خبر : الحكومات الفلسطينية ....بقلم: عاطف أبو سيف

الإثنين 23 سبتمبر 2013 09:41 ص / بتوقيت القدس +2GMT



ادت الحكومة الفلسطينية السادسة عشرة اليمين أمام الرئيس قبل أيام ليحسم بذلك الخلاف حول مستقبل الاستقالة المفاجئة التي تقدم بها رئيس الوزراء الجديد رامي الحمدلله في شهر حزيران الماضي بعد أيام من تكليفه بتشكيل الحكومة الخامسة عشرة على إثر خلاف مع نائبيه كما شاع وقتها. وكان ذلك أسرع قرار استقالة في الحكومات الفلسطينية منذ تشكيل الحكومة الاولى برئاسة الراحل ياسر عرفات في شهر مايو عام 1994. إلا ان الامور عادت تدريجياً إلى نصابها وتم تنقية مجرى النهر من الشوائب، حيث صير إلى تكليف الحمدلله مرة ثانية بتكليف حكومة جديدة لم تكن جديدة بالمطلق ولا بأي شكل إلا ربما أن أقسمت اليمين مرة اخرى امام الرئيس.

لم يجذب المشهد انتباه أحد ولم يلق اهتماماً من المواطنين، بل إن استطلاعاُ لو أجرى بين المواطنين فإن جلهم سيجيب بأنه لم يسمع بأن ثمة حكومة جديدة. ليس لأن الحكومة كفكرة ليست مهمة في حياة الناس، وليس لأن المواطنين لا يهتمون بشؤون حياتهم. فالحكومة هي جوهر العمل السياسي وهي الترجمة الفعلية للممارسة اليومية وفق كل تعريفات السياسة، كما أن الحكومة هي الترجمة الفعلية لغربة المواطنين بتنظيم حياتهم طواعية_ وإن استخدمت الحكومة وسائل الإكراه لفرض القانون أو جباية الضرائب لكنه إكراه هي مفوضة به من مجتمع المواطنين الذي وافق على تشكيلها. صحيح أن هذا التوصيف يدخل في جودة الحكم وصلاحه، لكنه وإن انتقص من جودته يبقي يشير بعمق إلى جوهر فكرة الحكومات.
كما أن الامر ليس بعيداً عن هذا الحال إذ أن الحكومة المقالة في غزة تجري بين فينة وأخرى إضافات على مجلس الوزراء أو تقوم بعملية استبدال لبعض الوزراء دون أن يصار إلى إعلان تشكل وزراي جديد لترابط الأمر بدستورية التشكيل وعدم وجود جهة تكلف رئيس الوزراء بسبب الفصل السياسي بين مؤسسات غزة ومؤسسات السلطة الوطنية في رام الله وتحديداً الرئاسة صاحبة التفويض بالتكليف. وعليه تقوم الحكومة المقالة في غزة بعمليات داخلية بالطبع تكون مرتبطة بتوازنات القوة والمصالح في الكثير منها دون ان يكون ثمة حاجة فعلية لمثل هذا التغير.
وهذا يقود إلى الغاية الأساسية من وراء هذا النقاش حيث أن تغير الحكومة عادة يرتبط إما بتبدلات في داخل البرلمان الذي يقوم بترجيح كفة كتلة برلمانية على أخرى، او انتخابات عامة دورية أو مبكرة، او الحاجة لتغير في السياسات والتوجهات بالتالي يصار إلى تكليف حكومة جديدة تكون اكثر مقدرة على الاستجابة للتحديات الجديدة. بالطبع فإن أياً من هذه الحالات لم تتوفر سواء في التغير الوزراء الجديد في الحكومة في رام الله أو في التغيرات التي تجريها الحكومة المقالة في غزة. ويمكن للمتابع أن يصاب بالصدمة وهو يرى النقاش المحموم في أروقة الحكم حول تغيرات الحكومات، كما أن مواطناً يهبط علينا من كوكب غريب سيصاب بالدهشة من غرابة تصرفنا وسلوكنا السياسي هذا. بالطبع الإنقسام ليس بريئاً من الكثير من التغيرات الوزارية فدمه ملطخة في كل جريمة تحدث في حياتنا، وعليه يمكن لنا ان نستخدمه شماعة نعلق عليها فشلنا، لا بأس.
لعبة الأرقام تبدو مسلية ودهشة في نفس الوقت، وإن تمريناً ذهنياً بسيطا يمكن أن نجريه يساعدنا في فهم الكثير عن طبيعة النظام السياسي وتموضعاته وتفاعلاته. حكومة الدكتور الحمدلله هي الحكومة السادسة عشرة وفق التصنيف الحكومي الرسمي. بمعني أن هناك 16 حكومة تم تشكيلها خلال التسع عشرة سنة الماضية من عمر السلطة الوطنية. وإذا ما تم إضافة متوسط ثلاث تغيرات حكومية أجرتها الحكومة المقالة في غزة خلال السنوات السبعة الماضية فإننا نتحدث عن تسع عشرة حكومة في تسع عشرة شنة. بمعدل حكومة كل عام. بالطبع مع ضرورة عدم نسيان أننا منذ بداية الإنقسام ونحن نعيش تحت حكم حكومتين واجهزة امنية منا كل نوع اثنين مثل موجودات سفينة نوح!!
بذلك نحن، وها نحن نسجل رقماً قياسياً جديداً يمكن لنا أن نسعى لاضافته في موسوعة جينس، في الشعب الاكثر تبديلاً لحكوماته. اشتهرت قلبنا إيطاليا في ذلك حيث درج ت الفكرة السائدة في السياسية إلى الإشارة إلى ما يعرف بـ "أيطلة" السياسة، بمعني أن يتم تبديلها من وقت لآخر. حيث عرفت إيطاليا تبديلات كثيرة على حكوماتها في أوقات متقاربة حيث أن بعض الحكومات لم تجتاز الأشهر الستة خاصة في الفترة بعد الحرب العالمية الثانية بسبب طبيعة النظام الحزبي الإيطالي وتفتت البرلمان بين أحزب صغيرة. الامر شبيه وبدرجة أقل في إسرائيل أيضاً بسبب التركيبة الحزبية والنظام الإنتخابي هناك. امام نحن فبعيدون كل البعد عن هذه الحقائق حيث من المفترض ان نظامنا الحزبي اكثر استقراراً بسبب توزعه في أسوأ حالته بين تنظيمين كبيرين أو استقراره لصالح تنظيم كما هو الحال الآن في حالة غزة منفردة والضفة الغربية منفردة.
بالعودة إلى تعداد الحكومات الفلسطينية فإنه وبتوزيع الحكومات على تعداد السكان وفق الإحصاء الأخير عن مركز الإحصاء المركزي في تموز 2013 الذي بلغ 4.4 مليوناً للضفة الغربية وقطاع غزة فإننا نجد أن نصيب كل 230 ألف مواطن سيكون من نصيبهم حكومة واحدة. وإذا ما احتسبنا هذا على متوسط تعداد السكان خلال التسعة عشر عاماً الماضية من عمر الحكومات وهو وفق الاحصائيات (3.6 مليوناً) فإننا نجد ان نصيب كل 198 ألفاً حكومة واحدة. والبيانات ستكون أكثر إدهاشاً حيث نعرف أنه خلال تلك الحكومات شغل أكثر من 162 شخصاً موقع وزير في حكومة او اكثر. وبإجراء ذات التمرين الذهين فإنه وفق التعداد السكاني الحالي فإن نصيب كل 27 الف مواطن وزير واحد وبالاحتساب وفق متوسط التعداد للسنوات التسعة عشرة الماضية فإن نصيب كل 15 ألف مواطن وزير. بالطبع بعض الوزراء من البررة المبشرين بالجنة لا يغيبون إلا قليلاً عن مقاعد مجلس الوزراء وبعضهم ينحي جانياً ويعود مرة اخرى وبعضهم يمر مرو الكرام. وهذه حال السياسية إلا في حالات الديمقراطية والحكم الصالح.
القصة ليست قصة أرقام ولا بيانات ولكن ثمة أشياء تحتاج إلى اكثر من وقفة.