عندما قرر د. حيدر عبد الشافي المشاركة بالانتخابات التشريعية الأولى التي تمت في 20/1/96، كان يهدف إلى المساهمة في بناء مؤسسات السلطة والتأسيس لمقومات الدولة الفلسطينية القادمة ، وكشكل من أشكال حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره عبر اختيار ممثليه للسلطة التشريعية ذات المهمات الرقابية والاقرارية لقوانين وتشريعات تنظم الحياة الفلسطينية وترس أسس سيادة القانون والحياة الديمقراطية .حاول د. حيدر وغيره من الأعضاء رغم قلتهم حيث كانت كتلة فتح هي المسيطرة على بنية وتركيبة المجلس الضغط باتجاه تفعيل دور المجلس بالتشريع والرقابة والمسائلة ، وقد كان الاختبار لهذه المحاولة عندما تم إثارة موضوعة ملف الفساد عام 97 ، حيث حاول المجلس عبر لجنة الرقابة وحقوق الإنسان من استثمار هذا الملف الصادر عن هيئة الرقابة العامة والعمل على تفعيله عبر بلورة آليات من شأنها اتخاذ إجراءات بحق المشار إليهم بالتقرير باتجاه الفساد وهدر المال العام واستخدام الموقع والنفوذ لتحقيق المنافع الذاتية والخاصة .استطاعت السلطة التنفيذية حينها التغلب على المحاولات الصادرة من المجلس التشريعي ، من خلال استيعاب العناصر المطالبة بتفعيل تقرير هيئة الرقابة حيث تم تشكيل حكومة جديدة موسعة في أغسطس 98 ضمت بعض النواب الذين كانوا متحمسين لقضية المسائلة والمحاسبة ، حيث أعلن المجلس حينها إغلاق ملف الفساد .أدرك د. حيدر في ذلك الوقت قدرة السلطة التنفيذية المتسلحة بإغراءات المال والموقع من استيعابها للسلطة التشريعية ، بحيث أصبح دورها بعد ذلك تابع ومتماهي مع السلطة التنفيذية الأمر الذي قوض من مبررات وظيفتها بالتشريع والرقابة والمسائلة .ولما انتهت المبررات لعضوية المجلس الذي فقد مبررات وجوده عبر قدرة السلطة التنفيذية على استيعابه في إطار سياسة الاحتواء المتبعة في ذلك الوقت بحق الأحزاب والمثقفين وأصحاب الرأي، اتخذ د. حيدر موقفاً نوعياً وجريئاً حيث أعلن استقالة مسببة في سبتمبر / 98 وبصورة فردية عندما امتنع بعض الأعضاء الذين كانوا يقوموا بالتنسيق معه في إثارة بعض القضايا داخل المجلس وبما يشمل إمكانية اتخاذ قرار الاستقالة إذا تطلب الأمر ذلك ، حيث خذله العديد من الأصدقاء النواب في حينه .ورغم الجدل الذي انتاب النقاش حول خطوة د. حيدر بالاستقالة ، وإذا كانت مفيدة او غير مفيدة إلا أنها تعكس عناداً وصلابة ومبدئية فريدة في زمن تعززت به الثقافة الزبائنية والمنفعية والفردية والاستهلاكية ، حيث أعطت الاستقالة عدة رسائل من ضمنها ان الموقع هو أداة لتحقيق الهدف وإذا أصبح هذا الموقع معيقاً لتحقيقه فلا مبرر للاستمرار به ، كما كانت رسالة استقلالية المجلس التشريعي ليقوم بدوره المناط به خارج سيطرة السلطة التنفيذية ذات مغزى ودلالة واضحة أيضا ، هذا إلى جانب الرسالة التي تؤكد رفض الإغراءات والمواقع مهما كانت إذا ابتعدت عن الأهداف والرؤية التي يسعى من اجلها النائب داخل المجلس التشريعي . لقد تذكرت هذا الموقف المبدئي من شخص كان رمزاً للنزاهة والاستقامة والمصداقية عندما جاء استحقاق 25/1/2010 الانتخابي ، حيث تنتهي ولاية المجلس التشريعي كما هي ولاية الرئيس ، ولكنني استغربت من أصوات العديد من الشخصيات المعبرة عن قوى سياسية ذات توجهات ديمقراطية اعتبرت ان عدم إجراءات الانتخابات انتكاسة لمسيرة الديمقراطية الفلسطينية وإنها حق من حقوق الوطن والمواطن ، ولكن أيا من تلك الشخصيات ذات العضوية بالمجلس التشريعي وذات الرسالة والصوت الديمقراطي لم تقم بتنفيذ خطوة شبيه بخطوة د. حيدر عبد الشافي الذي قرر الاستقالة ، معطياً النموذج والمثال والقدوة .إننا بحاجة إلى إقران القول بالعمل ، وإن خطوة استقالة بعض النواب المرتبطين بالحركة السياسية الديمقراطية على اختلافها ربما كان سيساعد على إعطاء المصداقية بصحة الرؤية المطالبة بإجراء الانتخابات في موعدها وبصورة دورية كاستحقاق وطني وديمقراطي وقانوني فهل من حيدر جديد ؟؟؟ .