لن يحول تقرير جولدستون أو غيره من التقارير الدولية التى تدين أسرائيل بأرتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين فى غزة أو غيرها من المدن والقرى الفلسطينية ، دون اللجؤ الى الخيار العسكرى فى التعامل مع الشعب الفلسطينى من منطلق أن أسرائيل تعطى دائما أولوية لخياراتها ألأمنية والعسكرية ليس فقط مع الفلسطينيين ولكن مع كل الدول العربية وغير العربية التى قد يشكل أمتلاكها للقدرات العسكرية تهديدا لأمنها وبقائها ، فأسرائيل دولة قوة تحكم علاقاتها بالدول ألأخرى وخصوصا فى المحيط ألأقليمى الذى توجد فيه مبدأ ألأحتفاظ بموازين القوى لصالحها ، وهذا ما يفسر لنا مثلا تعاملها مع خيار الملف النووى ألأيرانى وتلميحها دائما للخيار العسكرى فى حسم هذا الملف ، وهذا ما يفسر لنا أيضا أولوية القرارات العسكرية والدور الحاسم الذى تلعبه المؤسسة العسكرية فى القرار السياسى ألأسرائيلى . ومن هنا ينبغى أخذ تصريحات القادة العسكريين ألأسرائليين بضربة عسكرية أخرى لغزة بجدية . واذا كان مبدا توازن القوى هو الذى يحكم علاقة أسرائيل بالدول العربية أو الدول ألأقليمية فى المنطقة كايران أو أى دولة اخرى ، فألأمر يختلف فى العلاقة مع الفلسطينيين ، ففى كل ألأحوال هذا المبدا غير قائم ، ولا يمكن أن يشكل محددا للعلاقة مع أسرائيل ، فموازين القوة مفقوده ، لكن هذا لا يمنع أن يمتلك الفلسطينيين درجات من التسلح ولو البسيطة ، ومع ذلك أسرائيل تنظر الى كل أنواع التسلح الفلسطينية وأيا كانت مصدرا للخطر ، وتشكل تهديدا لها ،وحتى ولو كانت هذا ألأسلحة أو ألأدوات مثل المطاوى أو حتى الفأس الذى يستخدم فى الزراعة أو حتى الحجارة ، لكن ألأخير تضعها فى مآزق عسكرى حقيقى ، وكيف لنا ولو جدلا أن يملك الفلسطينيون بعضا ولو محدودا جدا من ألأسلحة ألأكثر تطورا وتهديدا لها ، ولعل السبب وراء ذلك ليس السلاح ونوعيته ، ولكن التلاصق الجغرافي والتداخل والأحتكاك ألسكانى المباشر الذى يجعل حتى من المطواه أداة فعالة مثلها مثل غيرها من أنواع ألأسلحة المدمرة طالما أنها قادرة أن تحقق الهدف ذاته من القتل . هذا عامل مهم جدا فى تحديد العلاقة من منظور عسكرى مع الفلسطينيين . وثانيا أسرائيل تبقى دولة أحتلال وهذا يفرض عليها مسؤوليات كبيرة وهذا ما لم يوظفه الفلسطينيون جيدا ، وحتى تتغلب أسرائيل على هذه الصفة تحاول جاهده أن تصور المقاومة الفلسطينية وتضعها فى دائرة ألأرهاب والعنف ، وخصوصا ألأستفادة من العمليات البشرية التىكانت تتم فى داخل أسرائيل ، وهنا أسرئيل تستغلها بما يخدم أهدافها ألأحتلالية , وأذا كانت أسرائيل تحكمها محددات عامة مع الشعب الفلسطينيى ومقاومته ، فالعلاقة ذاتها تحكمها خصوصية أكثر فى التعامل مع قطاع غزه : ,ألأسباب هنا واضحه : أولا سيبقى قطاع غزه ولأسباب جغرافية أحد مكونات السياسة ألأمنية لأسرائيل ، ويعنى أن اسرائيل لم تسقط ولن تسقط غزه من خياراتها العسكرية وألأمنية ، ولذلك فإن أنسحابها من غزه كان لأهداف سياسية ، أما الحسابات ألأمنية فثابته وقائمه فى كل الظروف ، و ألأمر الآخر أن أسرائيل لن تسمح بان يتحول قطاع غزه ألى ما يشبه قاعده وقوة عسكرية أيا كانت السلطة والقوة المهيمنة والحاكمة فيه ، والمسألة تأخذ أهمية أكبر فى حالة سيطرة وهيمنة وحكم حماس فى غزه ، فطبيعة هذه الحركة الدينية ورفضها للأعتراف بأسرائيل وتمسكها بخيار المقاومة العسكرية ، سيبقى الخيار العسكرى لأسرائيل هو الخيار المسيطر والحاكم للعلاقة مع هذا الساحل الفلسطينى الصغير . ويضاف لذلك مخاوف أسرائيل من أرتباطات حماس ألأقليمية ، مما يزيد من أحتمالات الخيار العسكرى ، وكل هذا يفسر لنا المحاولات التى تقوم بها أسرائيل من حصار ، ومراقبة لأى تدفق للسلاح ، ومحالاتها السيطرة والتحكم فى المنافذ التى تربط غزه بالعالم الخارجى . والسؤال الذى نطرحه ماذا تريد أسرائيل من غزه وما هى أهدافها ؟ بإختصار شديد أسرائيل تريد غزه بعيده عن بقية الجسد الفلسطينى ، وتبقى حالة ألأنقسام السياسى مع الضفة الغربية ، لأن من شان ذلك أن يحقق لها أهدافها فى أحتواء كل الخيارات الفلسطينية من مفاوضات ومقاومة ، وتريد من غزه أن تبقى دائما فى حالة من الضعف ألأقتصادى والضعف السياسى والعسكرى ، حتى تبقى فى حالة من التبعية الكاملة لها ، وهذه الحالة الغير متكافئة تلعب فيها عوامل كثيرة منها ان ألأقتصاد الأسرائيلى يبقى يشكل أقتصادا حاضنا للأقتصاد الفلسطينى ، ولذلك أسرائيل تريد غزه سوقا مستهلكة ، وهناك المشاكل السكانية وزيادة درجات البطالة والفقر بسبب ألأفتقار للموارد ألأقتصادية الذاتية القادرة على بناء أقتصاد مستقل نسبيا , ولا يعنى أسرائيل من يحكم غزه ، لكن المهم ان من يحكم عليه أدراك هذه المحددات والمطالب ألأسرائيلية ألأمنية . وفى النهاية أسرائيل لا تريد أعترافا من حماس بقدر ما تريد حماس ضعيفه ، وهذا قد يدفع فى أتجاه الدفع بحركة حماس الى مزيد من المرونة السياسية أذا ما ارادت ألأستمرار فى حكمها وتواجدها . كل هذه المحددات والمدركات تجعل من الخيار العسكرى هو الخيار الوحيد فى التعامل مع غزه . ويبقى التساؤل كيف يتم التعامل فلسطينيا مع هذا الخيار ؟ وهذا موضوع مقالتنا القادمة . أكاديمى وكاتب عربى . drnagish@hotmail.com