ولا لقطة واحدة إلى حد الآن لحادثة رمي حذاء على الرئيس السوداني عمر البشير! لا فيلم تلفزيونيا ولا حتى صورة ثابتة وكأن ما جرى وقع في كوكب آخر غير كوكبنا. يستحيل ألا يكون هناك مع البشير، كعادة رؤسائنا، جيش من مصوري التلفزيونات والصحف، ولكن من يمكن أن يتجرأ ويبث هذه اللقطة؟!بعد الذي أقدم عليه هذا الموصوف بالمجهول الخمسيني والذي لا تعرف أسبابه في باحة ’قاعة الصداقة’ بمركز المؤتمرات في وسط العاصمة السودانية، يمكن بسهولة ودون خيال خصب تخيل السيناريو التالي: المسارعة طبعا بشل حركة الرجل وإلقاء القبض عليه ومن ثم التوجه إلى كل الإعلاميين المرافقين للرئيس بتسليم أشرطتهم فورا إلى الأمن مع تحذير شديد اللهجة أن أي واحد يحاول التذاكي ويقوم بتسريب ما جرى للجهة التي يعمل لديها سيدفع ثمن ذلك غاليا جدا. بالتأكيد لن يطمع أحد في التلفزيون الرسمي بأن يتبرع له بلقطة ’غالية’ كتلك التي حدثت ولكن من الصعب جدا تصور أن لا أحد سواه يمكن أن يكون قد صورها. لقطة الحذاء هذه هي النقطة الوحيدة التي قد تجمع الرئيس البشير والرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في مسيرتهما الشخصية والسياسية. لكن البون شاسع جدا بين السياقين العراقي والسوداني، كذلك بين منتظر الزيدي الذي اعتبر بطلا عندما فعلها في كانون الأول (ديسمبر) 2008 بحق بوش وبين هذا السوداني المجهول والذي قد يظل كذلك إلى الأبد. البث الحي للمؤتمر الصحفي الذي جمع وقتها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بالرئيس الأمريكي هو الذي جعل هذه اللقطة تطوف العالم كله وتحقق أعلى نسبة مشاهدين في مواقع الإنترنت، بينما شكل غياب ذلك البث عن نشاط داخلي للرئيس نعمة لا تعوض. لا نستطيع أن نجزم من الآن بأن صاحب الحذاء السوداني سيلقى أم لا أصناف الإهانات والتعذيب التي لقيها الزيدي من أجهزة الأمن العراقية، كما لا أحد يمكن أن يتنبأ من الآن ما إذا كان هذا المجهول سيمثل أمام محاكمة أم لا، أم قد يعلن انه ’مخبول’ وينتهى الأمر مع التنبيه أن عليه أن ينسى فعلته تماما ولا يتحدث فيها لأحد حتى تنساه الأجهزة إياها. وفي صورة المحاكمة هل سيقضي المجهول بضعة أشهر ثم يغادر لحسن سلوكه، كما حصل مع الزيدي، أم سيقضي أعواما عديدة خاصة إذا انتخب البشير من جديد رئيسا لبلاد يحكمها منذ واحد وعشرين عاما. لو بثت لقطة البشير لكان مدعي عام محكمة الجنايات الدولية لويس مورينو أوكمبو أكثرهم استلقاء على قفاه ضحكا وشماتة وهو من عجز عن جلبه مكبلا للمثول بتهمة جرائم حرب في دارفور. مع ذلك فقد كان يمكن أن يكون معارضو البشير، وهم ليسوا قلة في البلاد، على شاكلة أوكمبو وهم يتابعون لقطة الحذاء هذه لكن البشير حرمهم جميعا من تلك المتعة. أكثر من ذلك، حادثة بوش حصلت قبل تركه البيت الأبيض بأسابيع، بعد ثماني سنوات هي أقصى ما يمكن لرئيس أمريكي أن يبقى في منصبه، وقابلها باستخفاف الأبله معلقا فقط على مقاس الحذاء، وكنا نود أن نرى كيف كان يمكن أن يستقبلها رئيس عربي لم تكفه عشريتان في الحكم ويقول هل من مزيد! حتى ونحن ’نضرب بالجزمة’ ... الأمريكيون أفضل أداء منا!!