الجامعة العربية في حاجة إلى ثورة في داخلها تنفض عنها كل غبار الجمود وثوب القطرية الذي أثقل كاهلها وحولها إلى مجرد بيت عربي صغير يلتقي فيه ممثلو الدول العربية .وقد تكون متانة المكان والمقر أقوى بكثير من متانة شاغريه . وحتى تتحقق هذه الثورة لا بد أن تنجح الثورات العربية ، وخصوصا الثورة في مصر . وعليه فإن نجاح الثورة في مصر نجاح لثورة الجامعة العربية . والعلاقة بين مصر والجامعة العربية ليست علاقة مكان ومقر فقط ،وليست علاقة أمين عام للجامعة من مصر ، بل هي هي علاقة دور ومكانة وتأثير . ولا شك إن تراجع الدور المصري عن دائرته العروبية ينعكس سلبا على دور الجامعة العربية ومشاريعها التكاملية والاندماجية وصولا بها إلى درجة الوحدة العربية على غرار التجربة الأوربية. ولعل من أهم عوامل ضعف الجامعة العربية سيطرة أنظمة حكم عربية فردانية غير إصلاحية منشغلة بحكمها على حساب أي عمل عربى مشترك حقيقي ، والسبب الثاني في ضعف الجامعة العربية أيضا غياب الدور الشعبي العربي في تفعيل دورها وتحويلها فعلا إلى جامعة شعوب موحده ، وليست جامعة يلتقى فيها الحكام العرب في مناسبات محدده كل منهم يلقى موعظته السياسية التي فيها من الاستخفاف بالعمل العربي أكثر ما فيها من دعم وافتخار بها . واليوم الوضع مختلف ، فلم يعد لهذه النظم أي دور ، ولم تعد الشعوب مغيبة عن دورها . والجامعة العربية وبحكم موقعها في قلب التحرير ميدان الثورة المصرية ، لا بد وأن تكون هي أول من هبت عبر نوافذها المغلقة رياح هذه الثورة والتغيير. ولعل من أبرز التحولات الإيجابية والتصريحات السياسية القوية التي صدرت على لسان كل رموز هذه الثورة في مصر وعلى رأسهم السيد المشير الطنطاوي ورئيس الوزراء الدكتور عصام شرف ، ووزير خارجيته نبيل العربى الذي أعاد كثيرا من الثقة التي كانت مفقودة بدور مصر العربي ، وكلها تؤكد على البعد أو الدائرة العربية ألأولى فى السياسة المصرية ، ولم تتوقف هذه التوجهات والتصريحات على المستوى الرسمي بل جاء تأكيدها على لسان كل القوى ، بمن فيهم قادة الثورة من الشباب . هذه هي الخطوة ألأولى في تفعيل دور الجامعة العربية . وهنا لا بد من التأكيد على العلاقة بين مصر والجامعة العربية ، الاثنان في حاجة كل منهما ـ مصر العربية يحتاجها العرب جميعا ، وتحتاجها جامعة الدول العربية ، ومصر بحكم مركزية دورها في قلب النظام الإقليمي العربي ، ومحورية هذا الدور ، فأى قوة لهذا الدور سيترجم في تفعيل دور الجامعة العربية ، وجامعة عربية قوية بأعضائها ، وأمينها العام ، وجميع العاملين فيها أيضا من مصلحة مصر وكل دول عربية تؤكد على المكون العربي الأساسي في سياستها الخارجية والداخلية . وكما نتحدث عن أهمية التحولات في الدول العربية ، وفى مصر الثورة واستعادة الدور العربي والالتزام القومي بكل القضايا العربية كما في قضية فلسطين ، وأمن دول الخليج العربي ،وهو الذي أكد عليه وزير الخارجية المصري نبيل العربي ردا على أي تهديدات لأمن دول الخليج . هذا النجاح للثورة المصرية العرب في حاجة له ، ومصر أيضا في حاجة العرب لها . ومن هذا المنظور قد يكون من الأهمية بمكان أن يكون في هذه المرحلة المصيرية في تطور الجامعة العربية أمين عام الجامعة العربية من مصر ، وشخصية لها عمقها القومي العربي في فكرها والتزامها وانتمائها ومواقفها , وتجسد شخصية الدكتور مصطفى الفقى نموذجا جديدا لأمين الجامعة العربية الجديد ، وليس في هذا الاختيار إقلالا لأى مرشح آخر تقدمه الدول العربية ، وقد يتساءل البعض هل دور ألأمين العام للجامعة هو احتكار لمصر فقط ، وكما تقول نريد جامعة عربية قويه فلماذا لا يكون هذه الأمين بالتناوب وبالدورية ، حتى يشعر الجميع بمسؤولية المنصب ، وحتى يشارك الجميع في بناء الجامعة العربية الجديدة ؟ وهذا كلام لا أحد يستطيع أن يرفض منطقيته وسلامة حججه . ولكن في هذه المرحلة المصلحة العربية المشتركة تستوجب أن يكون ألأمين العام للجامعة العربية من مصر للتأكيد على دورها العربي الذي لن يستقيم أي دور للجامعة بدونه.فالنظام الإقليمي العربي في حاجة إلى مصر العروبية في دورها وتوجهاتها السياسية الخارجية ، ومصر أيضا في حاجة إلى جامعة عربية قوية تقويها وتدعمها في إعادة بناء نهضتها الشاملة . وتقوية الجامعة العربية لن يقف عند حدود التغير في سياسات الدول العربية ، بل يمكن أن يتجسد في إعادة هيكلتها وحقنها بقيادات سياسية عربية شابه وناضجة مؤمنه بالتغيير ، وبالقضية العربية انتماءا وولااءا ، وهذا قد يكون أحد أسباب ترهل الجامعة العربية وضعفها أنها كانت مكانا تلجأ إليه الدول العربية للتخلص من رموز سياسية معارضه أو مكافأة لها. . وفى ضوء ذلك يمكن إن يعاد توزيع المناصب العليا لتغطى وتستجيب لهذه التحولات العربية ، وأن يحال إلى المعاش كل من تجاوز عمره هذه المرحلة . وهذا التغيير مطلوب إذا أردنا جامعة عربية قادرة على التكيف وتجسيد مشاعر الوحدة العربية ، وإعادة إحيائها من خلال مشاريع تكاملية واقعية ، وقابلة للتطبيق. وأعود للدكتور مصطفى الفقى كأمين للجامعة العربية ، فأنا لا أعرفه شخصيا ـ بل أعرفه من خلال كتابته التي ينشرها في صحيفة الخليج وغيرها من الصحف العربية ، ومن خلال قراءتي لبعض من كتبه ، والاستماع إليه عبر أكثر من لقاء في القنوات الفضائية ، لأستشف المكون العربي والقومي في توجهاته ورؤيته ، وأن هذا الفكر جدير أن يجعل الجامعة العربية أكثر فعالية ،وأكثر تكاملا ، وخصوصا إذا أحاط نفسه بمسؤوليين من كافة الدول العربية يؤمنون بنفس الفكرة والقضية . إن تعيين أمين عام جديد من مصر تقتضيها المصلحة العربية الجديدة ، ولا تعنى احتكارا للمنصب ، بل للحاجة لعودة الروح العربية للجامعة في هذه المرحلة . وبعدها ، وبعد أن تقطع الجامعة العربية خطوة نحو التكامل والاندماج العربي الحقيقي ، لحظتها يمكن تصور تناوب المنصب من دولة إلى أخرى ، لأننا عندها نكون قد وصلنا بالجامعة العربية إلى ما نريد.ولتستفتى الشعوب حولها مستقبلها في جامعتها.