فوجئت بلقاء سريع مع أحد السفراء لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، وما أن تبادلنا التحية حتى بدأ برشقي بمجموعة من الأسئلة المفاجأة التي طغت على مفاجأة اللقاء. أعجبت كثيرا بإلمام السفير بتفاصيل الحياة السياسية والفلسطينية وتعقيداتها من خلال الأسئلة التي طرحها. أثيرت صعوبة فتح المعابر ورفع الحصار عن قطاع غزة، فقلت بأن قضية المعابر مرتبطة بكل من موضوعي تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل والمصالحة الوطنية الفلسطينية. بادر متسائلا هل تعتقد بأن هناك إمكانية للمصالحة الفلسطينية؟ فقلت بأن لابد من تحقيق المصالحة. ولم يتركني حتى أكمل مداخلتي، فرد بأن هناك فرق بين ما يجب أن يكون وبين الممكن. قلت طبعا، ولكن إمكانية المصالحة واردة كذلك. قاطعني مرة أخرى، أريد إجابة أمينة، وبصفتك الشخصية الفلسطينية وليست المهنية. استنتجت أنه لا يعتقد بإمكانية عقد مصالحة فلسطينية، وقد يكون له كل الحق في ذلك. استمر النقاش، وكانت الخلاصة بأن المصالحة على المستوى الشعبي ممكنة فالشعب الفلسطيني على مستوى القاعدة متسامح ويمكن له أن يستعيد زمام المبادرة كشعب واحد موحد ويعض على جراحه الذاتية ويغفر لبعضه بعضا من أجل المصلحة الفلسطينية المشتركة. ولكن هذا يستلزم محاسبة شفافة لمن مارسوا جرائم بحق هذا الطرف أو ذاك وتطييب خواطر الناس وكفكفة دموعهم وإعادة الاعتبار لهم ولضحاياهم. المعضلة حسب ما أسفر عنه هذا اللقاء المفاجئ، هي أن الوضع الإقليمي المعقد لا يسمح في الوقت الحالي بإنهاء ملف الخلاف الداخلي الفلسطيني، حيث أن هذا الخلاف يستخدم كوسيلة تخدم بعض دول الإقليم بغض النظر عما تحدثه من خسائر وتراجعات على الصعيد الفلسطيني. "لكن القيادات الفلسطينية تنكر أي ارتباط بمحاور إقليمية وبأن القرار هو ذاتي ومستقل" علق أحد الحاضرين. يمكن إنكار هذه الحقيقة بالطبع ولكن الوقائع على أرض الواقع تقول غير ذلك. فما الذي يمنع المصالحة لو كان الأمر غير ذلك. إن وجود ثغرات في الصياغات داخل وثيقة المصالحة المصرية يمكن معالجتها وبسهولة إن وجدت النوايا الحقيقية للمصالحة وإن تحررت بعض القيادات الفلسطينية من الأجندة الإقليمية. تأثرت كثيرا وأنا أرى أن سفير دولة تبعد عنا آلاف الأميال يبدي ذلك المستوى من الاهتمام بقضايانا ويحزنه تأخير المصالحة أو تعطيلها، وقيادات الشعب الفلسطيني تؤجل وتماطل وتحاور إلى ما لا نهاية وكأن أوضاع الشعب الفلسطيني بأفضل أحوالها وأن هذه المصالحة لن تقدم أو تؤخر في تعطيل مصالح الشعب الفلسطيني الذي يعاني تشرذما وانقساما على جميع الصعد مما أحدث حالة من الضعف والتراجع آخذة في التضخم. وأثر كذلك الموقف الدولي فكان الاستنتاج بأن العالم لا يمكنه مساعدة الشعب الفلسطيني إذا لم يتمكن الفلسطينيون من مساعدة بعضهم البعض في المقام الأول، ولا يمكن أن يتحقق هذا دون استيعاب مكونات النسيج الفلسطيني لبعضها البعض وتحديد استراتيجة مشتركة على المسار السياسي والاقتصادي والمجتمعي، وتحرر الفلسطينيون من عقدة الاستفراد بدفة قيادة القضية الفلسطينية وعملوا بشكل جماعي، وأصبحوا فاعلين بدل أن يكونوا مفعولا بهم. انتهى الحوار مع سعادة السفير وغادر وهو يعد بمعاودة النقاش في فرصة قريبة. لعلها تكون بعد تحقيق المصالحة الفلسطينية ووضع القضية الوطنية الفلسطينية على مسارها بمساهمة وطنية فلسطينية تضم الجميع ضمن استراتيجية متفق عليها.