خبر : أزمة اليسار الفلسطيني وأسباب إخفاقه .. بقلم :حسني شيلو

الجمعة 04 ديسمبر 2009 11:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
أزمة اليسار الفلسطيني وأسباب إخفاقه .. بقلم :حسني شيلو



إن نقطة البداية في التحليل السياسي هي المجتمع وسلوك الجماعات والفئات التي يتكون منها وليس الدولة ومؤسساتها ،يعاني المجتمع الفلسطيني وبشكل واضح  من عملية التغريب أو الاستلاب السياسي التي  نتجت عن تمكن الاحزاب السياسية من الهيمنة على المجتمع ،والاغتراب بمعنى أن يشعر الإنسان بالغربة في علاقاته بالمؤسسات والأحزاب التي ينتمي إليها، قد يكون ذلك في العائلة، في المؤسسات الدينية، وقد يكون في السياسة، الدولة، وهوالشعور بالعجز في علاقة الفرد بالمؤسسة التي يعمل ضمنها، أو ينتمي إليها. بمعنىعندما نقول الاغتراب مع المجتمع يعني أنه لا يستطيع أن يقيم علاقة صحية مع المجتمع.     المجتمع قد يكون مستبداً ويفرض معتقداته كما غيره من مؤسسات الدولة،و الاغتراب السياسي منتشر بشكل واسع جداً في علاقة المواطن بالدولة، ويؤدي إلى هروب لانسان من الواقع، أوأن يكبت كل تحفظاته على هذا الواقع الذي يعيشه ويقول أنا مضطر أن أتعامل مع هذه الأنظمة ومع هذه المؤسسات مهما كانت النتيجة، أو التمرد على المؤسسات، وعلى المجتمع، وعلى الدولة والعمل.     سنحاول بهذا المقال أن نتناول أزمة اليسار الفلسطيني  وأسباب الاخفاق هي أزمة داخلية وكما هي جزء من أزمته العالمية ،وتتجلى مظاهرها ،وكثيراً من الاحزاب اليسارية الفلسطينية  هي شمولية في تنظيمها قمعية في تعاملها مع اعضائها ومفكريها، وكثيرا ما فقدت خيرة مثقفيها وأحدثت انقسام داخل كل حزب بسبب استبدادية قياداته ، وتنتقد  هذه الاحزاب التي تقف على رأس المعارضة للسلطة الوطنية الفلسطينية لغياب الديمقراطية ،ولكنها هي أيضا لا تتبع نهج الديمقراطية داخل أحزابها ، كما أنها تعاملت مع الجماهير كأنها تملك الحكمة والصواب وتريد أن تعلمهم ذلك ،فلم تجد الانصات للناس والاحترام الكافي لرؤيتهم ومشاكلهم     وقيام الحزب لذاته على حساب القضية ونعني بذلك أن نشأت تلك الاحزاب من أجل تحقيق غايات واهداف وطنية واجتماعية واقتصادية وسياسية وفي سبيل الوصول الى الحكم واستبداله بنظام اخر ولكن عندما تخوض المعارك السياسية يحدث التحول في الاهداف والغايات ذاتها استجابة لحاجات استمرار المؤسسة  أي(الحزب نفسه)) ،وبذلك تتحول  من وسيلة الى غاية بحد ذاتها في خدمة قياداتها ،،فتكون غاية الحزب في البداية خدمة المجتمع ثم يحدث انقلاب عكسي فتصبح المهمة هي استمرارية الحزب وقيادته ،وهذا هو اغتراب الحزب عن نفسه على حساب القضية .      ثم تأتي سيطرة الخلافات الثانوية ضمن الاحزاب اليسارية نفسها،و كثيراً ما تخوض معارك جانبية خاسرة دون أن تميز بين التناقضات الاساسية والخلافات الثانوية ،في الوقت الذي يجب أن تعرف كيف تتجاوز خلافاتها الداخلية ،وتلك التي تقوم بينها وبين الاحزاب الاخرى التي تشاركها أهدافا وغايات متقاربة ومتكاملة ،وكذلك تشهد خلافات حادة داخل الحزب الواحد مما يؤدي إلى انقسام الحزب على نفسه ،ويخوض معارك حادة بين جناحيه والامثلة بالواقع الفلسطيني كثيرةً على ذلك ..      كما أن غياب الفكر المنبثق من الواقع الاجتماعي التعددي لدى الاحزاب اليسارية الفلسطينية  لم يؤكد على استقلالتيتها ومبادراتها ومواردها الذاتية وطاقتها الخلاقة ،فقد جاءت امتدادا للفكر السوفيتي الذي اصبح مرتبطا بالدولة والحزب بعد أن تحول الى نظام حكم له مصالح خاصة وفقد روحه الثورية ،وعمدت الى تقديم النظرية الماركسية وتطبيقها مبسطة كما وصلت اليها من الخارج دون اعادة صياغتها من منطلق فلسطيني في ضوء الواقع الاجتماعي وبالتالي تعاملت معها اصوليا حرفيا،وهذا سبب ان الفكر الماركسي العربي إجمالاً جاء بين الاكثر فقراً وضعفاً بالمقارنة مع الفكر الماركسي الاوروبي والامريكي اللاتيني والاسيوي .     وبذلك يجب التنبه إلى إن نجاح ما يقدم من حلول يتوقف على سيطرة المفكر والمناضل على المنهج الماركسي ، وحجم معرفته الواقعية بأمور المجتمع الذي يناضل بين صفوفه ولأجله وكثيرأً ما  تسرع الاحزاب االفلسطينية الماركسية الى اكتشاف الحلول بغير ادراك كامل لحقائق وتعقيدات وتركيبات المجتمعات العربية ،كما أن حركتها اليومية مع الجماهير في نضالها وامور حياتها تحل محل الجماهير وتفكرلها بدل أن يتم التفكير وسطها وبينها من خلال التعامل معها لان من اهم سمات المنهج الماركسي هو عدم الفصل بين النظرية والممارسة ،وبين الفكر والنضال .    ومن هنا فإن الصحوة السياسية التي هي  ليست بالجديدة فقد وجدت في كل مرحلة من مراحل التاريخ العربي حركات فكرية وسياسية  تدعو للصحوة الاسلامية للخروج من المأزق والمعضلات ،عادت لتحتل مكانتها بعد الثورة الايرانية عام 1979،فجاءت لتملأ الفراغ الذي حصل بعد تراجع القومية العربية ،مثل هذه الصحوة حركة الاخوان المسلمين بمصر ،جبهة الانقاذ الاسلامية بالجزائر ،النهضة الاسلامية بتونس ، الجبهة الاسلامية القومية بالسودان،وكذلك حركة حماس وتلك الاحزاب التي قدمت نفسها على أنها الحل الوحيد ،وأن معتقداتها الدينية اكثر التصاقا بالشعب وقنعاته وذاكرته على العكس من القومية والاحزاب اليسارية التي اخفقت لانها دعوات لم تحرك الشعب من العمق لبعدها عن أحاسيس الناس ،ونجد أن تلك الجماعات تعتمد على اعضائها من أبناء الطبقات المهمشة والتي تعاني صعوبات اقتصادية واجتماعية ، ،وتعزى أسباب هذه الصحوة لاسباب اجتماعية واقتصادية ،واخفاق والحركات القومية والاحزاب اليسارية ، ،كذلك ادت الهجرة الواسعة من الريف الى المدن واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء ،وتفشي والبطالة وفشل الخطط التنموية ،والتي استفادت الحركات الاسلامية من ذلك ،فنشطت في الاحياء الفقيرة فقدمت لهم المعونات والمساعدات ،وركزت بالدرجة الاولى على الطلبة الجامعيين وتحديدا الخريجين العاطلين عن العمل ،وترافق ذلك مع تحالفاتها مع بعض دول البترو دولار في تقديم الدعم لتلك الحركات .        إن الاوضاع المعيشية الصعبة والقنوط العام ،يجعل من الدين ملجأ في الازمات للفئات والطبقات العالقة في أسر شبكات الفقر والحرمان ،وبالمحصلة النهائية فإنها لم تتمكن من تقديم منهاج للتغيير ومعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ،فكان خطابها وممارساتها ردة فعل ورفض لما يحدث وليس انقاذاً والحل الوحيد برؤيتها العودة الى نموذج ماضي ...... استحالة تطبيقه على الواقع المعاصر ،لاننا بواقع غير الواقع الذي عاش به الاسلام ، وبدعوتها تلك تجاهل الواقع التاريخي والاجتماعي.      كثيراً ما تسعى تلك الحركات إلى اللعب على وتر التأويل، فأركان الإسلام واضحة هي:الشهادتين، الصلاة، وصوم رمضان،و إيتاء الزكاة، وحج البيت  لمن استطاع إليه سبيلا.        القرآن الكريم  لم يستخدم كلمة "دولة" إلا في الأشياء التي تتداول بين الناس كالمال وغيره .... ،ولم يستخدم كلمة "حكم "،بمعنى " السلطة "التي تدار بها شؤون الحياة في المجتمع وإنما استعملها بمعنى القضاء،أي الفصل في الخصومات والمنازعات ،وكل ما يختلف فيه الناس ،أما الكلمة التي استخدمها القران الكريم بمعنى السلطة التي تدار بها شؤون المجتمع،هي كلمة "ملك"ونفى القران الكريم  أن يكون النبي ملكاً وأصر دائماً على أنه رسول الله النبي  محمد "صلعم " ،وبهذا يعني أن مقولة الإسلام دين ودولة هي مقولة حديثة والمفكرين القدامى كانوا يقولون : الإسلام عقيدة وشريعة"". دائرة الثقافة والاعلام المركزيجبهة النضال الشعبي الفلسطيني