منذ أن تعلم الانسان أن يعيش في مجموعات، فكر تلقائيا في تنظيم العلاقات بين المجموعات البشرية لتحقيق الاستقرار والأمن والديمومة، بوضع الأحكام والقوانين الناظمة لتلك العلاقة، ومنذ آلاف السنين وضعت قواعد قانونية لتنظيم حياة البشر من مبادئ كونفوشيوس، مرورا بحمواربي، وكهنة مصر، إلى تاريخنا الحديث، ومازالت تتطور بتطور الزمن الى أقصى درجات العدالة والانضباط.
فالعالم اليوم وهو يعيش ثورة علمية، ونهوض ما كان يكتب له من نجاح، لولا الكم الهائل من القوانين والنظم، التي تحقق العدالة وتمنع الفساد، وتكافح الاستغلال، وتقود المجتمع نحو حياة عصرية منضبطة، يعرف فيها كل شخص أو كيان حقوقه وواجباته، وبمقدار ما يتحكم القانون وأدوات تنفيذه بالحياة، تزداد حرية ورفاه واستقرار، وهو ما تنشده البشرية جمعاء.
كل التقدير والإكبار لرجال القانون الذين أثروا التفكير المعاصر، وباتوا المنارة التي تضمن لنا حقوقننا وتحمينا من تنمر الأقوياء على الضعفاء، فهم مصدر ثقتنا لأنهم جعلوا منا بشرا متساويين في الحقوق والواجبات، ويعد تجمع رجال القانون وحماته هو البيئة الحاضنة للنقاء، التي لا تتكلم إلا عدلا، ولا تنطق الا حقا، والبيت الجامع لهؤلاء الرجال في بلدنا هو نقابة المحاميين، ولكن للأسف صدمنا كثيرا الى درجة الدهشة والاستغراب من سلوك نقابة المحاميين بما يتعلق بطرح العطاءات سواء قانون الشراء العام أو قانون العطاءات الحكومية بالإضافة الى قانون مقاولي الانشاءات رقم (21) لسنة 2018.
عندما تلقينا عدة شكاوي عن تلك المخالفة الخطيرة لهذه القوانين من قبل نقابة المحاميين، اعتقدنا في البداية أن هناك تسرع في اتخاذ القرار، أو أنهم لم ينتبهوا لهذه القوانين التي خالفوها في عطاء إضافة طابقين لمقر النقابة بغزة، والأغرب أن ردهم الذي جاء بعد شهرين، نقلنا الى حالة الذهول، جراء افتقاد ردهم لأبسط القواعد القانونية المعروفة والأصول.
تقدمنا بشكاوى الى الجهات الحكومية ذات العلاقة المباشرة، وهم وزارة الأشغال العامة والإسكان، ووزارة العدل، والتي قامت بموجبها وزارة الأشغال العامة والإسكان بمخاطبة نقابة المحاميين، وطالبتهم بوقف العمل في المشروع إلا أنهم ضربوا بذلك عرض الحائط، ومازالوا مستمرين في مخالفتهم للقانون، وما صدمنا أيضا أننا لم نتلق أي رد أو تحرك من وزارة العدل على الشكاوى المذكورة، رغم مرور أكثر من 15 يوم على تسليمها لهم، ونقابة المحامين حتى تاريخه مازالت مستمرة في مخالفتها، وكأنهم يعتبرون أنفسهم فوق القانون.
ان انتهاك نقابة المحاميين للقواعد والمواد القانونية بهذه الطريقة يصيبنا بالنفور، وربما الخوف، لأننا كيف سنطالب المجتمع الفلسطيني باحترام القوانين ونمهد لحياة تحكمها بيئة قانونية عادلة وضامنة للحقوق، اذا كان الذين من المفترض أنهم أول الملتزمين بتنفيذ القانون هم أول من يخالفه.
أننا من واقع خبرتنا في الحياة، نعرف بأن ألف منحرف لا يؤثرون على عقيدة الايمان والالتزام الديني مثل انحراف رجل الدين لأنه من المفترض أن يكون القدوة وحامي الشريعة، وهذا ينطبق على نقابة المحاميين التي قررت الحكم بالإعدام على المنظومة القانونية في هذه الممارسة.
ويبقى السؤال الأهم أين وزارة العدل من ذلك كله؟