انتشر خبر عن مصادرة كمية من السحالي المجففة التي حاول تجار ادخالها إلى قطاع غزة، وحيث الغرض من هذه السحالي هو استخدامها في أعمال السحر خاصة التفريق والمشاكل بين الأزواج، وبغض النظر عن صحة الخبر الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وانهالت اللعنات على السحرة والمشعوذين وكل من يسلك طريق التفريق بين الأزواج المتحابين من كل حدب وصوب.
والحقيقة أن موضوع السحر وربطه بالدين أو ربطه بالشعوذة هو طريق شائك والحديث فيه يطول ولا يقصر، ويتشعب لكي نصل لمشككين في وجود السحر وتأثيره على الانسان، ولكن يبدو أن مثل هذا الجدال لن يتوقف ما دام هناك النفس البشرية التي تحب وتكره، والتي تتمنى الخير لغيرها والتي تتمنى زوال النعمة من بين يدي الآخرين.
لا أريد أن أتطرق لمفهوم السحر من منظور ديني وما ورد من نصوص قرآنية بهذا الخصوص، فكما قلت أنه موضوع يطول، ولكن هناك اسئلة تثار، منها مثلا لماذا ينتشر سحر التفريق بين الأزواج عند العرب، ولماذا نعزو كل طلاق وفراق يحدث بين زوجين إلى السحر، ولماذا نعزو كل حالة تصيب أي فرد من أفراد الأسرة من تشنجات مثلا أو هلاوس أو أفعال غير مقبولة إلى أن هذا الشخص مسحور او محسود أو هناك من دبر له مكيدة غيبية لا يمكن تصورها.
لماذا لا يحدث ذلك في الغرب مثلاً والطلاق يحدث بينهم مثلما يحدث بيننا، ولماذا لا تتحدث الجميلات في الغرب أنهن محسودات وان اعمالهن متوقفة وامورهن غير سالكة بسبب «عين جارة حارة»، أو بسبب «نق الأقارب عليها»؟، ويبدو أن الاجابة قصيرة وهي ان هناك بعض الناس من يحسبون الحياة بأن «واحد زائد واحد يساوى اثنين»، فقط لا غير، فأنت لو بدأت حياتك الزوجية «على مية بيضا» يعني أنك قد اخترت الشخص الاختيار الموفق وأنك قد حسبت كل جوانب هذا المشروع لما تحدثت عن سحر تفريق بعد شهر من الزواج أو بعد ان يغلق باب عليك وعلى شريك حياتك.
هناك أشخاص متصالحون مع انفسهم، فهم حين يكتشفون انهم قد أخطؤوا الاختيار فهم يقررون الانفصال بغض النظر عن نظرة المجتمع، لا يكابرون، لا يجلسون في زاوية من البيت ويبكون ويقولون «إحنا انحسدنا» أو هناك من دبر لنا سحراً» «عمل لنا عملاً»، لا فالزواج هو خطوة مثلا قمنا بها ثم اكتشفنا اننا اخطأنا، ولذلك يمكن التراجع بسهولة والنص القرآني كان صريحا في ذلك بقوله تعالى» وان يتفرقا يغن الله كلاً من سعته».
ولكن ما يحدث ان المحيطين بالزوجين يبدؤون في الترقيع، تخيل انك سوف ترتدي ثوباً مرقعاً او مهلهلاً طيلة حياتك، فأنت لن تشعر بالراحة، ولو فرض عليك الآخرون ان ترتديه بدعوى انك لو خلعته سوف تموت او سوف يطلق على رأسك رصاصة، فلن تشعر بالراحة طيلة حياتك، وهذا ما يحدث في المشاكل الزوجية، حيث يتدخل الأهل سريعاً، فالأم ترى ان ابنتها محسودة على فارس الفرسان الذي تزوجته، وتبدأ باللف على الشيخ فلان والشيخة علانة، وهكذا فأنت بنفسك فتحت منافذ الشر إلى حياتك، فكل زوار السحرة والمشعوذين هم من النساء في الغالبية، والحل واضح وجاهز لدى المشعوذ، هناك سحر وفك السحر يتطلب نملة عمياء وفأراً أعور وديكاً يبيض، ويجب أن تدفع ثمن هذه الأشياء لكي يذيبها الساحر فوق النار ويطلب منك أن تشربها أو يشربها الزوج أو الزوجة، ولكي تطمئن أكثر فهذا الباب الذي فتحته سوف يكلفك غالياً، وكلما كانت الطلبات عجيبة وغريبة ومكلفة فأنت تصدق وتوغل في الوهم.
تغافلنا عن النفس وجرينا خلف الخرافة، ولست هنا، وأكرر ثانية، للحديث عن السحر الذي ورد في القرآن الكريم، ولكني أتحدث عن السحر المتداول على ألسنة العامة، وعن السحالي المجففة والتي تستخدمها بعض الشعوب كحساء لعلاج البرد والانفلونزا، ولكن الدنيا قامت ولم تقعد في بلادنا الموغلة في الفقر والبطالة والتكدس السكاني وقائمة لا تنتهي من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وقد تركنا كل ذلك وركضنا خلف ضرر السحالي المجففة التي كانت في طريقها إلى بلادنا التي ينعم فيها الأزواج بالسعادة، وجاءت السحالي لتقوض سعادتها وتقض مضاجعها.