الفلسطينيون هم أكثر الشعوب العربية حاجة للتأصيل الديموقراطى لكل المنظومة السياسية الفلسطينية بكل مؤسساتها وسلطاتها وعلى رأسها منظمة التحرير ، ويقف وراء هذه الحاجة الديموقراطية أكثر من عامل : أولا الإحتلال الإسرائيلى ، فالديموقراطية أحد أهم الوسائل تأثيرا لإنهاء الإحتلال ، فلا يدحض الديموقراطية الإسرائيلية إلا الديموقراطية الحقيقية . وثانيا أن التحولات العربية تفرض أن يكون للفلسطينيين نظاما ديموقراطيا قادرا على التعامل مع الثورة الديموقراطية في العالم العربى والعالم . وثالثا أنه بدون الديموقراطية ستتجذر حالة الإنقسام وبالتالي ضياع القضية الفلسطينية وذوبانها في أتون الإنقسام. وبدلا من أن يسير الفلسطينيون نحو مزيد من الخطوات الديموقراطية التى إبتدأوها بإنتخابات يناير 2006 ، ويؤصلون ويؤسسون لنظام ديموقراطى يضمن لهم إدارة شؤونهم بطريقة سلمية ويتيح للجميع أن يساهم فى صناعة القرار السياسى ، ويشكل أداة وقناة تواصل بين الفلسطينيين فى الداخل والخارج ، ويوظف كل عناصر القوة المتاحة والممكنه مما يسمح ببناء نسيج سياسى واجتماعى فلسطينى قوى ، ويوفر قاعده إقتصادية تضمن ولو بدرجة بسيطة درجة من الاستقلالية والاعتماد على الذات ، بدلا من كل ذلك دخل الفلسطينيون مرحلة من الصراع والصدام على السلطة ، فلا حماس كانت قادرة على التكيف مع التغير السياسيى الكبير بفوزها ، ولا فتح كانت قادرة أيضا على التكيف مع هذا التغير ، ولا النظام السياسي الفلسطينى بمؤسساته كان قادرا على توفير نظاما سياسياقادرا على إستيعاب التحولات فى بنية السلطة الفلسطينية .وكانت النتيجة الحتمية الصدام والصراع الذي أوصل الجميع إلى خيار الإنقسام السياسيى ،ومن ثم فشل التجربة الديموقراطية ألأولى الحقيقية ، والتي لو نجحت لوفر النظام السياسي نظاما سياسيا يحتذى به ، ويكون قدوة لكل النظم السياسية العربية التي تقدم نموذجا في القدرة على التعايش والتكيف السياسي ما بين القوى السياسية الدينية ، والقوى السياسية ذات النزعة العلمانية الوطنية . وبدلا من ذلك تأصلت الحالة الإنقسامية ، وتحولت إلى إنقسام بنيوى ، وترتب علية أولا غياب الشرعية السياسية ، وإحلالها بقوة شرعية القوة والبناء على الأجهزة ألأمنية والقمعية . وكان لغياب هذه الشرعية السياسية والفراغ الدستورى ،أن إنعكس ذلك على ضعف وتراجع الخيارات الفلسطينية في المقاومة والمفاوضات . وألأنكى من ذلك أن حالة الإنقسام والتي ساهمت فيها العديد من العوامل الداخلية والخارجية ما زالت تربط بين إستمرار هذا الإنقسام وإنتظار ما يمكن أن تؤول إليه الثورات في الدول العربية وخصوصا مصر . وكأننا بذلك نعود بالقضية الفلسطينية إلى بداية الثلاثينات من القرن الماضى وتحديدا مع ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 وبداية التدخل العربى . ولعل اول خسائر وضحايا ألأنقسام السياسى الفلسطينى الفشل فى أختبار الممارسة الديموقراطية ، وقدرة الفلسطينيين على بناء نظام ديموقراطى يؤكدون من خلاله نضجهم السياسى وقدرتهم على ممارسة حقوقهم السياسية وأنتزاعهم أعتراف العالم كله بهذه القدرة ، ولعل ما لم يدركه الفلسطينيون أن أجهاض وأفشال ديموقراطيتهم التى أكدوها فى أنتخابات يناير 2006 والتى فازت فيها حركة حماس لكنهم فشلوا فى ممارستها ومن ثم بناء مؤسساتهم الديموقراطية ، أن هذه الديموقراطية لا تقل أهمية عن أى وسيلة فى انهاء ألأحتلال ، ولا تقل عن أى خيار آخر ، بل يمكن القول ان الخيارات ألأخرى سواء المفاوضات وحتى المقاومة لن تتحقق نتائجها وثمارها بدون الخيار الديموقراطى ، ولذلك فإن فشل الخيار الديموقراطى فشل لكل الخيارات الفلسطينية ألأخرى . وهذا الفشل من شأنه أن يعمق حالة ألأنقسام السياسى الفلسطينى ويحولهم الى جماعات صغيرة متنافسه ومتصارعه بعيدا عن كل ممارسة ديموقراطية والبديل لذلك زيادة نفوذ وسيطرة العسكر واللجؤ الى أساليب القمع ومصادرة الحريات والحقوق ، والمفارقة ضد من ؟ ضد المواطن الفلسطينى المطلوب منه أنهاء ألأحتلال ألأسرائيلى .ومن شأن ذلك ايضا التمسك بالحكم والسلطة ولو على حساب التوافق الديموقراطى . ومن المفارقة فى هذه المعادلة اللاعقلانية أن ألفلسطينيين وبوعى او دون وعى يؤكدون مقولة أسرائيل أنها النموذج الديموقراطى الوحيد وسط عالم من التخلف والعنف السياسى ونؤكد مقولتهم أيضا انه لا يمكن بناء سلام حقيقى مع أناس وشعوب غير ديموقراطية ، وهو ما يعطى أسرائيل الغطاء لأستمرار سياسات ألأستيطان والتهويد ، والمفارقة الفلسطينية أن الفلسطينيين بأنقسامهم وأفشالهم ديموقراطيتهم يساهمون أيضا فى أستمرار ألأحتلال . هذا أحد اهم الدروس التى ينبغى أستيعابها من فشل الممارسة الديموقراطية . وفى هذا السياق يمكن تفهم الموقف ألأسرائيلى من الديموقراطية الفلسطينية ، لكن ما لا يمكن للعقل أن يستوعبه أن يقف الفلسطينيون ويعرقلون ألأستمرار فى بناء هذه الديموقراطية التى قد وفرت ومنحت الجميع شرعيتهم التى ما زالوا يحتمون بها جميعا حتى ألأن . وتأكيدا لمصداقية ما نقوله في هذه المقالة المشهد السياسي السائد بعد أكثر من ثلاث سنوات من الإنقسام رفض كل المبادرات من أجل إنهاء الإنقسام والذهاب إلى الإنتخابات لتجديد الشرعية السايسة المفقوده ، وتجديد فعالية المؤسسات القائمة ، والذى نراه ونعاصره لا يخرج عما يحدث في عدد من الدول العربية برفض الحق في التعبير الشعبى لرفض الإنقسام ، وأخيرا الألتفاف حول تأجيل وأحتواء زيارة الرئيس عباس إلى غزه ، على الرغم من إدراك الجميع أن هذه الزيارة حق مشروع ، وتأكيد على وحدانية السلطة والشعب والقضية ، وهى بداية للمصالحة الديموقراطية ، والتي تعنى الإقرار بوجود حركة حماس وفتح وكل القوى الأخرى. وما يحتاجه الفلسطينيون ألأن نظاما ديموقراطيا قادرا على أحتضان كل القوى السياسية الفلسطينية ، والنظام القادر على أحتضان مواطنيه ، وليس تهجيرهم أو تحويلهم الى رعايا ينتمون لتنظيمات وقوى سياسية . ومن خلال هذا النظام الديموقراطى فقط يمكن التوافق حول البرنامج السياسى الوطنى ،أنها مرحلة البناء الديموقراطى وعلى الفلسطينيين ان يدركوا أن أول ألطرق لأنهاء ألأحتلال هو ببناء نظام ديموقراطى فلسطينى .وليكن احد أهم دوائر الصراع مع أسرائيل هى الدائرة الديموقراطية وهى حلقة ليست سهلة وأدواتها ووسائلها عديده ،لكن لكى تنجح هذه الدائرة ينبغى أن ينتصر الفلسطينيون على أنفسهم أولا بانهاء أنقسامهم وتأكيد قدرتهم على الممارسة الديموقراطية ، وهذا اول تحدى علينا جميعا أن نعمل ونجتهد من أجله ، وفى هذا السياق ورغم أننى من المناصرين لأحترام الدستورية ألأنتخابية ، لكننى مع تأجيل زيارة الرئيس عباس لفترة زمنية محدده وقصيرة جدا إذا كان الهدف هو اتفاق على مصالحة حقيقية هي في الواقع موجوده وقائمه وما يحول دونها قرار سياسيى لحسابات إقليمية . ، لكننى لست مع توظيف التأجيل لتعميق حالة ألأنقسام ، وعندها على قوى المجتمع وتنظيماته أن تعمل من أجل تأكيد حقها الديموقراطى . هذه هى المعركة ألأساسية التى على الجميع أن ينتصر من اجلها . ولعل من المدركات التى على الجميع أدراكها وخصوصا حركتى فتح وحماس أن بيئة النظام السياسيى الفلسطينى متغيرة ومتحركه وتتدخل فيها العديد من المكونات الداخلية والخارجية ، وان احد اهم هذه المدركات أولا أن فترة ألأنقسام كافية لتؤكد استحالة فرض سيطرة القوةألأحادية المهيمنة والمسيطرة ، وبالتالى لا حماس ولا فتح يمكن أن تنفردا وحدهما فى الحكم والسلطة ، وثانى هذه المدركات أن بيئة النظام السياسى لا يمكن التحكم فى كل عناصرها كما يريد أى منهما ، وثالث هذه المدركات ان شرعية السياسة الفلسطينية ورغم ان جذورها راسخه لكنها لاشك انها فى حاجة الى مشاركة الجميع فى أعادة صياغتها ، ورابع هذه المدركات ان حق الحكم مكفول للجميع وأن ما نحتاجه هو نظام توافقى سياسيى بعيدا عن ثقافة الهيمنة الحزبية ,واخيرا أن معضلة الحكم لحماس وفتح يمكن أن تحل من خلال الشرعية السياسية التوافقية المتفق عليها جميعا وهذا هو الشرط المسبق للحكم ، فالديموقراطية لا تعنى أقصاء قوة لحساب أخرى بقدر ما تعنى تداولا حقيقيا للسلطة ، وشراكة سياسية من قبل الجميع ، ومؤسسات راسخه وقادره على القيام بوظائفها وأيضا من المدركات الحتمية حتمية التغيير الشعبى مهما طال ، ولعلى هنا أذكر الجميع ان السبب الرئيس لفشل التجربة الديموقراطية الفلسطينية أنها قد فهمت الديموقراطية بطريقة خاطئه ، وأنحرافها عن مسارها وعدم اتاحة الفرصة أمامها لكن بايد فلسطينية فمن فاز يريد ان يوظفها لفرض برنامجه فقط ومن خسر لا يريد أن يفقد سلطته وحكمه ، والسبب ألاخر الهام هو غياب الدور الحقيقى للمجلس التشريعى الفلسطينى الذى بدلا من ان يطبق مقولة النائب ممثل للشعب يريد ما يريده الناس ،الى نائب يمثل حزبه ويريد ما يريده هذا الحزب . فقط ومن خلال النظام الديموقراطى ووسيلته ألأنتخابات يمكن للفلسطينيين أن يجدوا الحل لكل مشاكلهم بما فيها معضلة ألأحتلال المزمنة والقدرة في التعامل مع التحولات الديموقراطية في العالم العربى . . ويبقى السؤال هل يمكن للفلسطينيين أن ينتصروا على أنفسهم ويجروا أنتخاباتهم الرئاسية والتشريعية ويعيدوا ألأعتبار للمواطن الفلسطنيى ويقدموا النموذج الديموقراطى الفلسطينى من جديدفى عصر لا مكان فيه لغير ثورة الشعوب الديموقراطية . أستاذ العلوم السياسية /غزهdrnagish@gmail.com . .