تبدأ وزارة المالية الفلسطينية خلال وقت لاحق من الشهر الجاري، إعداد موازنة العام المقبل 2018، على وقع أخبار مصالحة قادمة من غزة، بين حركتي فتح وحماس.
المصالحة التي انتظرها الفلسطينيون أكثر من عقد بين الحركتين الأكثر شعبية في فلسطين، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 2007، تمهد للإعلان عن حجم موازنة “غير مسبوقة”، نظرا للمصروفات التي تنتظر الحكومة في القطاع.
الحكومات الفلسطينية المتعاقبة منذ الانقسام، التزمت بصرف رواتب موظفيها المعينين قبل 2007، حتى قبل شهور قليلة، نفذت فيها خصومات، بنسب وصلت إلى 30 بالمائة من الرواتب الأساسية لموظفيها.
وأعلنت الحكومة التي يرأسها رامي الحمدالله، نهاية يناير/ كانون ثاني الماضي، عن موازنة 2017، بإجمالي نفقات 4.3 مليار دولار أمريكي هي الأعلى في تاريخ المالية الفلسطينية، وعجز جار بعد التمويل 592 مليون دولار.
وتبدأ السنة المالية في فلسطين، مطلع يناير/ كانون ثاني، حتى نهاية ديسمبر/ كانون أول وفق قانون الموازنة.
** استيعاب الموظفين
نفذت حركة حماس منذ 2007 في أعقاب أوامر من الحكومة الفلسطينية لموظفيها في القطاع بالاستنكاف عن العمل، لاحقا لسيطرة حماس على غزة، بتعيين موظفين جدد للمؤسسات المدنية، واستحداث أجهزة أمن تدير شؤون الحياة اليومية.
ويقدر عدد الموظفين المدنيين والعسكريين، الذين ينتظرون أن تسوعبهم الحكومة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة، بنحو 50 ألف موظف، تشكل نسبتهم 30 بالمائة من الموظفين العموميين في فلسطين.
بوضوح، قال رئيس الحكومة الفلسطينية الأسبوع
الماضي: “لا نستطيع تحمل أعباء 50 ألف موظف، تكلفة رواتبهم لا تقل عن 50 مليون دولار شهرياً”.
وتعمل لجنة إدارية في الوقت الحالي، على دراسة أوضاع موظفي الحكومة في غزة، والموظفين الجدد المعينين بعد 2007، وأمامها 4 شهور لتقديم توصياتها.
وسيكون بانتظار الحكومة “إن استوعبت كامل الموظفين المدنيين”، زيادة فاتورة الرواتب والأجور بنسبة تصل إلى 35 بالمائة تشمل أجور الموظفين الجدد، ونسبة الزيادة الطبيعية في بند الرواتب السنوي.
أرقام الموازنة الفلسطينية للعام الجاري، قدرت فاتورة الرواتب والأجور للموظفين الحاليين (قبل المصالحة)، بـ 8.1 مليار شيكل (2.25 مليار دولار)، تشكل نسبتها 54 بالمائة من إجمالي النفقات.
ويبلغ عدد الموظفين المدنيين والعسكرين للحكومة الفلسطينية، قبل استيعاب موظفي حماس، بنحو 165 ألف موظف، بمتوسط فاتورة أجور شهرية تبلغ 620 مليون شيكل.
** إعادة الإعمار
ودفعت ثلاثة حروب وحصار محكم منذ 2006 على القطاع، إلى تدمير البنى التحتية والفوقية لغزة، جعلت منها بقعة منفرة للعيش، يضاف لها عدم توفر الكهرباء والمياه الصالحة للشرب.
تكلفة إعمار غزة بفعل الحرب الأخيرة، وفق أرقام المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار – بكدار (شبه حكومية)، تقدر بـ 7.8 مليار دولار أمريكي.
إلا أن تعهدات دولية لم يوف بها المانحون بعد منذ ثلاث سنوات، قد تخفف على الحكومة الفلسطينية مسؤولية توفير السيولة اللازمة لإعادة الإعمار.
كان مؤتمر القاهرة الدولي (2014)، خرج بتعهدات لإعادة إعمار غزة بقيمة 3.4 مليار دولار أمريكي، وصل منها أقل من 50 بالمائة، بحسب بيانات رسمية لرئاسة الوزراء الفلسطينية.
وتندرج مشاريع إعادة الإعمار في الموازنة الفلسطينية تحت بند “الموازنة التطويرية”، البالغ متوسط قيمتها خلال موازنات السنوات الماضية 350 مليون دولار.
ومع تحقيق المصالحة، يتحتم على وزارة المالية إدراج موازنة تطويرية تتواءم مع حجم الضرر الذي تعاني منه قطاعات غزة كافة.
تقارير أممية صدرت عن منظمات الأمم المتحدة في الشهور الماضية، أوردت أن غزة تحتاج إلى إعادة تأهيل لمحطة الكهرباء الحالية، وبناء محطات تحلية لمياه البحر، ومحطة للتصريف الصحي، وإعادة بناء وترميم لأكثر من 50 ألف منشأة سكنية وتجارية.
وعلى رأس أولويات شبان من غزة التقوا، الأسبوع الماضي، رئيس الحكومة رامي الحمد الله، كان توفير فرص عمل كريمة وحل جذري لأزمة الطاقة.
أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني،أورت أن نسبة بطالة الغزيين تبلغ 43 بالمائة، وتصعد لأكثر من النصف بالنسبة للشباب.
أما الطاقة (الكهرباء)، إذ وصلت لأسوأ فتراتها خلال وقت سابق من العام الحالي، بقطع التيار 16 ساعة يوميا.
ظافر ملحم، وهو قائم بأعمال رئيس سلطة الطاقة الفلسطينية، أكد الأسبوع الماضي في تصريحات صحفية، أن “تقليصا في عجز الكهرباء إلى 50 بالمائة جاري تنفيذه، بدلا من المستويات الحالية، إلى 8 ساعات وصل أو أكثر”.
** تمويل الموازنة
وترجو حكومة الحمد الله، استئناف تحصيل الإيرادات الضريبية والرسوم الحكومية، للخزينة في قطاع غزة، كأحد أدوات توفير السيولة.
وووفق بيانات الميزانيات الفلسطينية السابقة حتى 2006، كانت الإيرادات الضريبية والرسوم المحصلة من قطاع غزة، تشكل 28 بالمائة من إجمالي الإيرادات المالية للحكومة.
كان إجمالي الإيرادات التي حصلتها الحكومة الفلسطينية في 2016، بلغت قرابة 13.5 مليار شيكل (3.6 مليار دولار).
وستصطدم الحكومة في جباية الضرائب والرسوم، بفجوة متوسط الرواتب ومستوى المعيشة بين الضفة وغزة، إذ إن الأخيرة تعاني من أجور متدنية في القطاع الخاص، ونسب فقر تبلغ 65 بالمائة، وفق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (أهلي).
أيضاً، يأتي اتفاق المصالحة، في وقت تتعرض له الموازنة الفلسطينية إلى تراجع حاد في المنح الخارجية بنسبة وصلت إلى 48 بالمائة، إلى حدود 590 مليون دولار متوقعة العام الجاري، نزولا من 1.1 مليار دولار بالمتوسط.
إلا أن قيادة مصر لاتفاق المصالحة بين فتح وحماس، قد يدفع حلفاءها (دول الخليج على وجه الخصوص) إلى ضخ المساعدات المالية لإنجاح الاتفاق.
وينتظر أن تعلن الحكومة الفلسطينية عن مسودة موازنة العام المقبل، خلال وقت لاحق من العام الجاري، بحسب قانون الموازنة.