من أجل ولدي..سما حسن

الخميس 04 مارس 2021 09:26 ص / بتوقيت القدس +2GMT



أخبرتني صديقة أنها قد توقفت عن الإنجاب هذه الفترة بأمر من الدولة التي تقيم فيها، وقد اكتشف الأطباء أنها كانت تحمل جنيناً قد يأتي إلى الحياة مشوهاً في تكوينه، ولن يستمر في العيش مدة طويلة، وقد تم التخلص من الجنين فعلاً، وحذرها الأطباء من اتخاذ قرار الحمل دون الرجوع للمختصين، كما نصحوها بضرورة إجراء فحوصات خاصة قبل اتخاذ قرار الحمل لكي يقرر الأطباء طريقة الحمل المناسبة لتفادي مثل هذه التشوهات في المستقبل، إضافة لاتباع تقنيات حديثة لمنع تكرار الحالة السابقة، وقد توصل العلم بالفعل لتقنيات متطورة الهدف منها تقليل انجاب أبناء مشوهين أو معاقين، لأن هؤلاء يكلفون الدولة مبالغ كبيرة، إضافة لتكلفة العلاج، فهناك تكلفة الرعاية، ويمكن تلافي ذلك ببعض التخطيط والتنظيم العلمي وبتعاون الوالدين بالطبع مع الجهات الطبية.

يتكشف لنا حرص الدولة التي تعيش فيها صديقتي على مصلحة الطفل وصحته قبل أن يولد، وفي الجانب الآخر من العالم ألتقي بأم شابة تقول لي في قلة حيلة أنها قد أنجبت أربعة أطفال يعانون من تشوهات مختلفة ومتفاوتة بسبب زواج الأقارب، وأن الأطباء قد حذروها من مغبة الإنجاب المتكرر ولكنها في كل مرة تتخذ قرار الإنجاب لعل وعسى، نعم تردد عبارة لعل وعسى رغم تأكيد الأطباء بأن نسبة إنجاب أطفال أصحاء تكاد تصل إلى الصفر في ظل نتائج تحاليل مكثفة أُجريت حسب المستطاع والمتوفر في غزة.
قررت هذه الأم الشابة أن تنجب لكي تربط زوجها، ولكي لا يفكر بالزواج بأخرى، ولم تفكر بمصير أطفالها الذين تقضي طيلة وقتها في التنقل بهم من طبيب إلى طبيب، علاوة إلى أنها تركض خلفهم في الأزقة، فبعضهم يمشي وبعضهم يحبو على أربعته، وكذلك فهي تتكفل بأدوات عناية خاصة لأن أربعتهم لا يستطيعون قضاء حاجتهم في المكان المخصص لها، وهم يحتاجون لأدوات العناية المكلِفة خاصة أن الأب لا يعمل، ولذلك فهي تتوجه للمؤسسات والجمعيات الخيرية لكي توفر لها مثل هذه الأدوات، وغالباً لا تتوفر، ما يضاعف من عبء العناية بهم وتنظيف أجسامهم وخاصة في الشتاء.
قررت الأم أن تستغل ما تملك من قوة ومن نفوذ - أي عائلتها بالطبع - والقوة والنفوذ لا يزيدان عن دموعها ونحيبها لكي يقف إخوتها الشباب مع والدهم في وجه زوجها لمنعه من الزواج بأخرى، ولكي يبقي على الحياة معها، بل ومنعه من ان يوقف سيل هؤلاء الأطفال المتدفق من رحمها.
لم تفكر هذه الأم بمستقبل أطفالها الذين يأتون عالة على مجتمع فقير، على بيت متداع وظروف إنسانية غير قويمة، بل انهم لا يجدون أدنى متطلبات الحياة، ولا يفعلون شيئاً سوى التسرب إلى أزقة الحي لكي يضربهم ذاك أو يزجرهم هذا، وتسمع كيل الشتائم الذي ينهمر فوق رؤوسهم بسبب ما يسببونه من تلف لأشياء وممتلكات الجيران، فهم من الأشخاص الذين يعبثون دون رادع عقلي، ولا يمكن حبسهم في البيت لأنهم يبدؤون بالصراخ والعويل ويزعجون الجيران أكثر وأكثر.
هذه الأم لم تفكر لو لحظة بجريمتها وجرمها لأنها قررت أن تستمر بهذه المأساة، وفي كل مرة تقول لعل وعسى، وتقرر أن تحمل ولا تفكر بما تحمله لنفسها حين تنهار صحتها، وقد تغضن جلدها بالفعل بسبب التعب والشقاء، فكل ما يهمها هو الا يفلت فارسها من بين يديها إلى امرأة أخرى.
ربما علينا ان نتزوج حين نختار شريكاً للحياة، ولكن ليس علينا ان ننجب حين يصبح الإنجاب كارثة علينا ولنا ولمن حولنا، وحين نكتشف لو للحظة أننا غير قادرين على رعاية من سننجبهم، وأننا سوف نحولهم لعبء، وأنهم سوف يصبحون مثل أطفال هذه السيدة الخائفة من زوجة ثانية فقط.