لقد حرص المؤسسون ألأوائل للولايات المتحده ألأمريكية أن يكون للولايات المتحده رئيسا واحدا قويا يجسد مفهوم الهوية وألأمة ألأمريكية الواحده ، وتبرز مظاهر هذه القوة من أمرين أساسيين :ألأول أن هو الوحيد الذى يتم أنتخابه من خلال أنتخابات عامه يشارك فيها كل الشعب ألأمريكى ، عكس أنتخاب أعضاء الكونجرس ألأمريكى الذين يقتصر أنتخابهم على مستوى الولاية نفسها ، وألأمر الثانى أن مركزية ومحورية مؤسسة الرئاسة جسدت فى الدستور ألأمريكى الذى حصر السلطة التنفيذية كلها فى شخص الرئيس ألأمريكى فقط ، وكل المؤسسات التنفيذية وألأدارية تعمل لمساعدته ، بما فيها الحكومة الذين يقوم بتعيينهم شخصيا ، ويكونون مسؤوليين أمامه وليس أمام الكونجرس ، ومن مظاهر قوته أيضا السلطات والصلاحيات الدستورية الواسعة والمتعددة فى كل السلطات التنفيذية والتشريعية وحتى القضائية ، فهو رمز ألأمة ألأمريكية ، وهو من يصدق على مشروعات القوانين الصادرة من الكونجرس وتؤخذ ملاحظاته فى ألأعتبار ، ويقوم بوظيفة قضائية مهمة بأختياره أعضاء المحكمة ألأتحادية العليا ، والى جانب ذلك لا يمكن للكونجرس أقالته من منصبه ألا فى أضيق الحدود وبعد أجراءات معقده . وهذا تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلطات ولرئاسية النظام السياسى ألأمريكى . وعلى الرغم من مصادر القوة التى يتمتع بها ا لرئيس ألأمريكى ، فإن المؤسسيين ألأوائل كانوا حريصون أيضا على أن لا يتحول الرئيس الى ديكتاتور أو أن يسئ سلطاته بما يعرض مصلحة أمريكا للخطر لذا قيدوا هذه هذه السلطات والصلاحيات بما يعرف بنظام الكوابح والجوامح والذى بموجبه لا يستطيع الرئيس ألأمريكى من ممارسة صلاحياته وسلطاته ألا بمشاركة السلطتين ألأخريتين التشريعية والقضائية، وخصوصا فى مسائل الموازنه والمال ، ويكفى أن المحكمة ألأتحادية تملك الحق القضائى فى أقرار دستورية أو عدم دستورية أى قرار يتخذه الرئيس . ومن القيود المفروضه على الرئيس تحديد فترة حكمه بما لاتزيد عن فترتين رئاسيتين أى بما لايزيد عن ثمان سنوات ، وعبر أنتخابات تجرى كل أربع سنوات . أذن الرئيس ورغم انه يملك أقوى وأكثر السلطات مقارنة باى رئيس او ملك فى العالم ، ألا أنه لا يعمل بمفرده ، بل من خلال منظومة مؤسساتية متكامله هدفها ألأساس مصلحة الولايات المتحده ، والحفاظ على امنها القومى فى العالم كله ،لذلك الرئيس لا يستطيع أن ينفرد فى أتخاذ القرار حتى لو كان بمقدوره دستوريا فعل ذلك ، ألا بمشاركة العديد من الهيئات التى يسعى اليها الرئيس بما فيها مراكز التفكر والبحث ، والهدف فى النهاية هو ضمان أقصى درجات العقلانية والرشادة للقرار السياسى ألأمريكى ، فتداعيات أى قارار ونتائجه ليست مسألة سهلة ، فالخطأ قد يكون مكلفا ليس فقط لشخص الرئيس نفسه ، بل للمصلحة ألأمريكية وهى المحك والمحدد لأى قرار ، وهذا هو الفارق بين النظام السياسى ألأمريكى وغيره من النظم السياسية فى العالم. ولا يمكن فهم قوة منصب الرئيس ومكامن ضعفه فى السياق الدستورى والمؤسساتى فقط ، بل لا بد من فهم السياق السياسى الشامل لبيئة النظام السياسى ألأمريكى ، فالرئيس يعمل فى سياق نظام سياسى يعرف بالنظام المفتوح ، فهو أشبه بالصحن اللاقط الذى تتدفق عليه ملايين المؤثرات المتدفقة من البيئة الداخلية خصوصا ، والذى يعبر عن نفسه فى العديد من القرارات والسياسات والتى تعبر عن نفوذ العديد من قوى الضغط والمصلحة التى تمارس نفوذها على بؤ ر صنع القرارألأمريكى وفى قلبها مؤسسة الرئاسة ، ولذلك دائما عين الرئيس واذنه على هذه المؤثرات التى تقرر فى النهاية مصيره السياسى فى أى أنتخابات خاصة ان الرئيس ألأمريكى وبمجرد أن ينتخب يعمل منذ اليوم ألأول من حكمه على أعادة تجديده ثانية ، ومن هنا عدم قدرته على التغاضى عن مطالب جماعات الضغط والمصالح ، ومن بين هذه الجماعات وأقواها تأثيرا اللوبى الصهيونى الذى يماس تأثيرا مباشرا على ألأدارة ألأمريكية: مؤسسة الرئاسة والكونجرس فى كل القضايا التى تهم أسرائيل وهذا ما يفسر لنا العلاقة ألأستراتيجية والتحالفية بين ألولايات المتحده وأسرائيل . ومن هذه السياقات التى لا يمكن تجاهل تأثيرها قوة الرأى العالم ودور وسائل ألأعلام ، ودور النخب الفكرية وألأكاديمية ، فى ظل هذه البيئة المعقده يعمل الرئيس ألأمريكى ، فهو ليس حرا أن يفعل ما يشاء ، وما يريد حتى لو كان الدستور معه ، فالنظام السياسى ألأمريكى يعمل فى ظل مؤثرات ومحددات وقوى مسيطرة ، ففى النهاية الذى يحكم ألولايات المتحده تحالف من ثلاث مؤسسات ، ألمؤسسة ألأقتصادية والمؤسسة العسكرية وأخيرا المؤسسة السياسية .هذا الفهم يفرض علينا أن نتعرف على هذه المصادر من القوة والضعف ، حتى نعرف كيف يعمل الرئيس ألأمريكى ، وفى سياق هذا الفهم ، صحيح ألرئيس ألأمريكى يريد حل الدولتين ، ويطالب بوقف ألأستيطان فى ألأراضى الفلسطينية ، ويسعى لتحقيق سلام وتسوية للقضية الفلسطينية ، لكن يبقى السؤال من أى منظور ؟ هل من المنظور العربى الفلسطينى الغائب عن بيئة السياسة ألأمريكية ، أم من منظور أسرائيل الحاضرة دائما فى السياسة ألأمريكية والتى نجحت فى أن تجعل من أمنها وبقائها قضية أمريكية داخلية .هذا هو الفارق ، وهذا هو الدرس الذى علينا التعامل معه ، بمورونة وعقلانية وحسابات دقيقة ، وعليه أذا أردنا أن نؤثر فى السياسة ألأمريكية علينا أن نكون جزءا منها ، لكن الفارق الزمنى بيننا وبين اللوبى ألصهيونى يزيد عن مائة عام . فهل نمكلك القدرة على القفز وتجاوز هذه المسافة الزمنية . اشك فى ذلك أكاديمى وكاتب عربى drnagish@hotmail.com