هآرتس - بقلم: افنر بن زكين "في ظل غياب اتفاق على حدود إسرائيل، وفي ظل وضع سياسي معقد، تُطرح فكرة الكونفدرالية مرة أخرى. في “هآرتس” نشر مني ماوتنر ويوئيل زنغر مقالات تستدعي التفكير في هذا الأمر، وقد انضمت لمقالات سابقة نشرها مثقفون إسرائيليون مقدرون مثل ميرون ربابورت واورن يفتاحيل وياعيل باردا.
حل الكونفدرالية لشعبين متشددين، يفصل بينهما نهر من الدماء والمعاناة، يحاول تطبيق حل من مناطق أخرى على شرق أوسط مشتعل ويغلي. يتكون سحر الفكرة من افتراض أنه يمكن الأكل من الكعكة وتركها كاملة؛ ومن عطر السياسة الأوروبية؛ والأهم من ذلك من فكرة أنها غضة وجديدة ولم تواجه حتى الآن نقاشات تجارب سياسية. ولفحص الصعوبات والاحتمالات والأخطار الموجودة في هذه الفكرة بشكل ذكي، يجب الأخذ في الحسبان العوامل التي صنعت هذا السحر.
أولاً، هذه فكرة تشكل وثيقة استسلام لإملاءات المستوطنين. فإنجازهم الأساسي يتلخص بنجاحهم في زرع اليأس في أوساط أتباع حل الدولتين، ويغرسوا في قلوبهم مسلمة تقول إنه لا يمكن إخلاء المستوطنات. وبالتالي، لن تكون هناك أي احتمالية لحل الدولتين. هذا ادعاء باطل. يمكن، مثلما اقترحت معظم الخطط، حل المشكلات عن طريق تبادل الأراضي وإبقاء عدد من المستوطنات تحت سيادة إسرائيل. والمستوطنات المتشددة بشكل خاص يمكن إبقاؤها تحت السيادة الفلسطينية.
أعضاء كثيرين في حركة الكونفدرالية، الذين جاؤوا من المستوطنات، يؤيدون الفكرة، وهي أمر مشجع. واستنتجوا بأن استمرار الوضع الراهن سيؤدي بالضرورة إلى دولة ثنائية القومية. وفي محاولة لإنقاذ وجودهم أيضاً في يهودا والسامرة، وإنقاذ الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، قاموا بانسحاب تكتيكي باتجاه فكرة الكونفدرالية. من الواضح إذاً أن جزءاً من المستوطنين يدركون عدم إمكانية فرض السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة، وانحصار الحلول الممكنة إما بحل الدولتين أو الكونفدرالية.
ثانياً، ليس واضحاً كيف سيتصرف الكيان السياسي ذو الرأسين عندما يتشاجر أعضاؤه على كل شجرة زيتون وحول كل قبر مقدس، لذا فإن حل الكونفدرالية على المستوى الفكري السياسي يعكس تراجعاً كبيراً للمفاهيم الأساسية القديمة. أتباع هذه الفكرة يقدسون فعلياً “الأرض” والهوية “الوطنية التنظيمية”، حيث إن الفكرة السياسية للكونفدرالية هي رزمة وليس نظرية سياسية جوهرية.
ما يخلق مصيراً مشتركاً لأعضاء مجتمع معين ليس الأرض أو شخصية أب مشتركة، بل إطار القواعد، أي أن النظام السياسي هو التعبير الرسمي عن الرغبة في الاتحاد والعيش معاً في ظروف وضمن حدود معينة. بدرجة معينة، فإن فكرة الكونفدرالية، التي تركز على أرض واحدة لشعبين وليس على دولة واحدة تطبق ميثاقاً اجتماعياً متفقاً عليه من قبل جميع مواطنيها، ستخلق وضعاً تكون فيه العلاقات العائلية أهم من المدنية. فعلياً، هذا أمر واعد، لأن الفشل الإقليمي سيجد تعبيره داخل الإطار السياسي الجديد.
على الرغم من أن هناك زملاء فلسطينيين في حركة الكونفدرالية، إلا أن هناك تجاهلاً لمراحل التطور السياسي للفلسطينيين، ولا يُسألون ما الجيد بخصوصهم. أهم مستعدون للقفز عن المرحلة الحالية في حياة كل شعب، والتنازل عن تجربة الاستقلال والسيادة والتحرر؟ ألا يحتاجون إلى الاستقلال وإلى دولة خاصة بهم كمرحلة ضرورية للتطور التاريخي التنظيمي، للوصول إلى النضوج سياسياً، واستنفاد أحلام الخلاص السياسي وترسيخ حياتهم على مبادئ عملية تؤدي إلى حياة كريمة؟
ثالثاً، الكونفدرالية بنية سياسية متطورة، تناسب كيانات سياسية ناضجة، أو على الأقل هي تناسب كيانات سياسية لها خيال ثقافي ووطني. يبدو أن إسرائيل لم تنضج بعد بما فيه الكفاية كي تكون دولة حقيقية، لها دستور ونظام انتخابات، وتعكس مبدأ سيادة المواطنين. ومن باب أولى، فإن الفلسطينيين الذين لا تجربة سياسية لهم، هم فعلياً جنين لم يولد بعد.
القفزة النوعية من كيانات سياسية (هي حتى الآن ليست دول عادية) إلى الكونفيدرالية، تأخذ كيانين سياسيين “صبيانيين” وتأمل بأن إدخالهما إلى حلف زواج سينقلهما بـ “قفزة تاريخية” إلى النضوج، وأن الحياة السياسية المنفردة في أرض مشتركة ستحولهما إلى كيانات سياسية ناضجة. فعلياً، سينتج لدينا كيان سياسي جديد غير واضح وغير ناضج، سينهي طريقه مثلما أنهت يوغسلافيا طريقها.
لذلك، فإن المطلوب أولاً وقبل كل شيء، كيانات سياسية سليمة وممأسسة. فالهوية التي ستشكل الأعضاء فيها لن تكون قائمة على قومية عضوية، بل على قوميات مدنية. في اليوم الذي سنعتبر فيه- نحن الإسرائيليين- أنفسنا إسرائيليين ونستنفد هوية القومية المدنية الإسرائيلية حتى النهاية، ويستنفد الفلسطينيون هويتهم المدنية الفلسطينية حتى النهاية، حينئذ ستنشأ الظروف التاريخية للتعاون المتطور من هذا النوع. ومحاولة القفز عن مراحل ضرورية، وكأن الوضع المعقد بين الحركة القومية اليهودية والحركة الفلسطينية، يحتاج إلى “اختراع مخادع”، يساعده على القفز عن جميع المشكلات، سينتهي بتحطم الأعضاء.
يعدّ حل الدولتين مرحلة لتطور سياسي طبيعي، وهو بالمناسبة ممكن الآن أكثر من أي وقت مضى. للمرة الأولى، تحركت الصفائح التكتونية للسياسة الإسرائيلية عند تشكيل الحكومة الجديدة، التي أحدثت أزمة تاريخية بين المستوطنين والليكوديين من بئر سبع وأسدود و”نتانيا” و”ريشون لتسيون” و”الكريوت”، الذين يعلنون صبح مساء بأنهم يتمنون اليوم الذي سيتم فيه إخلاء مستوطنة “عوفرا”، من أجل مبدأ سلطة الأغلبية.