تفاصيل لقاء الثلاث ساعات بين حبيب ووزير الداخلية
- أخطأت إداريًا باختيارى محمد مرسى رئيسًا للكتلة البرلمانية.. وخضنا انتخابات 2000 بـ 75 أخًا فقط لعدم استفزاز السلطة
- الفئران كانت تلعب والقط نائم وحين تشعر بحركته تهرب تاركة وراءها فأرًا لمصيره المحتوم وكانت مستسلمة والقط راضٍ
- كان الهضيبى حادًا وهجوميًا بطبعه ويميل إلى الصدام وتسبب فى مشكلات كثيرة ونفور البعض منه أو التهجم على شخصه
- اشترط على التلمسانى أن يطلعه على كل كبيرة وصغيره مقابل «البيعة».. ومكتب الإرشاد بايعه مرشدًا دون الرجوع لـ«الشورى»
- الهضيبى كان من أشد المتحمسين لإنشاء حزب للجماعة.. وأبوالعلا ماضى اتهم الإخوان بالوقوف مع الدولة ضد «الوسط»
خصص حبيب هذ الفصل للحديث عن المستشار المأمون الهضيبى المرشد السادس لجماعة الإخوان منذ دخولهما مكتب إرشاد الجماعة معا صيف 1985 حتى وفاته مطلع 2004، حيث التقيا للمرة الأولى فى يوليو عام 1985 بعد أن أصبحا عضوان بمكتب الإرشاد مع الدكتور عبدالستار فتح الله سعيد، والدكتور سالم نجم، بالتزامن مع الأيام الأخيرة للمرشد الثالث للجماعة عمر التلمسانى فى قيادة الجماعة (وافته المنية فى 22 مايو 1986)، ويشدد حبيب فى هذا الصدد على أن الهضيبى «اشترط على التلمسانى أن يحيطه بكل ما يجرى فى الجماعة، حتى يبايعه»، مبررا ذلك بأنه «لا يريد أن يأتى يوم يقف فيه أمام محكمة ليقول: لم أكن أعرف»، وهو ما وافق عليه المرشد آنذاك.
قبل أن يصبح الهضيبى مرشدا للجماعة والكلام لحبيب كان صاحب رأى ومكانة ومنزلة، وأهله لذلك علمه وثقافته ومناقبه، ولثقافته القانونية الرفيعة، وحجته القوية الرصينة صار متحدثا رسميا باسم الجماعة مدة ثمانية عشر عاما.
وبعد وفاة التلمسانى وتولى محمد حامد أبوالنصر موقع المرشد العام الرابع، صار الهضيبى رئيسا للجهاز السياسى للتنظيم الدولى للجماعة، وكنت نائبا له، كان الرجل صاحب رؤية وفكر، غير أن حظه فى التخطيط والإدارة والتنظيم لم يكن وافرا، بخلاف مصطفى مشهور الذى كان بارعا فيها.
كان المستشار المأمون هجوميا بطبيعته، حادا فى كثير من الأحيان فى التعامل مع الآخرين، سواء كانوا من الإخوان أو من غيرهم، وقد سبب هذا مشكلات كثيرة، وربما أدى إلى نفور البعض منه أو تجرؤ البعض الآخر عليه (، ) ولا شك أن وجود مصطفى مشهور، كان يشكل عامل تهدئة وتلطيف لما يتمتع به من سماحة ولين.
رئيسًا للكتلة البرلمانية
فاز من الإخوان المسلمين فى انتخابات مجلس الشعب المصرى عام 1987، 36 عضوا، كان من بينهم المأمون الهضيبى، محمد مهدى عاكف، لاشين أبوشنب، سيف الإسلام حسن البنا، مختار نوح، عصام العريان، عبدالحى الفرماوى، محمد طوسون، محمد حبيب، وآخرون، وكان جملة ما حصل عليه التحالف (الإخوان العمل الأحرار) 60 مقعدا، وكان من بين الفائزين المهندس إبراهيم شكرى، زعيم الحزب الذى أصبح بحكم موقعه زعيما للمعارضة فى المجلس، حيث حصل حزب الوفد على عدد أقل من المقاعد.
وقرر مكتب الإرشاد أن يكون المستشار الهضيبى رئيس كتلتنا البرلمانية، وكنت نائبا له، وبناء على ذلك، كان المهندس إبراهيم شكرى، يجلس فى المكان المخصص لزعيم المعارضة، وعن يمينه المأمون، وأنا إلى جواره.
كان التنسيق بين عناصر التحالف كاملا، أو شبه كامل، وقد تأثر المهندس إبراهيم شكرى بأداء الإخوان تأثرا بالغا، (، ) كان رئيس المجلس هو الدكتور رفعت المحجوب، رجل الاتحاد الاشتراكى وعضو التنظيم الطليعى السرى، ومن غير شك كان الرجل صاحب مواهب كبيرة، صحيح أنه كان يحاول أن يفسد على التحالف وحدته وتماسكه، لكنه كان يظهر تقديره واحترامه للمستشار المأمون الهضيبى بشكل واضح.
الخلاف مع المأمون
لم يكن أسلوب المستشار المأمون الهضيبى فى التعامل مع الأفكار أو الأشخاص الآخرين، سواء كانوا من الإخوان أو من غيرهم يتفق مع طبيعتى ورؤيتى، فقد كان مع إخلاصه، حادا ويميل للتصادم مع من لا يتفق معه، بخلاف من سبقوه فى المنصب، ما كان يؤدى لمشكلات كثيرة.
يضرب حبيب مثلا عن شكل العلاقة بينه وبين المأمون الهضيبى، ويقول: «حدث تصرف، اعتبرته إهانة لى، إذ كنت فى لقاء مع اللواء محمد عبدالحليم موسى، وزير الداخلية فى مكتبه بمبنى لاظوغلى، استمر لمدة ثلاث ساعات (من الساعة الثامنة إلى الساعة الحادية عشرة مساء)، ودار الحوار حول سياسة الجماعة فى تلك المرحلة، وفى صبيحة اليوم التالى كان من عادتنا أن يمر على المستشار المأمون، ثم نذهب إلى مقر مكتب الإرشاد ونمكث فيه قليلا لمناقشة بعض الأمور، ومنه ننطلق إلى مجلس الشعب لحضور الجلسة الصباحية، كان حاضرا ساعتئذ محمد حامد أبوالنصر، مصطفى مشهور، وأحمد حسانين، وكان من الضرورى أن نحيط إخواننا علما بما جرى مع وزير الداخلية فى الليلة الماضية لما لذلك من أهمية قصوى، فلم يكن اللقاء مع ضابط صغير، كما أنه لم يكن من اللقاءات التى تتكرر إلا كل فترة، وحرصت على أن أذكر تفاصيل اللقاء، وإذا بالمستشار المأمون يشير إلى بأصابع يديه لأختصر، تألمت للغاية، وأصابنى ضيق شديد، وتوقفت عن الاستمرار فى الحديث، وقمت واقفا، واستأذنت فى الانصراف، استغرب الإخوان الثلاثة هذا الموقف المفاجىء، وسألنى الحاج مصطفى عن السبب، فقلت: أنا لا يشير إلى أحد بأصابع يديه لأتوقف عن الكلام (، ) قال المستشار المأمون: أنا لم أكن أقصد الإهانة، كنت أريد فقط أن ألفت انتباهك إلى أن وراءنا جلسة بمجلس الشعب لابد أن نلحق بها، قلت: ممكن أن يتم هذا بغير الأسلوب الذى اتبعته.
الموقف من الحزب
كان المستشار الهضيبى من أشد المتحمسين لإنشاء حزب باسم الجماعة، وكان رأيه أن الحزب يجب أن يمثل الوعاء الذى يضم كل هياكل الجماعة وأقسامها ومجالات عملها، بمعنى أن يكون الحزب هو الجماعة والجماعة هى الحزب، وذلك توقيا لعدم الازدواجية التى تنشأ فى حالة ما يكون الحزب فرعا من الجماعة أو قسما من أقسامها من ناحية، وحتى تكتسب الجماعة المشروعية القانونية بما يمكنها من ممارسة كل أنشطتها فى العلن ودون أية مضايقات أو ملاحقات، هذا بخلاف الرأى الذى كان يتبناه مصطفى مشهور، الذى كان يرى استحالة تحويل الجماعة كلها إلى حزب، من منطلق أن الجماعة أعم وأشمل.
وغنى عن البيان أن مجلس الشورى العام للجماعة كان قد أقر فكرة إنشاء الحزب فى عام 1989، وقد تعزز هذا القرار خلال اجتماع مجلس الشورى العام الذى انعقد فى يناير عام 1995، وقد فوض المجلس مكتب الإرشاد فى تحديد الوقت والظرف الملائمين لإنشاء الحزب، والكيفية التى يمكن أن يكون عليها، وأمام التصريحات المستمرة التى كان يدلى بها الرئيس مبارك من أنه لن يسمح بإنشاء حزب على أساس دينى، كان تقدير مكتب الإرشاد أن الوقت والظرف غير مناسبين، وأن عليه ألا يتخذ أية خطوة فى الاتجاه نحو إنشاء الحزب، وإلا كان بذلك يتحدى رئيس الدولة، وهو الموقف الذى لا تحب الجماعة أن تضع نفسها فيه.
كانت السلطة تريد أن يكون الإخوان على هذا النمط ( أى قبل 25 يناير)؛ جزء بسيط معلن وظاهر، وجزء كبير خفى وغير ظاهر، وهذا الأخير معروف لديها بكل مفرداته وتكويناته، وهو مهم بالنسبة لها حيث تقوم بتوظيفه واستثماره لصالحها إلى أقصى درجة ممكنة، وعلى حسه تقوم السلطة بتوجيه ضربات إجهاضية أو استباقية نوعية من وقت لآخر لعناصر مفصلية نشطة داخل الجماعة، بهدف إرباك استراتيجيتها وتعويق حركتها (، ) الأخطر من ذلك هو منع القيادة من التواصل مع أفراد الصف بشكل طبيعى وعادى، إضافة إلى عدم إتاحة مناخ صحى ونقى لتربية الأفراد حيث يعانون من التربص والملاحقة والمطاردة، وبالتالى التوجس والخوف من المداهمة والاعتقال، فضلا عن أمر آخر له سلبيته الكبرى على عمل الجماعة وتحسين وتطوير أدائها، وهو انعدام فرصة اجتماع مجلس الشورى العام وعدم تمكنه من القيام بدوره الأصيل، فهو كما تنص اللائحة السلطة التشريعية لجماعة الإخوان فى مصر، ويكون مختصا بمناقشة وإقامة السياسات العامة والوسائل التنفيذية لها، وكذا مناقشة التقارير السنوية التى يتقدم بها المكتب، فضلا عن انتخاب مكتب الإرشاد وتسمية المرشد، وبالتالى فإن عدم ممارسة هذا الدور جعل مكتب الإرشاد هو المهيمن والمسيطر على الجماعة، والقابض على كل مؤسساتها، والموجه لسياساتها، دون أن تكون هناك أدنى محاسبة له من أية جهة.
وكلما ازدادت ضربات السلطة، اتجهت قيادات الجماعة إلى فرض مزيد من الحيطة والحذر، والتخفى وعدم الظهور إذا لزم الأمر، بدعوى المحافظة على التنظيم وعدم تعريض أفراده للاعتقال.
لذلك قلت إنه كان لابد من كسر هذه الحلقة، لابد من إعادة صياغة وإيجاد نظرة جديدة لعلاقة القط مع الفئران، فالقط يغفو قليلا ويستيقظ فى الليل بحثا عن فأر يلتهمه ليكسر حدة جوعه، وهو مستمر على ذلك، والفئران تمرح وتلعب أثناء إغفاءة القط، وحين تشعر بحركته، تفر هاربة إلى جحورها تاركة وراءها فأرا أو فأرين لمصيرهما المحتوم، هى مستعدة لتقديم وجبة شهية من لحمها ودمها للقط، كلما اشتهى ذلك، وهى مستمرة أيضا ومستسلمة لهذه السياسة، القط راضٍ، والفئران راضون، لم يفكر أحد من الفئران أن يواجهوا القط مجتمعين.
كنت أفكر فى أنه لابد من اتخاذ خطوة جريئة وشجاعة نحو علانية التنظيم، نعم سوف يكون ذلك تحديا للسلطة، وربما أدى إلى إلقاء القبض على الآلاف من الإخوان، ليكن، لكن، جاءت ثورة 25 يناير الكبرى فقلبت الأمور رأسا على عقب،
مشكلة حزب الوسط
من أسف أنى كنت فى سجن ملحق مزرعة طرة أقضى مع بعض إخوانى حكما من المحكمة العسكرية العليا بالسجن مدة 5 سنوات ( 1995 2000 ) حينما جرت مشكلة حزب الوسط عام 1996، صحيح أنه كانت تصلنا أخبارها، لكنها كانت أخبارا متقطعة لم تسمح لى على الأقل آنذاك بتكوين صورة متكاملة عما حدث، وحينما خرجت من السجن سمعت أقوالا من هنا وأقوالا من هناك، والحقيقة أنى لم أشغل نفسى بالبحث والتحرى والاستقصاء عن الأسباب الحقيقية التى أدت إلى المشكلة ومسارها وتطورها، خاصة أن الأمور كانت قد استقرت والعاصفة قد هدأت.
مجلة «المجتمع» الكويتية أجرت حوارا صحفيا بتاريخ 15/3/2003 مع المستشار المأمون الهضيبى، مرشد الجماعة تضمنت فى جزء منه قضية حزب الوسط، ونقل حبيب نص الحوار دون أن يعلق عليه ربما لأنه لم يحب أن يورد فى مذكراته أحداث لم يكن شاهدا أو مشاركا فيها حيث كان فى تلك الفترة فى السجن.
الهضيبى قال فى هذا الحوار متحدثا عن أبوالعلا ماضى وباقى مؤسسى حزب الوسط: هم نسبوا لأحد أعضاء مكتب الإرشاد أنه طلب منهم أن يعدوا أوراق الحزب، وبالفعل أعدوا، وكان الرجل مسافرا، وعندما علمنا بأنهم يعدون للحزب أرسل إليهم مصطفى مشهور أكثر من مرة للحضور، فلم يحضروا، وذهبوا وقدموا أوراق الحزب دون أن يعرضوه على أحد من مكتب الإرشاد، وهنا أسأل: هل يسمح نظام أى حزب لمجموعة من أعضائه غير القيادة العليا بإعداد مشروع حزب ثم تقديمه للجهات المختصة دون رأى القيادة؟
إن أبوالعلا جاء لمقابلة مصطفى مشهور بعد تقديم الأوراق الحزب، وكنت موجودا ــ والكلام ما زال للهضيبى ــ لكنى لم أتكلم بكلمة لأننى مقتنع بقاعدة وهى إن المسئول المختص إذا مارس اختصاصه، لا أتدخل إلا بطلب منه، والذى طلب أبوالعلا يومها لمقابلته هو مصطفى، ولم يطلب منى التدخل خلال الحديث، ووضع له مصطفى حلا مريحا، قال له: لن نطلب منكم سحب الأوراق، ولكن نحن نعرف أن لجنة شئون الأحزاب لن توافق على الحزب فهى لجنة ( منع الأحزاب ) فإذا لم توافق، يكون الأمر قد انتهى عند هذا الحد. لكن بعد أن رفضت «شئون الأحزاب» الأوراق، فوجئنا بالإجراءات تتواصل للطعن أمام القضاء ضد اللجنة، بحسب الهضيبى.
ويواصل الهضيبى: فخرج بعد ذلك ــ يقصد ماضى ــ يقول إن الإخوان ساعدوا الحكومة على رفض الحزب، ونحن هنا لم نكن نحارب أحدا بقدر ما كنا نصحح وضعا، القيادة لم توافق عليه.
الهضيبى نائبا للمرشد
بعد وفاة محمد حامد أبوالنصر المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين وتولى مصطفى مشهور منصب المرشد العام الخامس عام 1996، تم اختيار المستشار المأمون الهضيبى نائبا للمرشد، كما ظل متحدثا رسميا باسم الجماعة، واستمر يشغل هذا الموقع حتى وفاة مشهور فى أواخر نوفمبر عام 2002، أى حوالى سبع سنوات، ولم أحضر من هذه المدة سوى أربعة عشر شهرا فقط، من يوليو عام 2000 إلى مايو عام 2001، ومن أغسطس عام 2002 إلى يناير عام 2003.
التقيت فى بداية أغسطس عام 2000، بعد خروجى من السجن، مصطفى مشهور الذى سألنى عن المجال الذى أود أن أعمل فيه داخل الجماعة، فقلت: التربية، قال: أريدك أن تشرف على قسم المهنيين، وأن يكون للتربية نصيب فى الارتقاء بهم، قلت: لا توجد مشكلة، وقد كان.
وفى أواخر نفس العام جرت انتخابات مجلس الشعب المصرى، وكان عدد مرشحى الإخوان فى حدود 75 أخا فقط، وذلك حرصا على عدم استفزاز السلطة، وقد فاز فى هذه الانتخابت 17 أخا، وحين اجتمع مكتب الإرشاد، تقريبا فى ديسمبر 2000، لاختيار من يشرف عليهم من أعضاء المكتب، اقترح الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أن أكون المشرف، على اعتبار أن النواب يعتمدون فى عملهم على المهنيين الذين أشرف عليهم، كان هناك رأى آخر يقول إن الإشراف يجب أن يكون من نصيب المشرف على القسم السياسى (الهضيبى)، وقد جرت مناقشة جيدة حول هذا الأمر، وتم التوصل إلى أن يشرف على النواب لجنة أطلقنا عليها اللجنة البرلمانية برئاسة المشرف على قسم المهنيين وعضوية إخوة من القسم السياسى والأمانة والنواب.
كان لابد أن نختار من النواب مسئولا عنهم داخل المجلس، حتى ينتظم أمرهم وتتوحد كلمتهم، والمعتاد فى مثل هذه الحالة أن يقوم عضو مكتب الإرشاد والمشرف على النواب بترشيح أحدهم أو بعضهم وعرض المرشحين على مكتب الإرشاد لاختيار واعتماد أكثرهم ملاءمة للقيام بهذا الدور، وقد قمت باختيار وتعيين الدكتور محمد مرسى مسئولا عن النواب دون الرجوع إلى مكتب الإرشاد، وكان ذلك خطأ اعترفت به أمام المكتب لمخالفته للإجراءات الإدارية المتبعة، وقبل المكتب اعتذارى عن هذا الخطأ، وأقر التعيين.
كنت حريصا على أن تكون هناك جلسات منتظمة تجمع النواب مع مصطفى مشهور والمستشار المأمون الهضيبى حتى يكونا على بينة مما يجرى من ناحية، وحتى لا يحرم النواب من نصائحهما وتوجيهاتهما من ناحية أخرى، وكان لذلك أثره الطيب على الطرفين.
وفاة مصطفى مشهور
كنت جالسا مع مصطفى مشهور، بمفردنا، فى دار المركز العام بالروضة قبل رمضان بيوم، وأذكر أنه كان يوم ثلاثاء خلال الأسبوع الأول من نوفمبر عام 2002، أحسست أنه يعانى ضيقا، فسألته عما به، قال بعد تنهيدة طويلة: كنت أريد أن أرى شيئا يبعث على الأمل، قلت: وما ذلك على الله بعزيز، ثم قام يستعد للانصراف قبل زحام المواصلات، حيث كانت الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر.
فى عصر ذلك اليوم تعرض لنزيف فى المخ، كان ذلك فى المسجد القريب من بيته بعد أدائه لصلاة العصر، نقل إلى المستشفى، وظل بها حتى وافته المنية.
صلينا عليه صلاة الجنازة بمسجد رابعة العدوية، وحضر الجنازة خلق كثير، وسار خلف جثمانه إلى مثواه الأخير مئات الألوف من البشر، كان معظمهم من الشباب.
الهضيبى مرشدا
اجتمع أعضاء مكتب الإرشاد فى دار المركز العام، بعد الوفاة وإجراءات العزاء برئاسة أحمد حسانين لاختيار المرشد الجديد، حرص المستشار المأمون الهضيبى نائب المرشد العام على عدم الحضور، حيث كان مرشحا لخلافة مصطفى مشهور.
حاول أحمد حسانين استطلاع رأى أعضاء المكتب فى المستشار المأمون، ولم يجد أحدا معترضا عليه، وللحقيقة فإن الأخوان جمعة أمين ومحمد بشر أبديا فكرة أنه من المستحب أن يستطلع رأى ولو بعض أعضاء مجلس الشورى ترضية لهم، التفت إلى أحمد حسانين ووجه حديثه إلى قائلا: وأنت يا أخ محمد، ماذا ترى؟ قلت: إن فكرة الشورى جيدة، لكن يجب ألا ننسى أنه جرى فى الأيام القليلة الماضية لغط كثيف حول من يخلف مصطفى مشهور، وأنا أخشى أن يطول الأمر أكثر من هذا، فيزداد اللغط وهذا له آثاره على الصف، ثم أردفت قائلا: ماذا لو انتهزت الأجهزة المعنية الفرصة الآن، ودهمت اجتماعنا هذا وألقت القبض علينا جميعا؟ إن شبح المحاكم العسكرية ما زال قائما، ثم قلت بحسم: يجب أن ننتهى من هذا الأمر فورا، نظر أحمد حسانين فى وجوه القوم فلم يجد اعتراضا، فقال: إذن على بركة الله، ومضينا فى بقية الإجراءات، وهى استطلاع رأى مجلس الشورى الدولى، الذى تطلب وقتا بسبب ظروف الإخوان فى الدول الأخرى، وجاء رده بالموافقة، ومن ثم أصبح المستشار المأمون الهضيبى المرشد العام السادس للإخوان المسلمين فى يناير 2003.
كانت وفاة الهضيبى ليلة التاسع من يناير عام 2004 مفاجئة، فلم يكن يشكو مرضا، اللهم إلا الوعكات الصحية العادية التى تصيب آحاد الناس.


