لأن الجانب الفلسطيني قدم التنازلات التاريخية الـمطلوبة منه وأكثر بكثير منذ وبعد توقيع اتفاق (أوسلو) وما تضمنه من اعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والتزام بالاتفاقيات دون أن تقدم إسرائيل في الـمقابل اعترافاً بالحقوق الفلسطينية خصوصاً حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بما في ذلك حقه بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وبعد الـموافقة الفلسطينية على مبدأ تبادل الأراضي والوصول إلى حل متفق عليه لقضية اللاجئين.إن الـمفاوضات التي بدأت بعد توقيع اتفاق (أوسلو) استهدفت إسرائيلياً الهبوط بالـموقف الفلسطيني مرة أخرى ودفعه للـموافقة على التنازل عن حقوقه والـموافقة على اقتسام الضفة الغربية وتصفية قضية اللاجئين والـموافقة على ضم الكتل الاستيطانية والـموافقة على قيام دولة فلسطينية بالاسم ولا تملك من مقومات الدول شيئاً. فيجب أن تكون القدس أو أجزاء واسعة منها جزءاً من إسرائيل، والدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ولا تسيطر على أجوائها وعلى باطن الأرض وأحواض الـمياه والحدود خصوصاً حدودها الشرقية التي تصر الحكومات الإسرائيلية الـمتعاقبة على ضرورة إبقاء السيطرة عليها في أي حل نهائي.إسرائيل تتمترس وراء مواقفها الـمتعنتة وتعتبر أن ما حصلت عليه من الفلسطينيين سابقاً خط بداية لـمرحلة أخرى من أجل الحصول على الـمزيد من التنازلات وصولاً لفرض الحل الإسرائيلي على الفلسطينيين.إن التخلي عن وهم أن الـمفاوضات وحدها ستقود إلى حل وطني، دون التخلي عنها كأسلوب، أو عن العمل السياسي على كل الـمستويات والأصعدة، شرط حاسم لبلورة استراتيجية جديدة وبديلة تعطي الأولوية الحاسمة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة واستعادة البرنامج الوطني ووقف مسلسل التنازلات وتوفير مقومات الصمود واعتماد الـمقاومة الـمثمرة ومقاطعة الاستيطان وملاحقة إسرائيل على جرائمها واستعادة البعدين العربي والدولي للقضية الفلسطينية.إن إسرائيل تريد الـمفاوضات لكسب الوقت وللتغطية على ما تقوم به على الأرض ولقطع الطريق على الـمبادرات والأدوار والخيارات الأخرى ولإقناع الفلسطينيين بما تطرحه عليهم من حلول تصفوية، وألا تبقى الـمفاوضات من أجل الـمفاوضات، مفاوضات إلى الأبد. حتى ليبرمان الـمتعصب والـمتطرف يريد الـمفاوضات لـما تحققه من مصلحة إسرائيلية. أما ايهود باراك فاعتبر في تصريح أخير له أن عدم قيام دولة فلسطينية وعدم ترسيم حدود إسرائيل أخطر من القنبلة النووية الإيرانية.على الفلسطينيين أن يعطوا رسالة لإسرائيل أنهم لا يمكن أن يعودوا للـمفاوضات العبثية مهما كان الثمن، وإذا عادوا للـمفاوضات دون التزام إسرائيلي بإنهاء الاحتلال والاعتراف بالحقوق الفلسطينية فسيكون ذلك بعد تسلحهم بالإستراتيجية الجديدة والوعي حول حقيقة الـمفاوضات وأولوية الوحدة والبرنامج الوطني والـمقاومة الشاملة بكل أشكالها، كإستراتيجية، وليست تكتيكاً هدفه تحسين شروط الـمفاوضات أو الضغط لاستئنافها. عندها تكون الـمفاوضات تكتيكاً اعتراضياً لفضح حقيقة إسرائيل التوسعية العنصرية العدوانية، ولتجنب العزلة والـمقاطعة والحصار الدولي، وليست وسيلة لحل الصراع!!.