بدت الصور التي وزعتها إسرائيل للسفير التركي لديها أوغوز تشيليك كول كأنها مقتطعة من مسلسل عن المافيا. أو من مسلسل «وادي الذئاب» (الدبلجة السورية ممتازة) الذي تأخذ عليه أنه يشوه صورتها. وبدا نائب وزير خارجيتها داني أيالون عراباً يملي أوامره من كرسيه العالي على «مافيوزو» صغير الحجم والقيمة خالف التعليمات ويطلب الصفح. هي صورة إسرائيل عن نفسها. انها فوق الأعراف والقوانين. كرسها وزير خارجيتها أفيغدور ليبيرمان الذي عقد اجتماعاً لسفراء الدولة العبرية، قبل أيام من تصوير السفير التركي، وحضهم على الاعتزاز بوطنيتهم والتصرف مع العالم على هذا الأساس. في أنقرة عرضت حلقة من «وادي الذئاب» تصور عملية إنقاذ طفل فلسطيني من القنصلية الإسرائيلية، فيما غطت الدماء العلم الإسرائيلي. الحلقة جاءت في سياقها الدرامي المبرمج. لكنها بدت تحدياً للدولة العبرية ، ورداً على إهانة السفير. أكد هذا الانطباع قول كاتب المسلسل بهادير أوزدينير إنه يستعد لتصوير مسلسل جديد بعنوان «وادي الذئاب - فلسطين» و»لنر ماذا ستقول إسرئيل». المسلسل يصور استهتار «الموساد» بمشاعر الشعب التركي ومدى تغلغله في مؤسسات الدولة والأحزاب والجيش وقوى الأمن والصحافة. هو تعبير عن نية الحكومة التركية وضع حد لهذه العلاقة الشاذة بين دولة راسخة تكتسب أهميتها من تاريخها الطويل، بحسناته وسيئاته، ومن تجذرها في المنطقة، وأخرى طارئة لم يعرف الشرق الأوسط سوى الحروب منذ نشوئها. لهجة التحدي في تركيا لم تقتصر على تصريحات أوزدينير. الصحف كلها احتفت بموقف الحكومة من الأزمة. طالبتها بمزيد من التشدد. شجعها على ذلك تراجع إسرائيل وتقديمها اعتذاراً مكتوباً عن تصرف أيالون الأخرق. أخرق لكنه تعبير عن أزمة حقيقية تعيشها الدولة العبرية، ليس في علاقاتها مع أنقرة فحسب، بل مع أوروبا التي لم يعد لتهمة العداء للسامية وقعها القديم على رأيها العام، بعد المجازر التي ارتكبها ويرتكبها «جيش الدفاع». وهو تعبير أيضاً عن فداحة الخسارة الإستراتيجية إذا استمرت تركيا في خياراتها الجديدة وفي استعادة علاقاتها مع محيطها العربي والإسلامي. خسارة لا يعادلها شيء سوى خسارتها إيران حليفاً، قبل ثلاثين عاماً. الثورة الإسلامية أسقطت أحد أهم حلفائها في المنطقة. و»انتفاضة حزب العدالة» تستكمل تفكيك الطوق عن العرب وتخفيف الضغط على طهران. ولربما كان وزير الخارجية التركي داود أوغلو أفضل من عبر عن رفض الرؤية الإستراتيجية المتعارضة مع الطروحات الإسرائيلية. قال رداً على سؤال عن علاقات أنقرة مع «التنظيمات الإرهابية» مثل «حماس»:» نحن نتعاون مع الجميع لأن هدفنا عدم اندلاع حروب جديدة. ولسنا ممن يؤمنون بأن الشرق الأوسط مقسم بين معتدلين ومتشددين». الموقف التركي يضرب في العمق ما سعت إليه إسرائيل طوال السنوات الماضية، عندما حاولت جاهدة البناء على تقسيم الشرق الأوسط بين معتدلين ومتشددين، تحضيراً لهجوم أعدته على إيران. فضلاً عن ذلك تربط أنقرة بين الأسلحة النووية الإسرائيلية وملف إيران ويكرر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان موقفه من هذه المسألة. يقول:»نحن ضد امتلاك إيران سلاحاً نووياً، لكننا نؤيد حقها في امتلاك الطاقة». ويتساءل: «بأي حق تتجرأ دولة لديها سلاح نووي على مطالبة دولة أخرى بعدم امتلاك هذا السلاح؟». مسلسل «وادي الذئاب» مستمر. وتدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا إلى المزيد. والدولة العبرية مستمرة في محاولة الاستعاضة عن خسارتها بتصدير ذئابها إلى قلب العالم العربي.