خبر : مطلوب قمة عربية طارئة لأبو مازن! ... خضير بوقايلة

الأربعاء 11 نوفمبر 2009 01:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مطلوب قمة عربية طارئة لأبو مازن! ... خضير بوقايلة



حرك الرئيس محمود عباس المياه الراكدة في الحياة السياسة الفلسطينية بإعلانه يوم الخميس الماضي نيته في عدم الترشح للانتخابات الرئاسية الوطنية المقبلة، أو هكذا فهم الناس على الأقل. تصريح قابله المقربون والمحسوبون على جناح السلطة في رام الله بنوع من الاستياء والخيبة قبل أن تبدأ آلة الشحن والتعبئة تتحرك لتنظيم المسيرات الشعبية والحملات الإعلامية بشعارات ولافتات صُممت خصيصا لهذا الغرض، لعل أحلى ما فيها تلك التي تؤكد أن الرئيس أبو مازن هو (القائد الحكيم والخيار الوحيد)، ولهذا فإن الجماهير تناشده وتؤيده وتبايعه بالتراجع الفوري عن وعده وتذكره بأنه ليس حرا في اختياره ولا سيدا في اتخاذ قراره، وهو ما نقرأه في الجملة التالية (يا سيادة الرئيس أنت لست مِلكا لنفسك وإنما ملك لفلسطين، فأنت الأب وأنت العشيرة وأنت فلسطين، فكلنا نأمل من سيادتكم التراجع عن قراركم والاستمرار في قيادتكم الحكيمة لشعبنا نحو حماية مشروعنا الوطني في ظل التحديات المصيرية التي تحتاج لقيادتك وحكمتك وتوجيهاتك السامية. (لا أحد يعلم بالضبط إن كان المتظاهرون والسابحون في تيار (مواصلة القائد للمسيرة) يعتقدون صدقا أن رئيسهم الذي يبايعونه يمكن أن يترك يوما ما كرسي الرئاسة بإرادة ووعي، أم أنهم فقط أرادوا أن يخوضوا مع الخائضين ويفعلون كما يفعل العالم الداكن من حولهم. خاصة أن سيادة الرئيس أبو مازن لم يوح في كلامه أن مغادرته السلطة باتت وشيكة ومرتبطة بتاريخ واضح ومحدد أو أنه اتخذ قرارا لا رجعة فيه. فهو لم يتحدث عن قرار اتخذه، بل ببلاغ نقله إلى إخوانه في اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والمركزية لحركة فتح بعدم ترشحه لفترة رئاسية ثانية، قبل أن يطلب منهم أن يتفهموا رغبته في عدم الترشح، والرغبة لا ترقى لغويا ولا سياسيا إلى درجة القرار.ومهما تكن نهاية هذا الفصل الجديد من الحراك الفلسطيني المعتدل، فلا يحق لأحد لا في فلسطين ولا خارجها أن يلوم الرئيس محمود عباس أو يضحك على ما بادر إليه. فهو في نهاية المطاف رئيس مثل جميع الرؤساء العرب له شعب أو طائفة من شعب يحكمه وحكومة تجتمع تحت رئاسته وحرس وخدم وحشم. لا شيء أساسيا يجعل الرئيس عباس مختلفا عن إخوانه في الجمهوريات الملكية العربية، فهو يلتقي معهم في المحافل ويجلس على كرسي لا يختلف عن كراسي الرؤساء الآخرين في اجتمعات القمم العربية الموسعة والمصغرة. لذلك فلا يجوز لأحد أن يستغرب أو يستنكر على فخامته أن يفعل مثلما يفعل باقي إخوانه ونظرائه من أصحاب الفخامة والرفعة. للرئيس عباس كل الحق في أن يهيّج الشارع وينزع عن شعبه غشاوة الركود والجمود. هو أيضا يريد أن يكون رئيسا ككل الرؤساء العرب، لا يغادر الحكم إلا بإحدى القوتين. هو أيضا يرى أن من حقه أن يرى الجماهير ملتفة حوله وحول صوره والحناجر ملتهبة صادحة وداعية له بحياة خالدة. لماذا تخرج الجماهير مبايعة في اليمن ونريد لها أن تلزم بيتها في رام الله؟ الرئيس أبو مازن يريد أن يقول للعالم من حوله لا مزايدة علينا بعد اليوم، أنا أيضا قادر على تمثيل دور البطولة، ولهذا رأيت أن أسلك نفس نهج إخواني وأحبائي، خطاب بسيط ومركز أعلن فيه أن الانتخابات المقبلة ستنظم من دوني وأنني تعبت ومن حقي أن أخلد إلى الراحة أهتم قليلا بأحفادي بعد أن ضيعت أبوتي مع أولادي، ثم تنطلق الحناجر وتهتز الشوارع والمدن بنداءات الترجي والمناشدة بمواصلة المسيرة والمشوار وإكمال المشروع الحضاري الذي انطلق مع أول قدوم للقائد الملهم الخالد. وبعدها سيخجل فخامته أمام عواصف الحب والتقدير الشعبي له فيعلن متحسرا وعيناه إلى الأرض حياء أنه قرر أن لا يُغضب شعبه العزيز على قلبه وأن يرضخ لمطلب الجماهير لأنه في نهاية المطاف ليس إلا خادما أمينا ووفيا لشعبه. لماذا يُحرم أبو مازن من حقه في أن يكون قائدا عربيا خالدا بقوة الجماهير؟ ماذا يجعل الرئيس محمود عباس مختلفا عن الرئيس مبارك مثلا أو الرئيس بوتفليقة أو صالح؟والغريب في حكاية فخامة الرئيس أبو مازن أن موجة التعاطف لم تتوقف في مقاطعة رام الله والضفة، بل تعدتها خارج الحدود ومن أطراف لا علاقة لها بالقرار الداخلي الفلسطيني. فقد جاءته مناشدات من أخيه رئيس مصر ومن العاهل الأردني ووزير الدفاع الإسرائيلي من أجل الحفاظ على موقع رئيسا وقائدا خالدا. بل حتى عمرو موسى تحركت فيه نخوة الحكام العرب وطالب الرئيس الفلسطيني بعدم التنحي ودعاه إلى (الاستمرار في قيادة السفينة الفلسطينية). وبما أن الجماعة قد خطوا الخطوة الأولى فليس على باقي الزعماء الخالدين المخلدين حرج إذا نصحوا أخاهم وألحوا عليه أن يتخلى قليلا عن أنانيته ويستمع لهتافات شعبه ويعيد إلى قلوبهم الطمأنينة والراحة النفسية بتمكينهم من رؤيته باقيا على عرشه حتى يؤخذ بغتة. وقد كان على أمين عام جامعة الدول العربية أن يبادر منذ اليوم الأول لتصريح الرئيس عباس بالتحرك من أجل عقد قمة عربية طارئة عاجلة تعقد في القاهرة أو في صنعاء أو في الجزائر، وتفاديا لأي انشقاق في الصف العربي عليه أن يؤكد أن القمة لن تتحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني ولا عن جرائم الاحتلال فهذه المسائل تثير حساسية لدى الحكام العرب، بل هي نقطة واحدة وحيدة على جدول الأعمال، الضغط على الزميل أبو مازن ليتنازل عن حقه في اعتزال العمل السياسي القيادي ويعلن استعداده للبقاء على رأس السلطة ومرافقة أشقائه.الأمل معقود على حكمة فخامة الرئيس وتفهمه لكي يسارع إلى الإعلان أنه لم يجد بُدّا من الاستمرار ومخالفة رغبته حبا في شعبه واحتراما لزملائه ورفقائه في الداخل والخارج. فهو سبق له أن قرر تمديد فترة صلاحيته دونما حرج أو خجل، فكيف له الآن أن يتردد وهو يحظى بدعم مصري أردني إسرائيلي، فضلا عن شوارع الضفة ورام الله!من بين التفسيرات والتبريرات التي سيقت بعد إعلان الخميس الماضي أن الرئيس محمود عباس قرر الرحيل احتجاجا على الانحياز الأمريكي والصلف الإسرائيلي، وقد قال ما قال لكي يضغط على إدارة أوباما وفريق نتنياهو من أجل وقف بناء المستوطنات وإعادة الاعتبار للطرف الفلسطيني في مسار المفاوضات المقبلة. لكن أليس جديرا بالرئيس إذا أراد فعلا أن يعبر للأمريكيين والإسرائيليين وللمجتمع الدولي عن غضبه وأن يضغط عليهم أن يعلن عن أشياء أخرى غير التهديد بالانسحاب من الترشح، ومن ذلك الاهتمام أكثر بشعبه وبالفصائل السياسية والمقاومة الأخرى ويعلن انسحابه من مسار المفاوضات الذي خذله ويتخذ قرارات من شأنها أن ترد الاعتبار للشعب الفلسطيني وتجعل الغرب وإسرائيل ينظران إليه نظرة مختلفة عن نظرة الاستخفاف والاستهانة.’ كاتب وصحافي جزائري