هل تريد إسرائيل احتلال أو إعادة السيطرة على قطاع غزة ؟ أم تريد إسقاط حكم حركة حماس بالقطاع ؟ والتساؤلات كثيرة حول السياسة الإسرائيلية والأهداف التي تبحث عنها في هذا الجزء من الوطن .تهدئة يحملها رئيس المخابرات المصرية السابق عمرو سليمان منذ 4 سنوات ويطير بها إلى تل أبيب فتقبلها إسرائيل ثم يعقبها عدوان شرس على القطاع ثم تهدئة ثم تصعيد فتهدئة وهكذا .. دواليك في لعبة يحتار المراقب أمامها .يمكن النفي بثقة رداً على الأسئلة المطروحة، فليس هناك شك في أن إسرائيل ليست لديها رغبة بإعادة السيطرة على القطاع لما مثله على مدى تاريخه من صداع مزمن لها، وما سيمثله من أزمات يبشر بها مستقبله فقد كانت مراكز الدراسات الإسرائيلية أكثر قدرة على استشراف غزة ووضع توصيات أمام صانع القرار فيها كان الأكثر إعلاناً عن ذلك مؤتمر ميزان المناعة والأمن القومي الذي انعقد في هرتسيليا شباط 2009 بعيد نهاية العدوان على غزة، حيث كانت التوصيات تنصح بسرعة الانفصال نهائيا عن القطاع الذي يخفي قنبلة ديمغرافية يمثل انفجارها مساساً بالأمن القومي الإسرائيلي وربما أن ذلك كان معروفا بأكثر من عقدين .وغزة المنبوذة عقائدياً منذ أن تمكنت دليلة الغزية من هزيمة شمشون فيها وغزة التي حلم واضع خطة أركان احتلالها حين أشرف كقائد لأركان جيش إسرائيل على السيطرة عليها، إسحق رابين حلم ذات مرة أن يصحو فيكتشف أن البحر ابتلعها، وغزة التي فكك الأب الروحي للمشروع الاستيطاني اليهودي منذ أن عمل وزيرا للزراعة عام 77 أرئيل شارون بيده مستوطناتها ليهرب من قنبلتها الديمغرافية والتي تتكتك .وغزة التي احتضنت فدائيي مصطفى حافظ وانبعثت منها المقاومة الفلسطينية ومنها أيضاً قيادة حركة فتح، وجيش التحرير، وحركة حماس والجهاد الإسلامي والانتفاضة الأولى والصواريخ .... فقد شكلت دفيئة المشروع الوطني والأزمة الدائمة للمشروع اليهودي وكان لا بد لإسرائيل أن تضع لها حدا وتعتقد أن ذلك لا يمكن إلا من خلال الفصل ولتذهب غزة جنوبا .ما حدث خلال الأسابيع الثلاثة الماضية ربما كشف بشكل أكثر وضوحا عما كانت تنفذ إسرائيل سابقاً دون إعلان، حين أظهرت غضبها على مبادرة زيارة الرئيس عباس لغزة عندما خيرته ما بين المصالحة مع "حماس" والتسوية مع إسرائيل، فزيارة الرئيس وتشكيل حكومة وحدة يعني إعادة غزة للحضن الفلسطيني ورفض الاستفراد بها وضرب مشروع إسرائيل بفصل غزة .كان رئيس الوزراء الإسرائيلي أفصح قبل ثلاثة أشهر عن نية إسرائيل فصل البنية التحتية مع قطاع غزة ولم تفضح الفكرة بشكلها السافر إلا عندما أعلنت إسرائيل عن مشروعها لإقامة جزيرة في البحر على بعد أربعة كيلو مترات ونصف من شاطئ غزة تشمل هذه الجزيرة مطارا وميناءً بحرياً، وهكذا تصبح غزة دولة مستقلة.هل يمكن تنفيذ ذلك في ظل حكومة وحدة لكل الوطن الفلسطيني، بالتأكيد لا ومن أجل تنفيذ ذلك .. من الضروري أن يبدأ الانفصال أولا بين الفلسطينيين، وأن تكون هناك حكومة في غزة مختلفة مع الضفة الغربية وأن يكون بها نظام سياسي متعارض مع النظام السياسي القائم هناك، لهذا يمكن تفسير الرد الإسرائيلي على استعداد أبو مازن لزيارة غزة سواء الرد الدبلوماسي أو التصعيد العسكري والذي يمكن فقط اتهام إسرائيل بالمبادرة به، فقد بدأت شرارة التصعيد حين أقدمت على قتل اثنين من عناصر "حماس" بينما كان الوضع هادئاً يوم السادس عشر من آذار الماضي بجانب ما كان سابقا مستوطنة نتساريم، في الوقت الذي بدأ الحديث عن زيارة أبو مازن، وقبل أسبوع قامت باغتيال ثلاثة من عناصر القسام على مفترق المطاحن بعد إعلان التهدئة، ولهذا فإن إقدام إسرائيل على تغيير النظام السياسي القائم بغزة أيضاً مجازفة ربما تنتهي بوأد مشروع فصل غزة إذا ما تشكل نظام فلسطيني موحد أظهرت إسرائيل معارضة شرسة لمبادرة كانت ستؤذي لذلك. في نهاية عام 2008 حين كان العدوان الكبير على قطاع غزة كان شعار إسرائيل الوحيد الذي رفعته هو "تغيير الواقع الأمني في الجنوب" ولم يكن هناك أية شعارات أخرى فهم منها رغبة إسرائيل لتغيير الواقع السياسي .ولكن لماذا كل هذا التصعيد والقصف بين فترة وأخرى إذا كانت الأمور على ما يرام بالنسبة لإسرائيل ؟ الإجابة فقط تكمن بأن الصداع المنبعث من غزة لم يتوقف، فالمقاومة بعد عام من العدوان الذي أريد له أن يحدث تغييرا بالمفاهيم لدى الفلسطينيين وأن الصدمة التي أحدثتها القوة الصاعقة التي استخدمتها إسرائيل كان يجب أن تحدث ما أطلق عليه وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز عملية " كي الوعي" لدى الفلسطينيين .فالمقاومة تستعيد قدرتها على التحدي في معركة الإرادة القائمة، ولكن المطلوب هو كسر هذه الإرادة لتفصل إسرائيل غزة بقناعات جديدة ومختلفة تجعل حسابات العقل والخوف من رد فعل إسرائيل كابحاً دائماً لدى من يفكر بضربها ولو بحجر كما حالة بعض الأنظمة العربية وليس مهماً من يحكم فيها، فلتمانع بالخطابات كما تزيد ولكن الحدود هادئة لعقود .لهذا يعود التصعيد الإسرائيلي مرة أخرى مع عودة ثقة قوى المقاومة بنفسها وعدم رفع رايتها البيضاء وهي تعود بقدر من التحدي، التصعيد يقابل بتصعيد والتهدئة تقابلها تهدئة، وهذه معادلة لا تقبلها إسرائيل لهذا قد تشهد تصعيداً إسرائيليا أكبر في المرحلة القادمة، وهذا يتوقف على الدرجة التي وصلت إليها مرحلة " كي وعي" قطاع غزة والاستعداد العالي لتقديم ورقة التهدئة ومستوى الضمانات التي تصل حد أن تتعلم المقاومة درس حسابات العقل، فإذا توصلت لذلك قد يتوقف التصعيد الإسرائيلي، أما إذا تطلب ذلك عدواناً كبيراً فلن تتورع إسرائيل عن القيام به لتطويع النظام السياسي بالقطاع أمام هذا الوضع الذي لا يحقق أمنا بالنسبة للفلسطينيين ولا يحقق سياسة لن يكون أمامهم سوى خيارين، إما إعادة صياغة النظام السياسي الذي يحدد برنامج المقاومة والممانعة والتسوية بالإجماع مستغلاً طاقات الجميع، أما أن تستمر شكوى الفلسطينيين من التفرد السياسي ومرة بالتفرد العسكري فهذا يعني أن الخيار الإسرائيلي الثاني سيتجسد بفصل غزة وبمساعدة الفلسطينيين أنفسهم . Atallah.akram@hotmail.com