مع انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، فإن الاعترافات ما لبثت تخرج بين حين وآخر عن إخفاقات الاحتلال في تحقيق "الردع المتآكل"، بل إن مذابح الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين ليست خطأ أخلاقيا فحسب، بل إنها أيضا من الناحية العملية، لأنها تديم الغضب والكراهية، والرغبة في الانتقام، وبالتالي ليس هناك ما يعيد نموذج الردع المأمول من غزة، لأنه يقوم على افتراض أن قوة الضربة التي تتعرض لها ستفي بالغرض.
ياريف موهير الباحث في العنف السياسي ورئيس مبادرة الأمن وحقوق الإنسان، ذكر أن "الضربات التي تنطوي على أكبر عدد من الضحايا من بين المدنيين الفلسطينيين لا تمنح إسرائيل دائما مزيدا من الهدوء مقارنة بالإجراءات الأقل فتكا، ويرجع السبب إلى النظريات الردعية، لأن حالات القتل على نطاق واسع تثير بالفعل الخوف والتردد من الجانب الآخر، جنبًا إلى جنب مع الغضب والإذلال والكراهية التي تزيد حواجز الخوف".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، أنه "من الممكن إلحاق الأذى بالمنظمات المسلحة في غزة دون قتل أي مدني تقريبًا، ما يتطلب أن يكون لدى الجيش مستوى أعلى من الانتقائية والحذر، والتخلي عن بعض من أهداف العملية، مع التركيز على الإضرار بالمصالح المادية والاقتصادية التي تؤثر عليها، ما قد يؤدي إلى مستوى أقل من الردع".
وأشار إلى أنه "في العدوان على غزة 2014، دمّر الاحتلال 60 ألف منزل في قطاع غزة، ولم يتم حتى الآن تحقيق الردع المستقر والطويل، وإذا كان الأمر كذلك فإن حجم تدمير المنازل لا يمكن أن يجلب الردع، رغم سيطرة الاحتلال بشكل كامل على المجال الجوي والبحري للقطاع، وفرضه قيودا على منطقة الصيد ومرور البضائع ودخول العمال، ومن خلال القيام بذلك فإنه يسيطر على الأزمة الاقتصادية فيها، ويعمقها، ما يساهم في تآكل الردع، لذلك فإنه يمكن تحقيق ردع فعال بالتركيز على الأضرار الاقتصادية التي تلحق بالمنظمات المسلحة".
مائير بن شبات الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، قال إن "الجولة العسكرية انتهت في غزة، لكن حملة وقف التسلح فيها بدأت للتو، ما يستدعي القيام بحملة ممنهجة لكبح التسليح فيها، ومنع الجولة العسكرية القادمة، لأن العدوان الاخير هدف لشراء فترة أخرى من الهدوء الأمني النسبي، وليس إحداث تغيير جوهري في غزة، مع أن مثل هذا التغيير يتطلب عملية عميقة وواسعة وطويلة الأمد، تحيط شكوك كبيرة بأثمانها وجدواها".
وأضاف في مقال نشره موقع "القناة12"، أن "الأهداف الرئيسية للسياسة الإسرائيلية تجاه غزة في إطار هذه الاستراتيجية تتمثل في -أولها- تجنب الجولة التالية، والتأثير على مدتها وشدتها ونتائجها عند حدوثها، وثانيها- منع وإحباط محاولات العناصر المسلحة في غزة لشن الهجمات في الضفة وإسرائيل، وثالثها- إضعاف نفوذ حماس في الساحات خارج قطاع غزة، ورابعها عودة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس".
وأشار إلى أن "ما تحققه الجولات التصعيدية في غزة يكمن في الهدوء المؤقت الذي توفره، لكن هناك ضرورة للقيام بحملة منظمة لكبح التسلح في غزة، في ضوء استعداد المنظمات المسلحة لقتال إسرائيل، وتجديد مخزونها التسلّحي من قبل أنظمة الإنتاج التابعة للمنظمات في غزة باستخدام الوسائل والمواد المنقولة إليها من إسرائيل أو مصر، وتعد الوسائل ذات الاستخدام المزدوج التي يتم نقلها لغزة للاستخدامات المدنية المشروعة".
وأوضح أنه "من أجل الشروع في منع تسليح المقاومة الفلسطينية فإن هناك جملة تحديات تواجه إسرائيل، أولها الشكوك حول استمرار الصراع في ظل مخزون الذخيرة الموجود بالفعل معها، وثانيها تحدي الإشراف والرقابة على مكوناتها، وثالثها التخوف من عدم المساس بالتهدئة، ما قد يستدعي وضع قواعد صارمة، وآليات مراقبة وإشراف لوقف تسليح المقاومة".
وتصاعدت الانتقادات في أوساط المعارضة والمستويات الأمنية والبحثية الإسرائيلية، التي تفنّد مبررات حكومة الاحتلال في التوجه لاعتداءاتها على غزة، وترفض القبول بما تعلنه من نتائج مبالغ فيها، وغير مقنعة، ورغم حديث الاحتلال عن إنجاز في هذا الوقت باستهداف قادة المقاومة، لكنهم يعتقدون أنه بعد حقبة من الزمن سيضطرون للتعامل مع قدرات عسكرية لم يشهدوها من قبل، كفيلة بتحويل دولتهم النووية إلى مدن أشباح لوقوعها تحت مرمى شبان لم يتجاوزوا العشرين من أعمارهم.
عربي21