خبر : قات يمني سام ...باسل ناصر

الجمعة 22 يناير 2010 01:18 ص / بتوقيت القدس +2GMT
قات يمني سام ...باسل ناصر



  يصيبني دوار شديد أثناء متابعة الحالة اليمنية الراهنة وكأنني في مكان ما بين مختلف الجبهات، تتساقط من حولي الدانات، وتئز في أذنيً أصوات الرصاصات. لقد مر اليمن (الحزين) بتقلبات سياسية ومشاكل قبلية واسعة النطاق على مدار تاريخه، منذ خلاف النبي سليمان وبلقيس وحتى يومنا هذا، ولكن يبدو أن الدوامة الحالية التي يعيشها اليمنيون هي الأسوأ على الإطلاق من حيث تعدد الأزمات ومدى تعقيدها وحدوثها في وقت واحد. في الشمال حرب طاحنة بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وهي مرشحة للاستمرار لزمن ليس بالقصير وللمزيد من أعمال القتل، وهي تكاد أن تكون حرب سنية شيعية أو عربية إيرانية نتيجة للدعم الإيراني المطلق للحوثيين في تصديهم لنظام الحكم في اليمن، وخطة إقحام السعودية في المعركة وتوسيعها كي تصبح حرب إقليمية تخدم برنامج إيران وخططها في السيطرة على مقدرات العربية وإعادة بناء الدولة الفارسية الكبرى على أنقاض العرب. وقد ظهر مؤخرا نشاط القاعدة ومواجهة الحكومة اليمنية المركز وواسع الانتشار لعناصر القاعدة في اليمن. وهنا أيضا تأخذ الأمور منحى تصعيديا ولعل أهم مؤشراته إغلاق العديد من الدول الكبرى لسفارات بلادها في اليمن، والخروج باستراتيجية يمنية أمريكية مشتركة تخللها عقد لقاء بين الرئيس اليمني و الجنرال الأمريكي ديفيد بيتراوس. وأخيرا هناك الحراك الجنوبي المطالب بانفصال اليمن الجنوبي وشق اليمن لدولتين مجددا. جبهات ثلاثة قوية وعميقة الأثر تضرب اليمن في خاصرتيه وقلبه، ووحده يخوض اليمن معركته باستثناء التدخل السعودي بعد هجوم الحوثيين على القوات الحدودية السعودية. ينظر الجميع لما ستؤول إليه الأمور ومن بعدها يبدأ العرب بالتحرك لمعالجة ما قد ينشأ من تطورات، أما أن يأخذ العرب زمام المبادرة ويساعدوا اليمن في محنته فيبدو أن الأوان لذلك لم يحن بعد. القادة العرب وأبناؤهم منغمسون في متابعة مشاكل خاصة بكراسيهم ومهتمون بالاستثمارات والبورصات والمنشئات التي تملكها العائلات الحاكمة في مختلف الدول العربية. وحتى الدول التي صنف اليمن نفسه في مجموعتها السياسية لم تحرك ساكنا ولم يعرض أي منها خدماته لمساعدة اليمن في محناته الثلاث، بينما تقوم إيران بتوفير كل الدعم السياسي والعسكري والمالي لشيعة اليمن. الخطيئة هنا أيضا ذات أوجه متعددة ومصادر متنوعة. فبعض العرب الذين يقتربون من إيران من جهة ويقيمون معها التحالفات لابد وأنهم قد ساهموا في هذا الاختراق الإيراني للعالم العربي من خلال تمكن إيران من شق الصف العربي وبالتالي تسهيل السيطرة على مناطق مختلفة من الوطن العربي لغياب موقف عربي موحد. كذلك فإن لعدم مبالاة الأنظمة العربية لما يحدث في اليمن ومناطق التوتر الأخرى من منطلق "يكفيني همي، وليقلع الباقون أشواكهم بأيديهم" يساهم في ضعف الجبهات العربية المختلفة وتراجع في الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية. وأخيرا هناك غياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية في عملية صنع القرارات سواء في اليمن أم غيره من الدول العربية. فالمواطن لن يهرع للدفاع عن نظام يصادر حقوقه ولا يهتم بارتفاع معدلات الفقر والبطالة بين رجاله ونسائه وشبابه من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية. وإذا ما تم الاعتراف بهذه الحقائق يمكن الخروج بعدد من الاستراتيجيات والسياسات العربية التي تجنب العرب معظم الشرور وتضعهم على الطريق القويم نحو إسترداد الحقوق العربية المسلوبة والنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. وهذا لن يتحقق بمعزل عن تفعيل جامعة الدول العربية ومنحها دورا تنفيذيا في المجالات السياسية والاقتصادية بدلا من الدور الباهت والموسمي الذي تمارسه. كذلك لابد من البدء وعلى الفور في السعي نحو توفير سبل الوحدة العربية ويمكن الاستهلال بتطوير مشروعات اقليمية كبرى مشتركة، وتأسيس سوق عربية واحدة، ووجود مواقف عربية مشتركة تجاه القضايا الاقليمية والدولية. وهذا بدوره لن يتأتى بدون تفعيل الديمقراطية وتمكين الشعوب من اختيار ممثليها، وضمان المشاركة الشعبية في عملية التخطيط واتخاذ القرارات، ورفع منسوب الحريات الفردية والجماعية في التفكير والرأي والتعبير، وهنا يبرز دور الشباب والمثقفين والكتاب بشكل خاص فهم عماد الأمة وأملها وعوامل التغيير فيها. ومن هنا وكخطوة في هذا الاتجاه وعلى الصعيد اليمني بالذات لابد وأن تبادر الحكومة اليمنية لعقد لقاء موسع وشفاف واستراتيجي مع الجنوبيين من أجل الخروج بموقف واحد يخدم اليمن واليمنيين ابناء الشمال منهم وأبناء الجنوب ويساعدهم معا في مواجهة التحديات الخارجية المحدقة بهم وبمستقبل أبنائهم دون تفريق أو تمييز. فهل تشكل المعضلة اليمنية الحالية مدخلا نحو هذه التحولات الاجتماعية والسياسية الهامة في العالم العربي! اليمنيون يلوكون الرصاص والمتفجرات والقذائف بدل القات. أصبح القات اليمني ساما وقد ينقل أثر السموم لجميع الأقاليم والأقطار العربية فيدخل العرب جميعا في تيه جديد لا تعرف له نهاية، ومن الممكن أن يكون بلسما للعديد من الأمراض والأوجاع العربية إذا ما أخذت العبر والدروس وتم الخروج من الحالة العربية الراهنة التي تشبه إلى حد كبير حالة موت سريري.