تمهيد:كم هم المتباكون على تعطيل الاستحقاق الانتخابي في الخامس والعشرين من يناير الحالي، وكم هم الذين يشيرون بأصابع الاتهام لحركة حماس في عدم التمكين للعملية الديمقراطية أن تمضي إلى غاياتها، كي يفرح الناس برؤية أصواتهم تحسم ساحة الخلاف وتستعيد الرشد للساحة السياسية، وكم من لا تنقطع أحاديث مجالسهم عن تحميل الحكومة ما لحق بالقطاع من شدة ولأواء جراء الطوق والحصار.. وكم من هؤلاء وأولئك من لا يجرؤ على سؤال نفسه؛ ماذا فعلت يوم كانت الديمقراطية تستباح حرماتها.؟! يوم كانت حماس تضع لبنات حكمها وأسس عملية الإصلاح والتغيير التي وعدت بها الشارع الفلسطيني الذي منحها الثقة، وانتظر رؤية لمساتها على مستقبل الوطن والقضية. لاشك أن الجميع يتحمل مسؤولية ما وقع من تعديات على حقوق حركة حماس، وحرمانها من أن تسوس البلاد والعباد بالقسطاس المستقيم، حيث أُشرعت في وجهها سيوف الطعن والتشهير والتحريض لإفشال مشروعها وإغراق سفينتها كي تصبح أثراً بعد عين.لقد أحكم المكر حلقاته، وكان مسعى دهاقنته هو إخراج حماس من نفس الباب الذي دخلت منه؛ أي باب الانتخابات في ألـ 25 يناير 2010، تحت عناوين واستحقاقات لا يختلف اثنان على وجود آلاف المخارج والتفسيرات المتضاربة لها.أتمنى أن ينتهي – اليوم – الجدل الإعلامي واللغط القانوني حول هذه المسألة، لأن أساس المشكلة أصلاً هو خلافنا السياسي، وفي اللحظة التي نتوافق فيها على إجراءات المصالحة الوطنية، سنصل إلى الاستحقاق الانتخابي الذي تنتهي معه كل قرقعات الوعد والوعيد.ومع كل ما سبق، فإن هناك جملة من الوقائع والفرضيات التي علينا تفهمها والتعاطي معها، وهي:1- التأجيل في ظل سلطةٍ تحت الاحتلال تخضع فيها العملية الانتخابية للاشتراطات الإسرائيلية من حيث القبول والرفض ليست بالقيمة التي يمكن من خلالها توجيه الاتهام لهذه الجهة أو تلك بأنها تقف خلف تعطيل العملية الديمقراطية أو إفشالها.2- السلطة الفلسطينية ومنذ نشأتها في 1994 قامت بإجراء انتخابات في عام 1996، وقد استمرت الجهات التي أفرزتها تلك الانتخابات في الحكم حوالي عشر سنوات ولم يعترض أحد.. وكان الجميع يتفهم - بالطبع - طبيعة الظروف التي تعيشها أو تمر بها السلطة.3- نحن في حركة حماس - من جهة المبدأ - دعمنا فكرة الانتخابات، ولم نعترض على إجرائها عندما كنا نتحاور في القاهرة، وارتضينا أن تُجري في موعدها المقرر؛ أي في يناير 2010 إذا ما تحققت المصالحة الفلسطينية آنذاك.4- عندما تعثرت أو طالت جولات الحوار في القاهرة وأصبحنا قاب قوسين أو أدنى من ذلك التاريخ، قلنا في الجولات اللاحقة (الجولة السادسة) إن من الصعب إجراء الانتخابات في موعدها السابق (يناير 2010)، لأن التحضيرات تحتاج على الأقل إلى ستة أشهر؛ ما بين إعداد القوائم الانتخابية، وإحضار المراقبين الدوليين، وتجهيز الأماكن، إضافة إلى التوقيت، حيث يتوجب أن يكون الطلاب في إجازة والمدارس خالية حتى يتم استخدام ساحاتها كأماكن للتصويت.. ومن هنا، بدأنا نتحدث عن موعد آخر وهو 28 يونيه كأفضل توقيت يمكن أن نستوفي فيه شرط الإعداد وتوفر الأماكن خلال عطلة المدارس الصيفية.5- الانتخابات جزء من العملية الديمقراطية، وهي وسيلة لضبط إيقاع الحياة السياسية وتوفير الشرعية والدعم للسلطة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية.. إضافة لتحديد الوجهة السياسية والأمنية والعسكرية في التعامل مع الاحتلال والتعاطي مع المجتمع الدولي.6- المصالحة الوطنية هي المدخل لانفراج الوضع، كما أنها طوق النجاة من حالة الأزمة ووضعية الانسداد والقطيعة التي نمر بها جميعاً.. ولابد أن تكون هي المقدمة للخروج من نفق الأزمة وحالة التشرذم التي تباعد بيننا وبين إخواننا في حركة فتح سياسياً وأمنياً ومجتمعياً، وتضعف من مكانتنا جميعاً أمام عدونا وأمام المجتمع الدولي والجوار الإقليمي.. لذلك، فإن المصالحة هي قدر ومصير لشعبنا وقضيتنا. تعطيل العملية الديمقراطية: المخاطر والتداعياتلاشك أن استمرار عملية الانقسام وتعمد تعطيل إجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة، سيكون له عواقب وخيمة على مستقبل النظام السياسي الفلسطيني، كما أن لهذا الأمر الكثير من التداعيات والنتائج السلبية، والتي يمكن أن نجملها في النقاط التالية: 1- تكريس حالة القطيعة وإضعاف الموقف الفلسطيني دولياً، وتشكيل خارطة مواقف ومعسكرات تصطف خلف حكومة رام الله أو حكومة غزة.2- غياب الموقف الفلسطيني الموحد وتشرذم الرؤية الفلسطينية لحل الصراع.. وهذا يعطي لإسرائيل ورقة قوة في التحرك والمناورة لإجهاض الحلم الفلسطيني في دولة حرة ومستقلة على حدود 67 والقدس عاصمة لها.3- حالة الاستقطاب السياسي ولغة الطعن والتشهير ستؤدي إلى تبديد الأمل بموقف عربي إسلامي داعم للشعب والقضية، وهذا يعني التباعد في العلاقة والارتباط مع هذا العمق، الأمر الذي يجعل الفلسطينيين تحت تسلط المواقف الإسرائيلية والمساعدات الغربية المشروطة.4- التسليم بواقع ما بعد الحسم، بكل ما فيه وما يحمله من سيناريوهات كارثيّة على مستقبل الشعب والقضية.5- ضياع فرصة بناء نظام سياسي قائم على الشراكة السياسية والتداول السلمي للسلطة، والوقوع تحت براثن الاحتلال وضغوطات المجتمع الدولي.6- تجاهل الانتخابات أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى هو توطين لواقع الحال القائم، حيث استمرار وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، وتشديد الحصار الظالم على قطاع غزة.وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن هذا المأزق المتعلق بفقدان الشرعية بعد انتهاء المدة القانونية تقع فيه المكونات السياسية مجتمعة، الأمر الذي يجعل من السهل القبول به كأمر واقع فرضه الانقسام، وتبقى الأمور على حالها مع التأكيد بأن الشرعية في الساحة الفلسطينية - للأسف - تستند عملياً على فرض الأمر الواقع، فمن استطاع السيطرة وتمكن من الحصول على دعم إقليمي أو دعم دولي، أصبح "شرعياً"..!! ومن لم يستطع فعليه أن يزاحم من أجل أن يفرض لنفسه مكاناً تحت الشمس. خاتمة وتعقيبإن الأهم من الاستحقاق الانتخابي في هذه المرحلة هو التسريع باستعادة العلاقة مع مصر، وتفعيل دورها التاريخي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهذا لن يتأتي إلا بتوقيع ورقة المصالحة من ناحية، والتسليم لها بملف شاليط من ناحية أخرى، إن علينا أن نعترف أن مصر هي من بادرت برعاية الحوار في القاهرة وأنجزت من ملفاته الكثير، وكانت العثرة – للأسف- في الخطوة الأخيرة التي تتطلب منا الآن أن نقيل عثارنا، وأن نمضي بثقة لمحطة التوقيع وإنهاء الانقسام.إن الواجب يقتضي منا الإقرار بأن مصر ليست وسيطاً في جهودها التي تبذلها، بل هي شريك استراتيجي لنا ولقضيتنا، وعلينا أن لا نسمح لخلاف الرأي - في بعض المسائل - أن يجرح كبرياء هذه العلاقة التاريخية بأي حالٍ من الأحوال.نقطة ثانية أود الإشارة إليها، وآمل أن تكون مدخلاً لجمع الشمل وتوحيد القوى، ألا وهي الموقف الذي أبداه الرئيس (أبو مازن) بعدم العودة للمفاوضات إلا بعد التجميد الكامل للاستيطان، وتحديد جهة المرجعية التي تضمن قيام الدولة الفلسطينية؛ الحرة والمستقلة على حدود 1967، والقدس عاصمة لها.إن هذا الموقف يتطلب منا أن نشدَّ من أزر الرئيس (أبو مازن)، وحشد الساحة السياسية لتصليب موقفه، حتى لا يتهاوى أمام الضغوط الإقليمية والدولية.إن قضيتنا تمر بلحظة تاريخية تحتاج منا جميعاً التسامي فوق خلافاتنا الحزبية من أجل المصلحة الوطنية العليا.. ويبقى السيناريو الأقرب للتطبيق، والذي يجنبنا مهاترات جدل الاستحقاق الانتخابي المتعثر، وهو المضي قدماً نحو التوقيع على وثيقة إنهاء الانقسام، ومن ثمّ التوجه للانتخابات، والتعاطي بمسؤولية وطنية عالية مع كافة الملفات التي تضمنتها تلك الوثيقة بهدف تعزيز الشراكة السياسية، التي تحمي المقاومة، وتحفظ حقوقنا وثوابتنا الوطنية وتطلعاتنا في الحرية والاستقلال.