خبر : صدام الحضارات بدأت فصوله على الأرض...م, عماد عبد الحميد الفالوجي

الأحد 06 ديسمبر 2009 12:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
صدام الحضارات بدأت فصوله على الأرض...م, عماد عبد الحميد الفالوجي



منذ أواخر القرن الماضي بدأ البعض من المحافظين الجدد بترويج فكرة صدام الحضارات من خلال الترويج لها عبر كتابات ومقالات تم نشرها فى كبرى الصحف العالمية وتم عقد الكثير من المؤتمرات الدولية الخاصة والتى ضمت شخصيات منتقاة من غلاة الفكر اليمين المتطرف خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا , وبدأوا ببلورة فكرتهم المجنونة العنصرية بعد شعورهم – حسب معتقداتهم – بالخطورة البالغة لمستقبل العالم تحت سيطرة الحضارة الغربية الحالية التي يعتبرونها آخر الحضارات الإنسانية ومن عندها سينتهي التاريخ الإنساني ولن تأتي حضارة منافسة أو مكملة لها وغير مسموح مجرد التفكير بذلك أو السماح لها بالنشوء ومن حقهم استخدام نفوذهم الدولي بكل الوسائل لمنع ذلك حتى يتسنى لهم السيطرة على هذا العالم والاستفادة من خيراته بدون منافس على المستوى المادي والفكري الحضاري , وعدم الاعتراف فى ذات الوقت بدور الحضارات الأخرى باعتبارها انتهت وتلاشت ولم تعد قائمة على الأرض .ثم ظهر فريق آخر من قلب تلك الفئة ولكن قدموا طرحا أكثر موضوعية بعد إقرارهم بعدم قدرتهم على شطب التاريخ ولا يستطيعون إنكار الحضارات الأخرى التى تعاقبت على الإنسانية جميعا على مر الدهور والأزمان , ولا يمكن أن يغمضوا أعينهم عن حضارات لازالت قائمة بل وتتحدى الحضارة الغربية مثل الحضارة الصينية وحضارة شرق آسيا بمكوناتها المتعددة ونجاحها فى تقديم نموذج متكامل بعيدا عن الهيمنة الغربية بل وتمكنت فى مجالات معينة من التفوق على الحضارة الغربية – والعملاق الاقتصادي الصيني المثل الأكبر فى هذا الجانب – إضافة الى الحضور الإسلامي الكبير الذي بدأ يشكل مصدر قلق لهذه الفئة وخاصة التفوق الديموغرافي الإسلامي , فعدد المسلمين فى ازدياد مضطرد وخاصة فى قلب المجتمعات الغربية التى يعتبرها هؤلاء أنها مجتمعات تمثل رأس حربة للمشروع الحضاري الغربي , فلم تعد تلك المجتمعات غربية خالصة بل وصلها الحضور الإسلامي بقوة لم يتوقعها هؤلاء المتطرفون فكانت عامل استفزاز لهم ودافعا للبوح بما يفكرون به ضد الثقافات والحضارات الأخرى , وفى هذا الجانب قاموا باستغلال بعض التصرفات الغير محسوبة لبعض المسلمين سواء على مستوى التصريحات النارية ضد الحضارة الغربية ومواجهتها أو على مستوى تنفيذ عمليات انتقامية على الأرض باسم منظمات إسلامية وأبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر فى قلب نيويورك وتفجيرات باريس ومدريد وغيرها فكانت هذه الأعمال المادة الخصبة التى استخدمها هؤلاء لإعلان موقفهم الجديد وهو لابد من الفصل بين الحضارات , ومن هنا برزت فكرة طرد المسلمين من الدول الغربية وعدم السماح لهم بممارسة طقوسهم الدينية كعامل ضغط عليهم للعودة الى بلدانهم حفاظا على دينهم أو الانغماس الشامل والكامل داخل الحضارة الغربية ونسيان أي شعور بالانتماء للحضارة والفكر الإسلامي , ومن هنا بدأت الحركة الجديدة لهؤلاء ولعل الكتاب الشهير " صدام الحضارات " للكاتب صموئيل هنتنجتن كان الأكثر صراحة ووضوح فى طرح هذه الفكرة بعد أن أثبت فى كتابه عبر سرد حقائق لا يمكن إنكارها على أرض الواقع ولكنه أوصلها بخبث مقصود الى نتائج كارثية غير صحيحة على الإطلاق , حيث كانت نتيجة أبحاثه أنه لا يمكن التعايش بين الحضارات وعلى كل حضارة أن تتحصن فى أماكنها فالحضارة الصينية تخص منطقة شرق آسيا والحضارة الإسلامية تخص مناطق محدودة فى هذا العالم والحضارة الغربية تخص الجزء الأكبر لهذا العالم وهو لا ينكر أن تستفيد تلك الحضارات من مميزات الحضارة الغربية بحكم أنها الأفضل والأقوى وتمتلك ما لا يمكن أن تمتلكه غيرها من الحضارات , ومن هنا كان الفرق بين التحديث والتغريب , فبإمكان الدول الغير غربية أن تحدث نفسها عبر استخدام الأساليب والمعتقدات الغربية ولكنها أبدا لن تصل أن تكون دولا غربية . كل ما سبق قوله هو باختصار شديد للوصول لفهم صحيح لخطورة ما حدث فى سويسرا خلال الأيام الماضية عبر دعوة بعض الحركات اليمينية المتطرفة ونجاحها فى إجراء استفتاء شعبي عام حول موقف الشعب السويسري من بتاء مآذن المساجد على الأرض السويسرية , وبمكر ودهاء واضحين كان اختيار جزئية تخص المسلمين كشعار وهو المآذن فقط , والاستفتاء لم يكن ضد الإسلام كديانة ولكن الحرب على الشعار وارتفاع هذا الشعار فوق أرض غربية مثل سويسرا وصوت 57% من الشعب السويسري ضد بناء المآذن , وبالتأكيد أن نسبة كبيرة من هؤلاء ليسوا ضد الإسلام كديانة وحضارة ولكنهم انخدعوا بأن التصويت فقط ضد ارتفاع المآذن , ولكن هناك 43% رفضوا ذلك بالرغم أن نسبة المسلمين فى سويسرا لا يتعدى 7% , ولكن سيستغل أصحاب الفكر العنصري المضاد للحضارة الإسلامية هذه النتيجة لتمرير مخططاتهم التى سبق وتحدثنا عنها , ومن هنا تأتي الاستجابة الفورية لمنظمات شبيهة فى دول أوروبية أخرى مثل فرنسا وهولندا للقيام بنفس الخطوة السويسرية , ثم قيام أحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي باستغلال هذه الموجة ليقدم طلبا للكنيست الإسرائيلي بمنع أذان الفجر من مساجد القدس بحجة إزعاج غير المسلمين فى المدينة , ومن المتوقع أن تزداد تلك الدعوات من أطراف معادية للإسلام فى بلدان مختلفة , وكل ذلك يدلل على خوف كل هؤلاء من قوة وتأثير الإسلام القادمة خاصة على مجتمعاتهم . وأمام كل تلك التحركات لمحاصرة الإسلام كديانة وحضارة والتضييق على المسلمين فى كافة أماكن تواجدهم لإجبارهم على الانحسار والعودة الى بلادهم ووقف الهجرة الإسلامية الى بلاد الغرب , نحن نقول بالرغم من إدراكنا أن أصحاب تلك الدعوات لا يمثلون حقيقة أديانهم أو شعوبهم بل وجدنا الكثير من المنظمات الغربية والغير إسلامية وقفت بقوة مستنكرة لكل تلك المواقف وتطالب بالعودة عنها بل حتى الحكومة السويسرية – بغض النظر عن هدف إعلانها – أعلنت عن استيائها لنتيجة الاستفتاء بالرغم من أن ما حدث لا يمكن التهاون به أو السكوت عنه بل لابد من التحرك على كافة المستويات لمواجهة هذا الفكر العنصري الذي ينشد تشويه صورة الإسلام والمسلمين , ولكن يجب علينا ونحن نواجه ذلك أن نحرص على إعطاء الصورة المشرقة لديننا أمام خصومه حتى لا نعطي هؤلاء مادة مسمومة لاستخدامها ضدنا ونجعل من ردة فعلنا كتصديق لأكاذيبهم وتلفيقاتهم ضدنا , ومن هنا فأمامنا مهمة كبيرة وهي المزيد من الانفتاح على الشعوب الغربية والاستمرار فى محاورتهم عبر المشروع الأممي الكبير " حوار الحضارات " أو " تكامل الحضارات " التى أعلنتها الأمم المتحدة كرد فعل طبيعي لهؤلاء المتطرفين المنادين بصراع الحضارات , وعلى القادة العرب والمسلمين وقادة الفكر الإسلامي العمل المتواصل على عقد أو المشاركة الفعالة فى المؤتمرات الدولية لمحاورة كافة الأقطاب الأخرى , وهذا يقع على عاتق الدول الإسلامية التي كان لها الدور الفاعل مثل تركيا والمملكة العربية السعودية والمملكة المغربية ومصر وقطر وتونس والبوسنة وغيرها , ويجب استغلال الدول الأوروبية المهتمة بهذا الملف مثل اسبانيا وفرنسا والسويد وإيطاليا وأمريكا وغيرها لعقد المزيد من المؤتمرات الدولية فى محاولة لمواجهة الفكر المتطرف وإنقاذ الشعوب من كارثة أفكارهم التى ستولد حروبا لن يكون هناك منتصر فيها .     رئيس مركز آدم لحوار الحضارات www.imadfalouji.ps