خبر : فيلم ‘نوح’ يطفو على سطح السياسة في مصر بأزمة ‘تجسيد’ الأنبياء

الثلاثاء 11 مارس 2014 08:18 ص / بتوقيت القدس +2GMT
فيلم ‘نوح’ يطفو على سطح السياسة في مصر بأزمة ‘تجسيد’ الأنبياء



القاهرة – من مروة جمال: يطفو فيلم ‘نوح’ على سطح الأحداث السياسية في مصر، ليعيد للأذهان الضجة الكبيرة التي حدثت في التسعينيات من القرن الماضي، حينما قدم المخرج الراحل يوسف شاهين فيلم ‘المهاجر’ عن قصة النبي يوسف، عليه السلام، وكذلك الأزمة التي نشبت قبيل عرض فيلم ‘آلام المسيح’ والسبب في كل الأزمات واحد، هو تجسيد شخصيات الأنبياء على شاشات السينما.
هذه المرة أصبح للأزمة الفنية ضلع جديد ممثل في مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة موقع ‘فيس بوك’ الذي سارع عدد من النشطاء عليه، في تدشين حملات لمقاطعة عرض الفيلم ودور العرض السينمائي التي ستقوم بعرضه، ولا تلتزم بفتوى الأزهر الشريف.
ومن هذه الآراء، ما دونه عادل يونس عن أن دول قطر والإمارات والبحرين منعت عرض الفيلم احتراما لفتوى الأزهر الشريف، ومصر لم تستجب!
وأيدته منى خالد: حرية الفن والإبداع ‘مصانة’ ما لم تقترب من الثوابت الدينية؛ و’المبدع الحق’ لن يعدم إيجاد وسيلة فنية، تصل من خلالها رسالته، دون المساس بالمحرمات واللجوء لها.
أما إسلام عبد العظيم فغرد خارج السرب قائلا: في القرن الحادي والعشرين لا يزال البعض يعتقد أن في قدرته منع الناس من مشاهدة فيلم ما!
الأزمة بدأت حينما أصدر الأزهر، وهيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، بيانًا مشتركًا جددوا فيه رفضهم لعرض أي أعمال تجسد أنبياء الله، ورسلَه، وصحابة رسول الله (صلَى الله عليه وسلم)؛ وشدد البيان على أن هذه الأعمال تتنافى مع مقامات الأنبياء والرسل، وتمس الجانب العقدي وثوابت الشريعة الإسلامية وتستفز مشاعر المؤمنين وتعد حرام شرعا، مطالبا بضرورة منع عرض الفيلم في مصر.
وماهي إلا ساعات قليلة، وأصدرت جبهة الإبداع التي تضم عشرات المؤلفين والمخرجين المصريين، بيانا اعتبرت فيه بيان الأزهر تعديا على اختصاص جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وهو الجهاز الرسمي الوحيد المخول بإجازة عرض الفيلم أو منعه، بحسب البيان.
تابع البيان: فكرة تحريم تصوير وتجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية لا تزال حتى الآن لا تتعدى اجتهاداً من الشيوخ والفقهاء، ولا يوجد نص قرآني واحد أو حديث شريف ينهى عن ذلك بوضوح، وإن وجد نعتقد أن على شيوخنا الأجلاء أن يخرجوه لنا كي يتم تأكيد أن الله قد نهى عن ذلك بوضوح’.
وتابعت الجبهة ‘وإن كان اجتهادا في التأويل، فربما كان على شيوخنا الأجلاء مناقشة هذا الاجتهاد مع المجتمع والمفكرين المعنيين، باعتبار أن باب الاجتهاد مفتوح منذ انقطاع الوحي’.
وأشارت جبهة الإبداع في بيانها لعدم جدوى منع الأفلام لأنها تُشاهد عبر الإنترنت ولا يستطيع أحد أن يمنع مواطنًا من مشاهدتها؛ خاصة أن دور الأزهر الشريف إن رأى في هذا العمل معصية، أن ينهي الجمهور عن رؤيته أو يحذر منها، أو يقول إن من يشاهد الفيلم عاصي للدين الحنيف، مما يُدخل الأمر في نطاق (الدعوة) وليس (المحاكمة)’ بحسب رأيهم.
أما في ما يتعلق بشخصية النبي نوح، فقالت إنه ‘في تلك الحالة خصوصًا، يدور الحديث عن سيرة نبي توراتي معترف به في الإسلام، لكنه كذلك يخص كلاً من الطائفتين المسيحية واليهودية كذلك، وكلاهما لا يحرمان ظهور الأنبياء في الصور والأعمال الفنية’، متسائلة ‘فهل سيطالب الأزهر بعد ذلك مثلاً بمنع بيع الأيقونات الدينية التي تصور المسيح؟ أو منع عرض مسرحيات الكنائس′؟ كما جاء بالبيان ‘أليس واجبا على الأزهر أن يحترم الاختلاف في الرؤيا ما بين الأديان المختلفة، بما نص عليه الدستور من الاعتراف بتلك الديانات الثلاثة، وقبول عرض الفيلم مع النهي عن رؤيته احترامًا لتعددية المجتمع، وأن هذا العمل الذي يرفضونه دينيًا ليس مرفوضًا لدى المليارات من حاملي الديانات الأخرى المعترف بها؟ أليس النهي هنا أفضل من المنع، وحل أكثر احترامًا لثقافة الآخر’؟
أيضا انتقدت الجبهة تصريحا قالت إنه صدر عن أحد شيوخ هيئة كبار العلماء بوجوب حرق دور السنيما التي ستعرض الفيلم، معتبرة الأمر يمثل عودة فكر القرون الوسطى، على حد وصفهم.
واختتمت الجبهة بإبداء استعدادها لعقد مناظرة فكرية في أي وقت مع أي من الشيوخ أصحاب ‘فكر المنع′ وذلك لمجابهة الرأي بالرأي الآخر.
من جانبه أبدى الدكتور فكري حسن إسماعيل وكيل وزارة الأوقاف سابقا وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في تصريحاته للأناضول ترحيبه الكبير بهذه المناظرة الفكرية لإزالة اللبس في الأمور المختلف عليها .
وفند الشيخ الأزهري ما جاء في بيان جبهة الإبداع معلنا تبرئة ساحة الأزهر الشريف من التحريض على حرق بعض دور العرض السينمائي التي ستعرض الفيلم ولن تلتزم بالفتوى؛ لأن الحرق والتخريب أعمال لا تتفق مع أخلاقيات الإسلام الذى يمنح كل شخص حرية التصرف، لكنه استطرد قائلا ‘في ذات الوقت لابد أن يدرك أنه سيحاسب على هذا التصرف.’
ومضى قائلا ‘في ما يتعلق بدعوة بيان جبهة الإبداع لنا بعدم الحكر على أصحاب الديانات السماوية التي لا تحرم تجسيد الأنبياء، فهذا مردود عليه بأن التوراة، على سبيل المثال، لم تهتم بذكر تفاصيل السيرة النبوية إلا لأنبياء بني إسرائيل وليس من بينهم سيدنا نوح؛ على عكس القرآن الكريم الذى تناول سيرته العطرة بالتفصيل’.
وأضاف ‘ومع ذلك، إذا كان في النصرانية أو اليهودية دليل يحل تجسيد الأنبياء على شاشة السينما، فلهم دليلهم ولن نتصدى له، أما فتوى الأزهر فهي تلزم المسلمين فقط.’
ولفت إسماعيل إلى أن النبي الكريم نوح هو صاحب أطول أمد من الأنبياء، ومع ذلك لا يوجد أثر مادي له الآن من الممكن الاستعانة به في تصوير فيلم كهذا، على عكس رسل وأنبياء آخرين لا يزال من عهودهم آثار مادية يزورها الناس؛ لذلك أفتى الأزهر مع بعض المؤسسات الدينية في مصر بعدم عرض الفيلم الأمريكي لأنه لا يستند إلى أثر ولا إلى تفاصيل رواية القرآن الكريم والكتب السماوية للنبي، ما يعني أن الفيلم قد يحوي مشاهد أو ألفاظا تخل بمكانة أحد أولي العزم من الرسل، حسب قوله.
الجدير بالذكر أن ‘الأناضول’ حاولت التواصل مع أحمد عواض رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، لكنه امتنع عن الرد.
و’نوح’ فيلم تاريخي تم إنتاجه في الولايات المتحدة الأمريكية بتكلفة 130 مليون دولار، ويروي ملحمة دينية عن قصة سفينة نوح والطوفان الذي اجتاح الأرض آنذاك؛ والفيلم من بطولة راسل كرو وإيما واتسون ومن إخراج دارين أرنوفسكي.
وقبل موعد عرض الفيلم بأيام طلب راسل كرو، بطل الفيلم، من البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، مشاهدة فيلمه الجديد عبر صفحته الرسمية بموقع ‘تويتر’ مؤكدا أن للفيلم رسالة قوية ورائعة ورنانة، حسب وصفه.
وطالب كرو، الحاصل على جائزة أوسكار، متابعيه على توتير الذين يبلغ عددهم 1.37 مليون مستخدم، مساعدته في جعل البابا يشاهد الفيلم، وذلك عن طريق إعادة نشر الرسالة على صفحاتهم. (الأناضول)