عندما يتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن عودة مباشرة ودون شروط للمفاوضات مع سوريا , فإنه يقصد ذلك نظريا فقط , اما عمليا فيسعى للعودة إلى لعبة المسارات التقليدية الإسرائيلية بمعنى التنقل ما بين مسارات التفاوض هرباً من الحسم فى أي منها. اللعبة التي يمارسها نتنياهو الآن لعبة جديدة قديمة , فى الحقيقية مارسها معظم , بل كل رؤساء الوزراء , خلال العقدين الماضين أي منذ انطلاق عملية التسوية بشكل الحالي اثر انعقاد مؤتمر مدريد للسلام العام 1991، محددات أو خلفيات هذه اللعبة هي نفسها دائما، كلما تازمت الأمور , ووصلت إلى طريق مسدود على المسار الفلسطيني، يسعى الإسرائيليون اى كان شخص رئيس الوزراء أو تركيبة الحكومة إلى الانتقال او محاولة الانتقال إلى المسار السوري , ودائما تحت نفس الذرائع والتبريرات. ليس هناك شريك تفاوضي ملائم لإسرائيل على المسار الفلسطيني , ووصول المفاوضات إلى طرق مسدودة لا يعود إلى التعنت والشروط المجحفة والتعجيزية الإسرائيلية وإنما إلى غياب الإرادة لدى المفاوض الفلسطيني، لعبة المسارات تهدف كذلك إلى ابتزاز الأطراف العربية و الضغط عليهم لتقديم التنازلات المطلوبة كشرط للمضي قدماً من جانب إسرائيل في المفاوضات حتى النهاية، علماً أن اللعبة نفسها تستهدف بث الفرقة والارتياب واجواء عدم الثقة بين الأطراف العربية , ومحاولة الإيحاء لكل طرف , أن الأمور تجرى على المسار الآخر بطريقة سلسة وأن الاتفاق بات مسألة وقت ليس إلا , هذا حصل العام الماضى من قبل اهود اولمرت على المسار الفلسطينى اولا قبل ان ينتقل الى المسار السورى- بوساطة تركية- مشيعا نفس الاجواء. فى نفس السياق اى العلاقة الجدلية بين المسارين الفلسطيني والسورى , تجب الإشارة إلى أن ثمة ميل إسرائيلي سياسى وأمني إلى المسار السوري بحجة أنه لا يشتمل على خلفيات أيديولوجية وتاريخية ودينية- لا ذكر للجولان في التوراة-، وأن التعقيدات هي سياسية وأمنية بالإمكان التغلب عليها ووقد تم ذلك و كان الاتفاق شبه جاهز بداية العام 2000 غير ان اهودباراك لم يمتلك الشجاعة لاجتياز الامتار الاخيرة من ماراثون التفاوض , في السنوات الأخيرة استحوذ هذا المسار على أهمية فائقة لدى المؤسسة الأمنية التي تعتقد أن السلام مع سوريا كفيل بتغيير المشهد الإستراتيجي في المنطقة , يضعف حماس وحزب الله، يقلص النفوذ الإيراني، بصفته الخطر الأول والداهم، ويساعد في المحصلة على الوصول إلى اتفاق سلام، اتفاق السلام مع الفلسطينيين من نقطة أكثر راحة للدولة العبرية .. حتى الآن فشلت لعبة المسارات الإسرائيلية في تحقيق أهدافها بشكل إستراتيجي , وهذا عائد أساساً اضافة لانتفاء الرغبة الاسرائيلية الجدية بالسلام , إلى الموقف السوري الرافض للتنازل والمصر على أهداف ومرجعيات عملية التسوية , و بالأحرى الإصرار على التفاوض وفق ما باتت تعرف بالطريقة السورية , تحديد الحدود او خط النهاية اولا، ومن ثم التفاوض على التفاصيل والنقاط الأخرى ذات الصلة، وهي الطريقة التي لجأت إليها القيادة الفلسطينية بشكل متأخر وربما في الوقت الضائع , بعدما نجحت إسرائيل في فرض الوقائع على الأرض طوال 18 سنة من التفاوض , بعدها ما زال أبو مازن في حاجة إلى تصريح للخروج من رام الله الى عمان , وكذلك صائب عريقات للذهاب من اريحا إلى القدس حسب التعبير الحرفى للاخير. . مدير مركز شرق المتوسط للاعلام mgd_azam@hotmail.com