ما رأيته في تعويم السفينة "إيفر جرين" التي جنحت بعرض قناة السويس؟ كيف لأزمة لم تستمر سوى أيام معدودة أن تقلب موازين العالم؟ وتساءل الجميع كيف ستتعامل مصر مع الأزمة الكبرى التى أضرت بالاقتصاد العالمي؟ أمام أزمة يصفها الجميع بأنها كارثة تخلخل أي دولة مهما كانت؟ فهناك ارتفاع في أسعار البترول. وأزمات في إمدادات المواد الخام للشركات الصناعية الكبرى، واضطرابات في الحركة الملاحية العالمية والبورصات الدولية، وحالات من الطوارئ في التجارة الدولية ؛ ووقف العالم يترقب وينتظر انفراج الأزمة، وسلطت الصحف العالمية والمحطات التليفزيونية في جميع بلدان العالم الضوء على هذه الأزمة وحُبست الأنفاس في العالم فور الإعلان عن إغلاق أهم مجرى ملاحي في العالم.
أن ما حدث سابقة لم تحدث في العالم من قبل, وكانت أزمة بكل المقاييس في أهم مجرى ملاحي بالعالم، والتقارير الدولية وكثير من الخبراء أكدوا أن تعويم سفينة مثل هذه ، وجنوحها بهذا الشكل، وفى الوضع المناخي الحالي ، يحتاج على الأقل إلى ثلاثة اشهر. فكان لمصر رفيعة المقام , رأى أخر واستطاعت من خلال هذه الأزمة أن تقول كلمتها للعالم أجمع ؛ أن مصر الكبيرة القادرة على تخطى الصعاب ومواجهة كافة التحديات.. وتحقق الإعجاز بالتعويم خلال ستة أيام فقط ، الأمر الذى جعل افضل خبراء العالم في هذا المجال يؤكدوا , أن هذا العمل سيدرس في أكاديميات النقل البحري على مستوي العالم .
كيف نجحت مصر في تعويم سفينة يبلغ طولها 400 متر، وتبلغ حمولتها الإجمالية 224 ألف طن بحمولة حوالى 120 ألف حاوية كما هو متداول في تقارير إعلامية، دون تسريب زيوت أو وقود أو حدوث إصابات سواء في بدن السفينة أو فيما تحمله من بضائع وحمولات، بل تم التعويم بكل سلامة وأمان ولم يحدث الكابوس الرهيب هو انشطار السفينة بسبب توزيعات الوزن الغير متوازنة أو تلفها. وتم تسيير حركة لا يقل عن 400 سفينة من اكبر سفن العالم , كانت متوقفة جراء هذه الأزمة، لتعود القناة إلى مهمتها من جديد مواصلة رسالتها بأمن وأمان. وانخفضت أسعار النفط، وهبطت العقود الآجلة خلال تعاملات الاثنين , بعد إعلان مصر تعويم سفينة الحاويات العملاقة، التي سدت قناة السويس ، وإنهاء الأزمة وعودة شريان الحياة من جديد. وكيف استطاعت أيضا إدارة القناة , كهيئة عريقة التعامل إعلاميا باحترافية وثبات، فكانت الشفافية عنوان للتعامل، والثقة بالقدرة مبدأ حاضر في كل تصريحات القيادة الرشيدة، لتثبت مصر أنها من الكبار فلا اضطراب ولا اهتزاز ، ويؤكد كل هذا أهمية مصر ومكانتها، ألم يكن كل هذا محل ثقة وفخر لكل العرب. بعد تعامل مصر باحترافية وثبات كبير، على كل الأصعدة ملاحيا، وعلميا، ليتأكد العالم أجمع أنها تمتلك خبرات وإمكانات علمية جبارة أشار العالم كله إليها بالبنان. وسجلته الإشادات الدولية , وهذا فخر للكل العرب، حيث أثبت المصريون ان لا مستحيل أمام ارادتهم الفولاذية لأن الهيئة الوطنية قادرة على الوفاء بواجباتها في الطوارئ الصعبة، ومن حقهم علي كل دول العالم أن تحييهم وتحتفي بهم، لأنهم قالوا للعالم نيابة عن شعب مصر العظيم إن هذا المرفق الحيوي مصري, لكنه يخدم العالم , و قادرين على تأمين مسارات حركة التجارة العالمية بمهارات وقدرات مصرية دون الاعتماد على أحد.
تاريخيا فإن الشعب الذي ابتكر غناء السمسمية اثناء تعرضه لأسوأ حالات الحروب , والشدائد وسرقة مجهوده الشاق , في حفر قناة السويس الرهيبة بالأيدي والفؤوس والعرق والاستشهاد "راح ضحيته 120 ألف شهيد مصري" كافدح ضريبة دفعها شعب مقابل مرفق، لتتغير الدنيا من بعدها بعد أن اتصل البحرين الأبيض والأحمر, والإنجازات الوطنية الكبرى بحجم حفر القناة وهي تضحية لا يمكن تقديرها بثمن مهما تقادمت عليها العصور، ولا حدث عظيم مثل تأميمها الذي زلزل العالم، وكان بداية مرحلة جديدة في العالم كله، أو افتتاحها في 1975., لن يحار أبناءه في تحريك سفينة مهما كان حجمها.
نعم . كانت أزمة بكل المقاييس في أهم مجرى ملاحي بالعالم، لكنه فعلا عاديا ضمن خبرات هيئة القناة العظيمة المتراكمة. في مثل هذه التفاصيل ولديهم من الخبرات الفنية والآلات الميكانيكية ما يجعلها متأهبة بكفاءة لذلك طوال الوقت، فلو تذكرنا تمكن الخبراء المصريين من إدارة القناة بشكل كامل لحظة قرار التأميم الخالد عام 1956 ,والنجاح التام في تدريب أجيال مصرية شابة حلّت مكان الاستعمار. حيث أرسلت العظيمة مصر, رسالة طمأنة للعالم بمدى قدرتها على تأمين أهم وأخطر مجرى ملاحي، وأنها تمتلك الريادة مهما كانت التحديات. والتمكن من الإنقاذ باحترافية وحدوث التعويم في زمن قياسي , يعد إعجاز حقيقي لا ينكره إلا حاقد و جاحد أو جاهل، لهذا وقف العالم أجمع في حالة من الانبهار بعد أن استطاعت مصر أن تثبت أنها القادرة الحاضرة بعزيمة أبنائها وشعبها في مواجهة التحديات، مهما كانت قسوتها وضخامتها. ولك أن تتخيل أيضا كم الجهد الخارق الذى بذل من قبل رجال مصر الابطال. وحفر قرابة 27 ألف متر مكعب من الرمال، على عمق وصل إلى 18 مترا حول مقدمة السفينة، ونجاح الفريق المصري في إخراج السفينة من الرمال, وتزامنا مع عملية الحفر الضخمة, كانت تجرى محاولات التحريك من خلال دفعها بالقاطرات بعيدا عن ضفاف الرمال لتحرير الغاطس، وفقا لعوامل المد والجزر والرياح، مع مراعاة حدوث انهيارات ترابية من أسفل السفينة للمناطق التى يتم حفرها، كل هذا خلال 6 أيام فقط !! لم يحدث. تعويم سفينة جانحة مثل هذه دون تفريغ حمولتها.
وكما في بطولات عمليات حرب الاستنزاف, و لا ننسى ما حيينا الاعجاز الهندسي والعسكري في حرب أكتوبر 1973، في كتم فوّهات النابالم الاسرائيلية المفتوحة على ماء القناة، وبناء رؤوس الجسور، وإقامة كباري العبور، في ذات اللحظة الذي كان جنودنا العظام يزيلون الساتر الترابي لخط بارليف بمضخات الماء، في منظومة مذهلة تقشعر لها الأبدان، وكل هذا فوق ماء القناة بتياراتها السريعة، وتحت قصف الصهاينة لأماكن تواجدهم ونسف بعض رؤوس الكباري، لكن نجحوا باقتدار في العبور وتحطيم اسطورتهم في ساعات قليلة في عمليات كانت تبدو مستحيلة على خرائط الخطط العسكرية، وكانت على الأرض يسيرة على أولي العزم حين انعقدت النية للثأر من العدو الغادر، واسترداد الكرامة العربية, كان وقع الانتصار الهائل على نفوس الجميع، ألهاهم تماما عن ذلك الإعجاز الهندسي المذهل. وكذلك حين تمكن الخبراء والفنيون بعد ذلك بسنتين من تطهير القناة عام 1975 لإعادة افتتاحها للملاحة، وكانت فيها سفن غارقة بالكامل، وانتشلوها في وقت قياسي، بتلك الجهود الوطنية الاعتيادية المخلصة ببساطة.
تحية تقدير وتعظيم سلام لرجال مصر الأبطال الذين أبهروا العالم في انهاء أزمة السفينة الجانحة بقناة السويس وتعويمها في أقل من أسبوع, وبالسواعد المصرية وبالإرادة المصرية, عادت الملاحة الى القناة وعامت السفينة , بعد النجاح المبهر في التعامل مع أزمة جنوح السفينة وادارتها. لنقول ان مصر وقيادتها وأجهزتها المختلفة تعاملت مع الازمة بمهنية وحرفية عالية وبمسئولية وثقة في الله تعالي , ثم في هذه السواعد الطاهرة الشريفة وفى خبراتها وكوادرها البشرية.. وأكدت للجميع ان القناة في أيادي أمينة قادرة على حمايتها وادارتها بالشكل العلمي السليم وان تجارة العالم آمنة مطمئنة في رحلة العبور من القناة للعالم. نعم. كان رسالة صريحة من الدولة المصرية إلى العالم أجمع بقدرة وكفاءة أبنائها في تخطى الأزمات، والتصميم على إنهاء المحنة في أسرع وقت. ذلك فضل من الله علينا وعلى الناس .. والحمد لله رب العالمين.
أما بخصوص سخرية بعض السفهاء العرب والصهاينة، فهذا سياق آخر وقديم نسبيا، فقد استسهلوا خلال العقود الفائتة الاجتراء على قدر مصر العظيمة رفيعة المقام، ظنّاً أن هذا يضاعف حجمهم، وهم واهمون، ويكفيهم ما هم فيه من تخبط، فلا قيمة لأيّ منهم إذا ضعفت مصر أو غابت، وهذا ما أثبتته التجارب فعليا بهوانهم على أنفسهم والعالم، وبدون مصر "الأساس المركزي والقاطرة" باتوا أقزاما، وعميت بصائرهم، فضلوا طريقهم إلى تل أبيب، فدعوهم "في غيِّهم يعمهون".