بات الفضاء الرقمي من أهم الأماكن ووسائل التواصل التي تستخدمها الدول لنشر أخبارها والترويج لها، وكذلك الأمر لها تأثيرها على القضية الفلسطينية وانتشارها في العالم، وإقناع الناس بها.
وتعتبر إسرائيل الفضاء الرقمي من أهم السبل التي يمكن أن تنشر روايتها التاريخية الزائفة للعالم، لا سيما للأجيال الجديدة التي لم تعايش الكثير، وتعتبرها ساحة مواجهة مع الفلسطينيين، سخرت لها الملايين، وحتى اليوم، أثبتت تفوقًا فيها.
وأجمع خبراء ومدونون فلسطينيون على وجود تفوق نوعي وجوهري إسرائيلي في عالم "الدبلوماسية الرقمية digital diplomacy"، وفي المقابل، يبدو الاهتمام الرسمي الفلسطيني في هذا المجال قاصرا ومحدودا، وغير قادر على مجاراة الدعاية الإسرائيلية الكبيرة، ولا يمتلك النجاعة الكافية لكشف المجازر والجرائم والانتهاكات الإسرائيلية.
لكن بعض الناشطين الفلسطينيين ممن يعملون بشكل فردي، تمكنوا من تسجيل نجاحات أزعجت إسرائيل، وجعلتها تصنفها بأنها "خطر" عليها.
وبهذا الخصوص، قال المختص في مجال الدبلوماسية الرقمية، عمار جمهور، إن هناك دائرة مختصة في وزارة الخارجية الإسرائيلية، تتابع انتشار روايتها في هذا المجال.
وذكر جمهور أن هذه الدائرة "تنظم حملات وتنشر باستمرار تغريدات وتدوينات عن إسرائيل، بالإضافة إلى الممارسات الدبلوماسية الرقمية المنهجية والثابتة، من قبل صفحات بقية المسؤولين الإسرائيليين".
وأشار إلى وجود "موازنات ضخمة تصرفها إسرائيل للتغريد والانتشار عبر وسائل التواصل العالمية".
وضرب مثالا عن خطوة قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته للهند مؤخرا، حين اصطحب معه طفلا عمره 12 عاما، فقد والديه في عملية في مدينة مومباي عام 2012.
وقال إن "اصطحاب الفتى اليهودي في رحلة إلى الهند صاحبه تغريدات كثيرة من المسؤولين الزائرين، وساندته حملات إسرائيلية وجهت إلى الهند، بهدف تمرير رسائل إعلامية للمجتمع الهندي، لإحداث اختراقات تؤثر على الانطباعات الشعبية والرسمية، وتدفع إلى تغيير مواقف السياسة الهندية بشأن طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
ويشير جمهور إلى أن المسؤولين الإسرائيليين الأمنيين والمدنيين، لديهم صفحات "تعد مصدرا للأخبار والمعلومات والإشاعات والأكاذيب أيضا"، فيما فلسطينيًّا، فإن الدبلوماسية الرقمية "غائبة تمامًا عن هذا المشهد".
ويضيف "لا يوجد حضور فلسطيني (رسمي) في العالم الافتراضي لمقارعة النشاط الإسرائيلي الموجه لنا كفلسطينيين، ومجاراة النشاطات الدبلوماسية الرقمية الموجهة من قبل إسرائيل إلى شعوب دول العالم وحكوماته المختلفة".
من جانبه، قال الناشط والمدون إياد الرفاعي، إن المستوى الرسمي الإسرائيلي يأخذ موضوع وسائل التواصل الاجتماعي كإحدى الأدوات الأساسية التي يعتمد عليها في صناعة القرار، فيما في المقابل، لا يوجد أي اهتمام فلسطيني بالموضوع".
ويقول الرفاعي إنه "على سبيل المثال، فإن تصريحات نتنياهو تحظى بمتابعة شديدة من قبل وسائل الإعلام العالمية، وسرعان ما يتم انتشار تغريداته بشكل كبير مقابل ضعف كبير في الحضور الفلسطيني العام".
وأكمل "نتنياهو نشط جدا على موقع تويتر، وتراه متواصلا ومتفاعلا بشكل مباشر مع الجمهور، ويكثر من نشر الفيديوهات والتغريدات، ويقوم بعمل بث مباشر، وكما يقوم بالإجابة على استفسارات الجمهور بشكل مباشر".
وقال الرفاعي إن الثقافة السائدة فلسطينيا مختلفة تماما، وأضاف مبيناً "الأمر عندنا مختلف ويعود لكون صناع القرار لا يتوجهون نحو مواجهة الشعوب والتقرب منها، على عكس إسرائيل".
ويحظى رئيس الحكومة بمتابعة 1.3 مليون متابع على موقع "تويتر"، مقابل 3484 متابع لنظيره الفلسطيني، رامي الحمد الله، في حين لا يوجد حساب للرئيس الفلسطيني محمود عباس، على الموقع.
ويركز نتنياهو نشاطه على تويتر، في توجيه رسائل مباشرة حول قضايا مختلفة، فيما تركّز صفحة الحمد الله، على نشر أخباره ولقاءاته ونشاطاته. ويظهر أن المسؤولين الفلسطينيين يركزون أكثر على صفحاتهم على موقع "فيسبوك"، ولا يوجد لهم الكثير من الحسابات على "تويتر".
كما أن غالبية التغريدات تتحدث باللغة العربية، فيما تنشر تغريدات المسؤولين الإسرائيليين باللغات الانجليزية والعربية والعبرية.
من جانبه، يقول المدون والخبير في شؤون وسائل التواصل الاجتماعي، محمود حريبات، إن المسؤولين الإسرائيليين يقومون بالتواصل بشكل رسمي وغير رسمي مع المدونين اليهود، والمتعاطفين مع إسرائيل في العالم.
وأشار إلى أن المسؤولين الإسرائيليين "يقومون بتجنيد الناشطين والمدونين صغار السن، لتنظيم حملات منظمة للترويج لإسرائيل، وتشن أيضا حملات ضد أي حملة فلسطينية قد يتم إطلاقها من خلال آلاف المغردين في كل أنحاء العالم".
وفي المقابل، يرى حريبات أن الجانب الفلسطيني، "رسميا وشعبيا"، ليس لديه منهجية واضحة ولا نظام للتغريد أو الانتشار في العالم الرقمي، بل "يلجأ إلى أسلوب الهيجان غير المنتظم للرد على حملات إسرائيلية، أكثر من المبادرة إلى حملات مناهضة للاحتلال".
محاولات فلسطينية فردية
وفي مقابل التفوق الإسرائيلي في هذا المجال، تظهر محاولات ناجحة من قبل أفراد فلسطينيين، "يسعون لتفنيد الدعاية الإسرائيلية، وكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي"، متوجهين بخطابهم للرأي العام الغربي.
وتشير الناطقة السابقة باسم الحكومة الفلسطينية، نور عودة، إلى بعض النماذج الفلسطينية المهمة في هذا الصعيد، ومنهم عيسى عمرو، من مدينة الخليل، رئيس جمعية شباب ضد الاستيطان، ومنال التميمي، من قرية النبي صالح شمال رام الله، عضو اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار.
ومن الناشطين الناجحين كذلك، الطفلة الفلسطينية جنى التميمي، البالغة من العمر 11 عاما من قرية النبي صالح، التي قال تقرير لوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية إنها تشكل خطرا استراتيجيا على إسرائيل.
وتعمل التميمي على تصوير الأحداث في قريتها وتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية، ونشرها، عبر صفحتها على موقع تويتر، ولديها مئات آلاف المتابعين.
وتحظى التقارير المصورة التي تنشرها جنى بمشاهدات تزيد على 20 ألف مشاهدة للمقطع الواحد.
ومن النماذج الناجحة كذلك، الفتاة مرح بكر، من مدينة غزة، التي قال تصنيف لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية، إنها من أكثر الأشخاص تأثيرًا في العالم لعام 2014.
وتعمل بكر كذلك على توثيق الأحداث والجرائم الإسرائيلية، ونشرها على موقع "تويتر"، باللغة الإنجليزية.
وقد أدى نجاح بكر، إلى شن إسرائيل هجمة عليها، واتهمها بأنها تخدم حركة حماس، وهو ما نفته في تصريحات صحافية، وقالت إنها "تمثل نفسها كفلسطينية تتحدى همجية الاحتلال وتدافع عن شعبها".