الناس في غزة تعودوا – بحكم الظروف القاسية طويلة المدى- أن يواجهوا التحديات بسبل لا حصر لها، وبوسائل تطلق أشواقهم وأرواحهم من عقالها، والصحفيون جزء من هذه الحالة.هشام ساق الله صحفي شاءت الأقدار له أن يعاني من إعاقة حركية في ساقيه منذ عقود خلت، وهو لا يستطيع أ ن يتحرك بدون عكازين، لكن ذلك لم يحل بينه وبين ممارسة حياته كما يشاء، وعلى العكس، فإن علاقاته الاجتماعية متشعبة وأصدقاؤه كثيرون، ولا يتأخر عن أداء واجبات المناسبات المختلفة. منذ حوالي ستة أعوام أدرك هشام بحسه الصحفي أهمية تسخير التكنولوجيا في خدمة الزملاء الصحفيين في عصر يتميز بتدفق هائل للمعلومات، فبادر من ذاته وبدون تكليف أو أجر إلى رصد عدد كبير من المواقع الإعلامية الإلكترونية، الفلسطينية والعربية، ومنها يستخرج ملفاً يومياً أسماه الراصد للتوثيق الإعلامي، يشتمل عبر مئات الصفحات على أخبار وتقارير ومقابلات ومقالات...الخ، ثم يقوم بإرسال هذا الملف إلى آلاف الأشخاص عبر البريد الإلكتروني. لم يكتف هشام بهذا العمل فقط، بل أصبح يعمل كوكالة أنباء صغيرة من خلال إعادة إرسال كل ما يصله من مختلف الجهات والأشخاص والمراكز والمؤسسات إلى الأشخاص المشتركين لديه، وهكذا أصبح مركزاً إلكترونياً للاستقبال والإرسال، وبمجرد أن يفحص المشترك معه بريده الإلكتروني كل مدة زمنية بسيطة يجد دفعة من الرسائل التي تحمل اسم مرسلها ’هشام’ قد وصلته وتكون إما بياناً لفصيل أو لمركز حقوق إنسان أو مقالاً أو دعوة صحفية. لإنجاز عمله اليومي، يقضي هشام ساعات طويلة أمام الكمبيوتر، ويبدو أن روحه أصبحت معلقة في عمله هذا، فهو لا يستغني عنه، وإذا ملّ في إحدى اللحظات لسبب ما، فسرعان ما يتراجع عن ملله –كما حدث معه قبل فترة- وحتى أثنا تلك الفترة لم ينقطع عن إرسال ملفه اليومي وبقية رسائله. هشام ساق الله يحاول بعمله هذا أن يخترق كل أنواع الحصار، ويتحدى الظروف القاسية التي يحياها أهل غزة، بطريقته الخاصة، ويقاوم الانكسار والتراجع بجهد متواصل تترجمه حركات أصابعه على لوحة المفاتيح. بعد حدوث الانقسام المرير، وجد الصحفيون، وغيرهم، أنفسهم أمام حالة وتعقيدات لم يألفوها من قبل، وبالنسبة لهشام واصل النشر متجاوزاً هذه الحالة، فما يصله من أو عن هذا الفصيل السياسي أو ذاك يقوم بتوزيعه. قائمة المستفيدين من رسائله تكبر يوماً بعد يوم، والذين يريدون أن ينشروا ما لديهم من مواد ومعلومات عن طريقه يزدادون أيضاً. كمّ هائل من المعلومات تصل الصحفيين تباعاً عن طريق ’أبو شفيق’ الذي أصبح أصدقاؤه منتشرين في كل قارات العالم، بفضل البريد الإلكتروني والجهد المتواصل الذي يبذله ليل نهار. أبو شفيق نجح في كسر الحصار عن نفسه وروحه، ونجح في إفادة زملائه وزملاء مهنة كثيرين خارج حدود غزة وفلسطين والوطن العربي الكبير. التحدي أمام هشام ساق الله أن يستمر في الصمود ويقاوم الإحباط. كاتب وصحفي من غزة