في جلسة ودية مع مجموعة من عناصر تنتمي إلى المؤسسة العسكرية الفلسطينية ، دارت أحاديث كثيرة ومتنوعة في مجالات متعددة من واقعنا الفلسطيني والعربي وبعض أمور العالم، وكم كانت الدهشة كبيرة عندما عرفت أن 70% منهم يحملون شهادات جامعية في مختلف التخصصات ،ولم أتفاجأ لأجابتهم على سؤالي، لماذا لم تبحثوا عن أعمال أخرى وفق تخصصاتكم ؟؟ ، عندما قالوا " لقد بحثنا كثيراً عن أعمال ووظائف تتلاءم مع ما درسناه وتعلمناه في جامعاتنا ولم نُوفق في ذلك ، خاصة وأننا لا نستطيع الحصول على تصاريح عمل داخل " إسرائيل" لأسباب وحجج إسرائيلية عديدة ..". وعندما سألتهم عن عدد ونوعية الكتب التي قرءوها أو يقرؤونها ألان وبعد تخرجهم من جامعاتهم ،كانت المفاجأة الأكبر، أنهم- وبلا استثناء- لم يفتحوا ولو كتابا واحدا ، لا بتخصصاتهم ولا بكتب ثقافية أخرى، مما خلق لدي انطباع بان المعاناة تكون اكبر والنتائج تكون اخطر عندما يحمل المرء شهادة فقر حال في الثقافة، هذه الشهادة التي لا تؤهله لان يكون ذو تأثير يذكر في المجتمع ، وهو ما سيؤدي به إلى الوقوع في أخطاء مسلكية، تُسئ لصورة رجل الأمن في أذهان الناس. وهنا يحضرني قولاً للرفيق الشهيد د. جورج حبش عندما تناول ظاهرة المسلكيات الخاطئة للفدائيين في المراحل الأولى للعمل الفدائي في الساحة الأردنية عندما قال (" إن الفدائي الذي لا يعرف لماذا يحمل السلاح وضد من يحمل السلاح ولا كيف يستخدم السلاح سيقع في أخطاء مسلكية تسئ لصورة العمل الفدائي في أذهان الجماهير.."). ويجب أن نتذكر دائما ما ألت إليه أوضاع الثورة الفلسطينية في الساحة الأردنية ،والتي كان من أسباب هزيمتها هناك هو الفهم الخاطئ والمسلكيات الخاطئة الناتجة عن عدم الوعي وقلة المعرفة إضافة إلى الكثير من الأسباب الأخرى.. وقد تبين ضعف الجانب الثقافي عندما تناول النقاش الجوانب التاريخية للقضية الفلسطينية بمختلف مراحلها وتركيباتها والقوى المشاركة فيها ، وصولا إلى كل الأحداث والتطورات التي حدثت وتحدث في الساحة الوطنية الفلسطينية ألان. وكانت الدهشة اكبر عندما برر بعضهم ذلك بالقول " نحن عسكر ورجال امن ولا دخل لنا بالسياسة والفكر والثقافة .." ، وبالتأكيد فهو تبرير غير منطقي وغير علمي ولا يستند على فهم حقيقي للوعي والثقافة والفكر حتى لو امضوا أعمارهم بين نار السلاح، خاصة وإننا ما زلنا نعيش ضمن مفاهيم وطنية وثورية تعلمناها وتربينا عليها طوال سنوات النضال الوطني الذي ما زلنا نمارسه حتى ألان ،لأننا لم نحقق بعد أيٍ من أهدافنا الوطنية الكبرى.. واهم هذه المفاهيم هو ذلك المفهوم الذي يقول " كل سياسي عسكري وكل عسكري سياسي..". وعلينا أن نتذكر ذلك القول للزعيم الصيني "ماوتسي تونغ" عن الثقافة "..على الإنسان أن يعرف أي شي عن كل شي ..".. إن التسلح بالمفاهيم والمعارف هو مسألة في غاية الأهمية ، إذ أن لها الدور الأبرز والأكبر في تحديد وبرمجة العلاقات والارتباطات والاتجاهات والمواقف المتعددة والمتنوعة ،خاصة في ظل الهجمة الممنهجة والمقصودة التي تتهم عناصر الأمن الفلسطيني بالأمية وعدم الدراية والمعرفة وعدم القدرة على إقناع الشارع الشعبي بوجودهم وأهميتهم. إن الحصول على ذلك يتأتى من خلال جملة من الوسائل والأساليب والطرق والتي أهمها: - المطالعات والقراءات التي يتناولها المرء كالكتب والمجلات والجرائد والنشرات والدوريات. - الفضائيات والإخبار ومحطات الراديو والتلفزيون . -العلاقات العامة مع الآخرين والنقاشات الثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها. - المحاضرات والندوات والتوجيهات والتعاميم التي تتناول القضايا السياسية والسلوكية والثقافية المختلفة. - وهنالك قضية أخرى على درجة عالية من الأهمية ألا وهي صحف وإذاعات القوى الأخرى إن كانت دول أو جماعات أو تنظيمات أو فصائل ،لما لذلك من أهمية في معرفة إطراف الواقع وقواه واتجاهاته ومواقفهم وتعبيراتهم المتنوعة . وهنا لا بد من الإشارة إلى ذلك الدور الأساسي والمهم الذي يمكن أن يضطلع به جهاز التوجيه السياسي والمعنوي في ذلك، حيث انه مدعو للقيام بما يخدم الأعداد الكبيرة من المجندين ورجال الأمن الذين هم بحاجة أكثر من غيرهم للوعي والثقافة والمعرفة ،وذلك للدور الهام الذي يضطلعون به في الواقع الفلسطيني،وذلك من خلال وضع البرامج والخطط الضرورية لكل مستوى امني محدد، بعيدا عن الارتجالية والعفوية وردات الفعل والموسمية والانتقائية..ويجب أن يتأكد لنا إن تعلم نسج علاقة اجتماعية مع مواطن هو أهم بكثير من نظريات الأمن التي تظل ناقصة دون ارتباطها بوضع وظروف وحياة الناس ، لان رجل الأمن مثل سمكة إذا خرجت من الماء فقدت حياتها ، وهو كذلك، إذا خرج من بين صفوف الناس فقد قدرته على الفعل والتأثير ومعرفة دقائق الأمور حتى لو كان عارفًاً بكل نظريات الأمن.. وهنا تجدر الإشارة إلى مسالة في غاية الأهمية ألا وهي أن عدداً كبيراً من رجال الأمن الفلسطيني لم يتسنى لهم معرفة أي شي عن محافظات الوطن الأخرى ،ولم يذهبوا إليها لمجرد حتى الزيارة ،ناهيك عن عدم معرفتهم شبه المطلقة عن المحافظات الجنوبية المغتصبة، التي نتمنى أن تعود للشرعية الوطنية في القريب العاجل..