مؤامرة ضد الأمهات..سما حسن

الخميس 25 مارس 2021 08:57 ص / بتوقيت القدس +2GMT



قد يأتي رأيي متأخراَ، ولكن ربما أخذ به البعض في العام القادم حين يستعد للاحتفال بيوم الأم، وربما فكر البعض الذي أتمنى أن يكون كثيراً بطريقة جديدة للاحتفال بالأم، فنحن هذا العام خصوصاً ربما احتفلنا به بضجة أكبر بسبب ظروف جائحة كورونا، وما تسببت به من ظروف التباعد وقلة الزيارات والتواصل، فلذلك من الطبيعي أن تجد الكثير من الأبناء والبنات مقصرين مع أمهاتهم، وأنهم قد اهتموا بالهدية هذه المرة وللعام الثاني أكثر من سنوات مضت، وكأنهم يخفون اعتذاراً أو تقصيراً أو كليهما معاً.
الاحتفاء بالأم هذا العام حقق مكاسب كبيرة للتجار وباعة الهدايا بكل انواعها، ومن عانى من كساد بضاعته خلال العام استطاع ان يتخلص منها خلال هذه الأيام، ومثلما يحدث في كل مناسبة يجد التجار فرصة للبيع أكثر وبمكاسب أكثر غير متوقعة لأن الجميع يريد أن يشتري ويجامل، والجميع يريد ألا يفوت الفرصة، ولكن أحداً من هؤلاء الجميع لم يسأل نفسه ما الذي تريده أمي؟ مثلما نفعل ونحن نجهز مستلزمات شهر رمضان، وبعده نقوم بتجهيز مستلزمات العيد وهكذا، وفي كل مرة نشتري ما يلزم وما لا يلزم ونحن مصابون بحمى الشراء والخوف من فوات الفرص في التخفيضات والعروض، وهكذا وقع مثل هذا اليوم في فخ باقي المناسبات، وكأننا نريد أن نقول اننا قد قمنا بواجبنا وها نحن قد خصصنا ميزانية خاصة لهدية للأم التي ربت ورعت وقبل ذلك حملت وولدت وأرضعت.
والحقيقة ان قياس العرفان بالجميل بهذه الطريقة ليس مناسباً، ولا يمكن أن يجازى الألم اثناء الولادة بهدية ثمينة، ولا يمكن ان تجازى التضحية مثل تضحية الأرملة وتربيتها للأيتام بهدية مهما تعب الأيتام في جمع ثمنها، ولكن العرفان بالجميل والمعروف وتسديد جزء من الدين يكون بألا نستمر في تكريس دور الأم الذي قد تقوم به خادمة ماهرة، والخلط بين دور مدبرة المنزل والأم، لذلك نجد عروض الأجهزة والأدوات المنزلية تنهال مثل المطر ومن كل حدب وصوب، والجميع ينادي بأن عليك ان تشتري لست الحبايب خلاطاً حديثاً بدلاً من العجن، ومضرباً كهربياً بدلاً من الخفق بيديها، وكأنك تقول للأم دورك هو المطبخ ونحن فقط نساعدك بأن تقللي من وقت مكوثك فيه، او لكي تقللي من تعبك في إعداد الطعام ولكي توفري الوقت لكي تقومي بأعمال منزلية أخرى.
وحتى شراء الذهب والمجوهرات وكأنك تقول لأمك هذه الهدية مقابل تقصيري بأنني لم ادخل بيتك منذ العام الماضي سوى مرات تعد على الأصابع، أو هذه الهدية لأنني لا أستطيع ان أرعاك في مرضك كما رعيتني، فلا وقت لدي.
الأم تتعب وتضحي وتُفني صحتها ليس من أجل هدية، في يوم واحد من السنة، هي تفعل ذلك لكي تجد الأولاد طيلة أيام السنة، وتراهم يلتفون حولها، ليس من باب الواجب ولكن من باب رد الجميل الذي لو امضوا عمرهم لن يردوه، ولكنهم قد يردونه لو وصلت الأم لأرذل العمر واحتاجت لابنها كي يحملها بين ذراعيه كما حملته، وان يتنقل بها ويوصلها لتقضي حاجتها، وأن يمسح بقايا الطعام المتناثر على صدرها، وأن ينظف يديها ويقلم أظافرها حين تعجز عن العناية بنظافتها الشخصية.
المؤامرة المدبرة حين نكرس دور الأم وننام مطمئنين لهدية في يوم من السنة، والحقيقة ان الأم بحاجة للمسة وفاء من الزوج أولاً، تحل في وقت مفاجئ وفي احتفال مفاجئ وليس حسبما تقرر المؤسسات النسوية مثلاً، ولا حين يخصص بقرار مر عليه سنوات وسنوات بضرورة الاحتفال بالأمهات.
لسنا ملزمين بيوم ولا ملزمين بأن نقع ضحية الدعايات الاستهلاكية، لأن كل ام لديها ما تحب وتهوى، ولو اخترنا ان نوفر لأمهاتنا ما يحببن طيلة العام، ونوفر لهن سبل الراحة طيلة العام، وندخر سداد الدين يوم ان تصل الواحدة لسن متقدم، فتصبح هي الطفلة ونحن الآباء والأمهات، ففي هذا اليوم نكون قد احتفلنا واحتفينا ونجحنا.