هآرتس: شامير اقتنع بحاجة حافظ الأسد إلى المفاوضات.. فهل تؤسس “الإبراهيميات” لـ”مدريد” جديد؟

الجمعة 22 أكتوبر 2021 07:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
هآرتس: شامير اقتنع بحاجة حافظ الأسد إلى المفاوضات.. فهل تؤسس “الإبراهيميات” لـ”مدريد” جديد؟



القدس المحتلة /سما/

هآرتس - بقلم: يونتان ليس                             "يتذكر دان مريدون لقاء في 1991 مع رئيس الاستخبارات العسكرية في حينه أوري ساغي، الذي قدر فيه ساغي أمامه بأن الرئيس السوري حافظ الأسد معني بالدفع قدماً بعملية سياسية مع إسرائيل. “اعتبر الأسد العدو اللدود حتى ذلك الوقت”، استرجع. “بعد فترة قصيرة على حرب الخليج، التقيتُ ساغي، وأبلغني أنه غير رأيه، وأن الأسد مستعد لعملية سياسية، كان هذا خلافاً لموقف معظم الجهاز. وقد أطلعني على المعلومات، وقال بأنه سيتحدث مع شامير”.

مريدور، وزير العدل وأحد الأشخاص المقربين جداً من رئيس الحكومة في حينه، عرف جيداً أن رئيس الحكومة إسحق شامير يعارض المفاوضات مع سوريا، وأنه لن يوافق على تقديم أي تنازلات سياسية. وقال مريدور: “مع ذلك، كان شامير واقعياً، ولم يغمض عينيه أمام الحقائق. كان يحترم الأشخاص المهنيين، وقال له ساغي إنه يجب إجراء مفاوضات مع سوريا، والآن. واستناداً إلى هذه القاعدة الاستخبارية للمعلومات، فهم شماير أنه إذا كانت سوريا مستعدة للمفاوضات فسيكون هناك مؤتمر آخر”.

وزير الخارجية الأمريكي في حينه، جيمس بيكر، عمل بحزم لتحريك مفاوضات بين إسرائيل والدول العربية. التعاون بين الولايات المتحدة وسوريا في الهجوم على العراق واستعداد إسرائيل لاستيعاب إطلاق النار عليها ساعدت الإدارة الأمريكية في الدفع قدماً بالعملية.

في إسرائيل كانوا مترددين في شأن ما إذا كانوا سيشاركون في مؤتمر سلام إقليمي، ولم يرغبوا في السماح لوفد فلسطيني بالمشاركة في الحدث كوفد مستقل. المستوى السياسي في إسرائيل وضع فيتو أيضاً على احتمالية أن ممثلي م.ت.ف يتم استدعاؤهم للمشاركة في المؤتمر كممثلين للفلسطينيين. سكرتير الحكومة في حينه، إليكيم روبنشتاين، أرسل هو وأفرايم هليفي، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الموساد، لإجراء عدة لقاءات سرية مع الملك حسين في محاولة للعثور على حل للمسألة.

اعتُبر سفر الطاقم الإسرائيلي إلى الأردن قبل اتفاقات السلام في حينه حدثاً دراماتيكياً. “الحضور إلى عمان كان بمثابة تجديد”، تذكر البروفيسور روبنشتاين الذي أصبح فيما بعد نائب رئيسة المحكمة العليا، في محادثة مع “هآرتس”. وحسب قوله: “في الواقع كنا، ربما، رواد الزيارات في عمان. أفرايم هليفي وأنا، بدأنا برحلات سرية إلى الأردن للقاء الملك حسين وشقيقه الأمير حسن. قمنا بذلك بعدة مرات في ربيع وصيف 1991. لن أدخل إلى التفاصيل لكننا وصلنا إلى هناك”.

“كانت محادثات طويلة”، تذكر روبنشتاين، “كنا نأتي صباحاً ونعود في اليوم التالي. كان ذلك أمراً مثيراً وكما يبدو أيضاً مجدياً”. ناقش الطرفان التحضير للمؤتمر. “لم نكن نعرف بعد أن هذا سيكون مؤتمر مدريد. تحدثنا عما يمكن الحديث عنه وحول طبيعة تمثيل الفلسطينيين في المؤتمر”. وحسب قوله: “كان الملك حسين شخصاً لطيفاً جداً بالمعنى الشخصي. وكان شقيقه الأمير حسن يعرف القليل من العبرية التوراتية من دراسته في أكسفورد”. حتى أن الأمير كتب إهداء بالعبرية، “سلام للبعيد والقريب” على كتاب أهداه للبروفيسور روبنشتاين.

في ختام المحادثات، اتفق على أن الوفد الفلسطيني يجلس في القاعة كجزء من الوفد الأردني. لم يسمح لأعضاء م.ت.ف بالمشاركة في النقاشات، لكن الممثلين الإسرائيليين عرفوا جيداً بأن رؤساء المنظمة قد يجروا محادثات هاتفية محتدمة من تونس مع الممثلية الفلسطينية التي ستأتي للنقاشات.

قبل لحظة من عقد المؤتمر، حاول نشطاء سلام إزالة ألغام كان يمكنها الإضرار بانعقاد المؤتمر. وأحد هذه الألغام هو احتجاج الفلسطينيين على قرار عدم السماح لـ م.ت.ف بتمثيلهم في المؤتمر. “نحن في حركة السلام الآن التقينا مع الزعماء الفلسطينيين في شرقي القدس في منزل فيصل الحسيني المدعوّ للمؤتمر”، استرجعت البروفيسورة غاليا غولان من رؤساء “السلام الآن” في السابق. وحسب قولها: “حاولنا إقناعهم بأن مشاركتهم مهمة. اقترحنا عليهم أن يجلس ممثلو المنظمة في غرفة مجاورة أو أن يتحدثوا معهم هاتفياً ويوجهون الأمور. وهذا ما حدث في نهاية المطاف، تحدث الفلسطينيون طوال الوقت مع قيادة م.ت.ف في تونس”.

افتتح المؤتمر في 30 تشرين الأول 1991 ومكن إسرائيل من أن تدير، بصورة متوازية لكن منفردة، اتصالات مع كل وفد من الوفود. الخطاب الذي ألقاه رئيس الوفد الفلسطيني الدكتور حيدر عبد الشافي في المؤتمر، كان تضمن عدداً غير قليل من الرسائل التي نقلها نشطاء السلام الإسرائيليون في المحادثات الأولية في محاولة لتخفيف المعارضة لأقواله في الطرف الإسرائيلي. حسب أقوال البروفيسورة غولان: “أتذكر أنني سمعت الخطاب وقلت في نفسي في حينه بأنه كان لنا تأثير عليه. كان ذلك خطاب ساحراً جداً وتصالحياً. رأيت فيه أموراً تعلموها من خلال محادثاتهم معنا بشأن ما يمكن وما يحظر قوله للإسرائيليين. هو تحدث عن معاناة الفلسطينيين وعن الاحتلال والمستوطنات. ولكنه، في المقابل، عندما تحدث عن الكارثة، لم يفعل ذلك لمقارنتنا بالنازيين، بل من أجل الاعتراف بالمعاناة التي مر بها اليهود. وتحدث عن اللاجئين الذين طردوا في 1967 وليس في 1948 وعن دولتين متساويتين، وقد ذكر معسكر السلام الإسرائيلي والمظاهرة التي أجريناها مع الفلسطينيين”.

الثلاثاء، سيعقد معهد ترومان للدفع قدماً بالسلام لقاء خاص لإحياء ذكرى 30 سنة على المؤتمر. البروفيسور روبنشتاين الذي ترأس في حينه الوفد الإسرائيلي للمحادثات مع الوفد الأردني – الفلسطيني في مدريد، يعتقد أن المؤتمر كان أهم مما ينظر إليه. “لم يُعط للمؤتمر المكانة التي يستحقها في التاريخ”، قال. وحسب قوله: “كان المؤتمر الطاولة الأولى التي جلست عليها إسرائيل والأردن والفلسطينيين بصورة علنية. كان هناك الكثير من اللقاءات التي سبقته، في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات والثمانينيات. ولكنها المرة الأولى التي عبرتْ عنها صورتي وأنا أصافح يد نظيري الأردني ونظيري الفلسطيني، بدأ عهد جديد، سياسي مكشوف، في إطار المفاوضات التي لم يكن مثلها في السابق”.

في اختبار النتائج، لم يؤد المؤتمر إلى اتفاق بين إسرائيل وسوريا، كما أن الاتصالات مع الأردن والسلطة مرت بصيغ مختلفة طوال بضع سنوات قبل أن تنضج وتصبح اتفاقات. حسب أقوال مريدور، الذي يشغل الآن منصب رئيس اللجنة الإدارية في معهد ترومان: “إذا نظرت إلى المفاوضات مع سوريا، فإنها فشل. لقد جاءوا وجلسوا دون نتيجة. ولكن رابين أدار مفاوضات مع سوريا، وعقبه باراك ونتنياهو. وهذا فشل أيضاً. ربما كان الطرفان بعيدين جداً في مواقفهما”. حسب قوله، يعدّ مؤتمر مدريد حلقة مهمة في “عملية قبول إسرائيل” التي توجت نهايتها، حتى الآن، باتفاقات إبراهيم مع دول الخليج والمغرب. “منذ 1967 كانت علامة الطريق الرئيسية الاختراقة الضخمة لبيغن والسادات. بعد ذلك جاءت اتفاقات أوسلو التي لم أكن أؤيدها. بعد ذلك الاتفاق بين رابين والملك حسين”.

تعتقد البروفيسورة فيرد فنتسكي ساروسي، رئيسة معهد ترومان، أن وباء كورونا بالتحديد وأمور بيئية أخرى تقلق دول الشرق الأوسط، تبرر عقد مؤتمر إقليمي مشابه في القريب. “انظروا إلى مؤتمر مدريد. لقد شطب من الذاكرة الجماعية، لكنه يشكل مثالاً على أن عمليات لم يعتقد أحد أنها ممكنة، قد حدثت. والآن، حيث يدور العالم كله حول أزمتين عالميتين: المناخ وكورونا، فالحاجة إلى مؤتمر إقليمي أمر ضروري يقتضيه الواقع وتحدياته، فلا يعرف الفيروس الحدود، فيما يرفض المناخ أيضاً الاعتراف بالنزاعات التاريخية. اتفاقات إبراهيم مباركة، لكنها ليست البديل لحل نزاعنا، وربما تكون دول الخليج أو المغرب مدريد القادم. يؤمن المعهد بأن الحكومة الحالية برئاسة بينيت وبدعم أمريكي يمكنها ويجب عليها أن تعقد مؤتمر مدريد الجديد”.