في الخامس من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) قام الرائد نضال حسن الفلسطيني الأصل والأمريكي المولد بإطلاق النار على زملائه في قاعدة فورت هود بولاية تكساس فأردى ثلاثة عشر وجرح ثمانية وثلاثين. وقد سارع مكتب التحقيقات الفدرالي بالتحذير من الاستنتاجات الخاطئة واعتبار الحادث جريمة فردية قيد التحقيق، كما حذر رئيس أركان الجيش الأمريكي جورج كيسي من تداعيات الحادث على الجنود المسلمين وطلب من قيادات الجيش مراقبة الأمور بدقة كي لا يصاب أحد من الجنود المسلمين بأذى، أما الرئيس أوباما فتحاشى الإشارة إلى الإسلام في كلمته التأبينية أثناء مراسم دفن الضحايا، قائلا:’لا توجد عقيدة تبرر مثل هذه الأعمال الإجرامية ولا يمكن لإله عادل ودود أن ينظر بعين الرأفة إلى أمثال هؤلاء’.الغريب في الأمر أن يتطوع إمام يمني يدعى أنور العولقي، بإصدار فتوى تعتبر ما قام به نضال حسن من قتل زملائه في العمل والمهنة بدم بارد جهادا في سبيل الله. ودافع عما قام به حسن قائلا إن الإسلام يجيز مثل هذه الأفعال. مما جعل جريدة ’الواشنطن بوست’ تلتقط الخبر وتعيد تدويره بشكل يخدم جوقة القائلين بأنه عمل إرهابي يقوم به متطرف إسلامي. وتعود الصحيفة لتنبش كل ما يتعلق بالطبيب النفساني نضال حسن فتنشر على موقعها الشبكي شرائح لمحاضرة ألقاها في زملائه في شهر حزيران (يونيو)2007 بعنوان ’عالم القرآن وعلاقة ذلك بالمسلمين داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية’. والمحاضرة تهدف كما يوضح في الشريحة الثانية التعرف على المسلمين في الجيش الأمريكي الذين يجدون معارضة بين تعاليم دينهم والانخراط في الحرب في العراق أو في أفغانستان. وفي الشريحة الخمسين والأخيرة يوصي نضال بالسماح للمسلمين بترك الخدمة كنوع من الاحتجاج الضميري على تلك الحروب. إننا نعجز عن فهم دوافع هذا الإمام الذي يعيش في جبال اليمن والذي تفرد من دون علماء المسلمين بإصدار مثل هذه الفـتوى الغريبة التي تسيء أول ما تسيء لنضال حسن نفسه، حيث يمكن لمثل هذا التصريح أن يخلق جوا مشحونا سلفا أثناء التحقيق بحيث ينصب عمل أفراد الفريق على إيجاد صلة ما بين حسن والعولقي من أجل تصنيف العملية بأنها إرهابية. وقد يدفع مثل هذا التصريح مكتب التحقيقات الفدرالي الذي اعتبر الجريمة بأنها عمل فردي إلى إعادة النظر في الفرضية تلك والعمل على إثبات أن مرتكبها مرتبط بـتـنظيم أو جماعات إرهابية وأنه قام بهذا العمل بشكل واع ٍ ومتعمد مما سيؤدي به بالتأكيد إلى كرسي الموت.كما أن هذه الفـتوى تلحق الأذى بالعرب والمسلمين في الولايات المتحدة وتزيد من الشكوك فيهم وتقدم ذخيرة طوعية لكافة الجماعات المتطرفة التي تحاول أن تتهم كل أتباع الدين الإسلامي بالتطرف وبعدم الإخلاص للوطن رغم أنهم من مواليده.وهذه الفتوى تسيء للإسلام نفسه وتلحق به صفات التطرف والإرهاب. فمثل هذه الفتوى سرعان ما تـتـناقـلها الأخبار والمواقع الألكترونية وتصبح مادة دسمة لجماعات دانييل بايبز وفؤاد عجمي ووفاء سلطان وألان ديرشويتز وبرنارد لويس وأمثالهم الذين يؤكدون أن العلة ليست في المسلمين بل في الإسلام نفسه.إطفاء الحرائق في اليمن أولاوالغريب أن هذا الإمام يشاهد ما يجري في اليمن ولا يثير ذلك لديه أي نوع من الاهتمام ليصدر فتاويه. فلماذا لا يفتي بتحريم سفك دماء المسلمين في صعدة؟ ولماذا لايفتي بتحريم الاحتكام إلى السلاح عند اختلاف أبناء الوطن الواحد والدين الواحد؟ ولماذا لا يفتي، لا فض فوه، بعدم شرعية نظام الحكم الذي يجلس على صدور اليمنيين منذ عام 1978؟ ولماذا لا يفتي سماحته بعدم جواز توريث الإبن ؟ فأي دين وأي نظام يجيز توريث الإبن لكونه ابن الرئيس وليس للمؤهلات التي يحملها من علم وخبرة وحنكة وذكاء بالإضافة إلى اعتماد الاحتكام للشعب ضمن عملية انتخابية حرة وعادلة ونزيهة؟ ولماذا لا يفتي سماحته بتحريم قيام قوات من الدول المجاورة بمهاجمة اليمنيين داخل حدودهم واعتبار ذلك تدخلا سافرا في الشأن اليمني؟ أليس الاهتمام بإطفاء الحرائق المشتعلة في اليمن أهم من تصدير الفتاوى إلى الولايات المتحدة؟إن أبناء الجالية العربية والإسلامية في المهجر الأمريكي، ممثلين بمجموعات متعددة من المنظمات والمؤسسات، قد أصدروا العديد من البـيانات يدينون مثل هذا العمل الإجرامي الذي قام به نضال حسن بصفته الشخصية ويتركون للقضاء الأمريكي البت في دوافعه وراء ارتكاب هذه الجريمة، كما أكدوا في بياناتهم أن أبواب الاحتجاج على الحروب لا تكون بهذه الطريقة بل هناك العديد من الوسائل التي مارســـها ألوف المحتجين على الحروب كطلب التسريح والتغيب والهروب من الخدمة واللجوء إلى كندا وغير ذلك الكثير.كما أنهم يدينون بنفس القوة والصلابة مثل هذه الفتاوى اللامسؤولة والتي تخدم، عن قصد أو غير قصد، كل الجهات المتربصة شرا بالعرب والمسلمين والإسلام في كافة المهاجر الغربـية. إن هذا المفتي الذي نصب نفسه مفتيا ولم ينصبه أحد، يقدم خدمة مجانية لكل الجهات اليمينية المتطرفة في الغرب عامة وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص الباحثة عن حجج وذرائع لربط المسلمين بالإرهاب؟ ألا تخدم هذه الفتاوى الجماعات التي نجحت في سويسرا بتعبئة 57% من الشعب ضد بناء المآذن وستنقـل معركتها القادمة إلى هولندا ففرنسا فالدنمارك وغيرها؟إن أمثال هؤلاء المتطفلين على علوم الدين، والذين يخالفون قواعد الافتاء المتفق عليها بين العلماء، فيصدرون الفتاوى على مقاساتهم دون رادع من عقيدة أو ضمير إنما يلحقون الضرر بأبناء الجاليات العربــية والإسلامية الذين يشكلون أقليات في كافة المهاجر الغربـية ومن السهل إلحاق الأذى بهم من قبل جماعات اليمين المتطرف، متعللين بمثل هذه الفتاوى الغريبة عن روح الإسلام ورسالته السمحاء. فبعد أن تحسنت صورة العرب والمسلمين نسبـيا في الولايات المتحدة بعد انتخاب باراك أوباما نتيجة للمشاركة الواسعة في العملية الانتخابية فاقت نسب مشاركة بقية الأقليات (ما عدا الأمريكيين من أصول أفريقية)، تأتي هذه الحادثة لتلحق الأذى بتلك الجهود التي تركز على محاربة الصورة النمطية للعرب والمسلمين القائمة على شيطنتهم وربطهم بالإرهاب والتخلف وتحقير المرأة، وصورة الإسلام نفسه باعتباره دينا متطرفا غير متسامح لا يقبل الآخر ويعبئ أتباعه على الكراهية والعنف والعزلة. أليس في الوطن العربي من العلل والمواجع والآفات والمنكر ما يكفي هؤلاء لتكريس جهودهم وعلومهم وفتاويهم متبعين قول الحق ’وأنذر عشيرتك الأقربـين’؟ ’ أستاذ جامعي وكاتب مقيم في نيويورك