منذ أكثر من 3 أعوام تتعرض حركة حماس في الضفة لحملة أقرب ما تكون للاستئصال و اعتبار وجودها غير قانوني لتبرير ما تقوم به الأجهزة الأمنية من ملاحقة لعناصرها و إغلاق مؤسساتها واعتقال كوادرها حتى وان كانوا من الأسرى المحررين، بالإضافة إلى مصادرة سلاح كتائب القسام والمقاومة بذريعة ضمان وحدة السلاح، والحرص على عدم تكرار تجربة أحداث غزة حسب ما يصرح بذلك قادة الأجهزة الأمنية. ومنذ ذلك الوقت أخذ الجنرال دايتون على عاتقه إعادة ترتيب أوضاع الأجهزة الأمنية في الضفة والعمل على تأهيلها ضمن فلسفة جديدة بعد فشله في غزة وانهيار مملكة أتباعه، وبدأ بتدريب العناصر الأمنية وصناعة الفلسطيني الجديد بعد أخذ الدعم والموافقة من الكونغرس. حاولت حركة حماس أن تلقي الضوء على ما يحدث لأبنائها في الضفة من قبل الأجهزة الأمنية بأكثر من وسيلة إعلامية أو سياسية أو جماهيرية، ورغم أن الهيئات الحقوقية والجمعيات الإنسانية تنشط كثيرا في الضفة وتحاول أن تظهر استقلاليتها ومهنيتها إلا أنها لم تستطع أن تنصف حماس، كما أن الحركات الفلسطينية وخاصة اليسارية منها صمتت كثيرا على انتهاكات تلك الأجهزة، واقتصر دورها على إصدار بيانات احتجاج و المشاركة في عقد مؤتمرات تحاول فيها إلقاء اللوم أيضا على حماس ومحاولة الإدعاء بتماثل الحالة في غزة. أدركت حماس أن أبناءها في الضفة تركوا لوحدهم، ولم يشعر أحد بتحذيراتها من محاولات استئصال وجودها وإرهاب كوادرها وإغلاق مؤسساتها حسب توصيات دايتون، ولم تفلح مؤتمراتها الصحفية أو بياناتها في إقناع وسائل الإعلام على ضرورة تسليط الضوء على هذه الجرائم، وأيقنت أن ثمة اتفاق غير معلن يمنع تناول هذا الموضوع بجدية واهتمام. حاولت أن تربط التوقيع على اتفاق المصالحة بإنهاء ملف المعتقلين السياسيين، ولكنها تراجعت عن هذا الشرط وأجلت تنفيذه في سبيل انجاز اتفاق المصالحة، ولاحظت أنه كلما كانت أجواء الحوار ايجابية كلما ازدادت وتيرة الاعتقالات وشراسة التعذيب ووصلت حالة الابتزاز والضغط عليها إلى اعتقال زوجات الشهداء وأمهات وأخوات المعتقلين، إضافة إلى اعتقال المحررين من سجون الاحتلال، وتشييع جثامين أبنائها الذين استشهدوا نتيجة التعذيب الشديد داخل المقرات الأمنية. ومع فشل الإعلام العربي والمحلي في تناول هذه القضية وجدت الحركة ضالتها في الإعلام الغربي الذي بدأ يخرج عن صمته ويحاول إبراز حقيقة العلاقة التي تجمع الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالاستخبارات الأمريكية والصهيونية، وبدأت تستثمر التقارير الواردة في الإعلام الغربي والصهيوني لتؤكد على ما كانت تقوله، فجاء تقرير لقناة صهيونية يعرض تدريبات لعناصر الأجهزة الأمنية بمثابة المفاجأة، إذ عبر عن جزء من تغيير المفاهيم والثقافة والتعبئة لعناصر السلطة، ثم تقرير آخر لقناة صهيونية ثانية يعرض تفاصيل التنسيق بين ضباط فلسطينيين وصهاينة لاستعادة جندي ضل طريقه في إحدى المدن الفلسطينية، و جاء تقرير مجلة فانيتي فير الأميركية بمثابة الوثيقة الأكثر أهمية لحماس، وأخيرا تقرير صحيفة الغارديان البريطانية والذي لخص طبيعة العلاقة بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وسي أي إيه. وقد اعتبرت حماس تقارير وسائل الإعلام الغربية والتي لا تتواصل معها أو تؤثر فيها بمثابة الأدلة الدامغة الموثقة بالصوت والصورة تدعم موقفها وتؤكد على مطالبها بضرورة أن يستقل القرار الفلسطيني عن الأجندة الخارجية، وأن يرفع دايتون يده عن عمل الأجهزة الأمنية. وأخيرا استحدث إعلام حماس طريقة جديدة لإظهار مدى الظلم الواقع على أبنائها في الضفة من خلال فيلم كارتوني يستعرض دور دايتون في الضفة المحتلة وتأثيره على عمل الأجهزة الأمنية، وهو إنتاج غاية في الخطورة والأهمية كونه يخاطب كافة الشرائح ويستطيع التأثير على الأطفال قبل الكبار، كما أن لغته بسيطة ولهجته محلية يسهل فهمها من الجميع، ويحمل العمل معاني تمتلئ بالسخرية والاستهزاء وعدم القبول بالتنسيق الأمني والتعاون مع الاحتلال. وتكمن قيمة هذا العمل الفني في اختصار الدور الذي لعبه دايتون على مدار 3 سنوات في دقائق معدودة، من خلال حوار يتم بين ضابط صهيوني وآخر فلسطيني يستجيب لكل ما يطلب منه، كما يلخص مجمل تدريبات الجنود والضباط خلال الدورات الأمنية، ويُظهر مدى الاستعداد والتفاني لتنفيذ أوامر وإن كانت مهينة ومذلة، فقد استطاع دايتون تغيير مفاهيم العمل الأمني وإرباك تفكير الجنود المستعدين لاعتقال آبائهم ومطاردة أقاربهم. يعرض الفيلم جانبا من تفكير الفلسطيني الجديد الذي يرد على اعتداءات المستوطنين ومجازرهم بالإصرار على التمسك بالسلام، واسترجاع القتلة والحفاظ على أرواحهم لإثبات صدق النوايا نحو السلام، وعلى النقيض تماما يحرص الفلسطيني الجديد من خلال العمل على تسليم أي فلسطيني يطلبه الجيش، وهو ما جعل أحد الجنود ومن خلال اعتقاله لفلسطيني يتلعثم بالقول "جيش" بدل "سلطة" للدلالة على تشابه الموقف وتبادل الدور. ويرى المنتقدون للفيلم أنه أفرط كثيرا في تشويه صورة الجندي الفلسطيني، عندما أظهره بطريقة مهينة ومذلة بخلاف الجندي الصهيوني!! ، وظهر الفلسطيني سليب الإرادة حريصا على إرضاء الضابط الصهيوني الذي استخف به، وطالبه بتقبيل قدمه ففعل!! و مسح حذاء الضابط بقبعته الرسمية وعليها ما يرمز للسلطة وسيادتها، كما كانت ملابس الفلسطيني مهترئة ومرقعة، ومنظر وجهه وشكل شاربه مضحكان ، وهي صور - بحسب البعض - تحمل من الاهانة والاستهزاء ما لا يمكن القبول به على اعتبار أن ذلك يقلل من قيمته ولا يخدم الهدف المطلوب من ورائه فقد أراد تصوير تأثير دايتون على عمل الأجهزة الأمنية، ويرد آخرون أن حالة الجندي الفلسطيني في الضفة وصلت إلى أكثر مما صوره الفيلم ، وما تم إبرازه ليس سوى جزء بسيط من حال الأجهزة الأمنية هناك . قد يوصل هذا العمل الفني رسالة حماس ويلفت الانتباه أكثر على ما يحدث لأبنائها في الضفة، ليضاف إلى سلسلة خطوات قامت بها وحاولت من خلالها التحذير من سطوة دايتون وتجرئه على القرار الأمني والسيادي الفلسطيني، وقد يلقى ذات العمل من النقد الكثير إلا أن ابتكار المحاولات الفنية والإعلامية يمكن أن يساعد على زيادة الوعي والتحرك لإنقاذ الفلسطينيين في الضفة من ظاهرة الفلسطيني الجديد.