صعدت إسرائيل من صراخها وعوائها ونباحها في وجه غزة فشنت عدة هجمات عسكرية راح ضحيتها عدد من الفلسطينيين أغلبهم أطفال أبرياء ومن عائلة واحدة "الحلو الغزاوية" الأمر الذي دعا إسرائيل أن تبكي بكاء التماسيح وتعتذر عن فعلتها النازية الصهيونية كما صعدت من لهجتها الإعلامية التحريضية على لسان قادتها العسكريين والسياسيين فقالت رئيسة حزب كاديما تسيبي ليفني بأنه يجب التعامل بقوة كبيرة وقسوة مع حماس وسحقها في غزة، ويجب تدميرها قبل تغيير المحيط العربي حولنا بينما هدد نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي "سيلفان شالوم" بتنفيذ عملية عسكرية كبرى في قطاع غزة على غرار "الرصاص المصبوب" و أعرب الوزير المسئول عن حماية الجبهة الداخلية متان فيلنائي عن اعتقاده أن اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وحركة حماس ليس إلا مسألة وقت وذلك لكي نلقّن حماس مجددا درسا يخص قواعد العمل، بينما لم يترك نتنياهو محفلا داخليا أو خارجيا إلا وصب حمم براكينه على غزة وحماس وكان آخرها مع وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس حين قال " نحن مستعدون للرد بقوة كبيرة وبعزم كبير لوضع حد لها (الصواريخ وحماس)"، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تقوم إسرائيل بهذا الفعل من التهديدات والضرب الصاروخي في أماكن محروقة وخالية أو في الضرب المدفعي العشوائي الذي قد ينحرف عن هدفه ويسبب كوارث بشرية؟ هل فقدت إسرائيل عنصر المباغتة والمفاجأة؟ أم هل إسرائيل لا تمتلك من القوة العسكرية التي تحول دون القيام بحملة تفوق رصاصها المصبوب؟ أم هل إسرائيل فقدت الدعم الأمريكي والإقليمي الذي يشكل لها الغطاء الدولي ويبرر حملتها؟ نقول إن إسرائيل لم تفقد أي من التساؤلات السابقة فقدرتها العسكرية تعتبر السابعة على العالم حسب ترتيب البنتاغون والدعم الأمريكي متواصل سياسيا وعسكريا ولن يكون الفيتو الأمريكي التي استخدمته أمريكا في وجه 14 دولة تدين الاستيطان الصهيوني الشهر الماضي الأخير وكذلك الدعم والتنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي مازال حميما ومتعاظما ويتجلى مع كل عملية جديدة للمقاومة (عملية القدس) وعملية ايتمار الاستيطانية والتي أثبتت التحقيقات الإسرائيلية أنها جنائية لمستخدم أسيوي مع رب تلك الأسرة، فإذن إسرائيل ما زالت تتمتع بكل قوتها وحبل الناس الممدود لها، ولكن الذي يحول دون قيام إسرائيل بعدوان ومحرقة جديدة على غزة هو وضعها المأزوم وخاصة سياستها العنصرية الداخلية وغطرستها الخارجية فلقد حذرت صحيفة هآرتس في عددها أمس من ارتفاع مظاهر العنصرية " تقرير العنصرية للعام 2011 الذي نشرته قيادة مكافحة العنصرية. وأحصت القيادة 552 فعلا صنفت كعنصرية يكاد يكون ضعف ما كان في السنة الماضية، حيث سجل 287 حدثا" كما صادقت الكنيست الأسبوع الماضي على مشروعي قرار"قانون النكبة" العنصري، الذي يمنح الدولة صلاحية سحب تمويل حكومي من هيئات ومنظمات وسلطات محلية ترفض " إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية" والقانون الثاني يقضي بتشكيل "لجان القبول" في القرى اليهودية الصغيرة يتاح لها ألا تقبل بإسكان مواطنين عرب وغيرها من القوانين التي تؤزم العلاقة ما بين العرب واليهود والتي ستفضي في نهاية الأمر إلى الصدام المباشر كما إن إسرائيل تعيش نبوذا دوليا اثر محرقة غزة وموقفها من الاستيطان والعملية السلمية وهذا ما تؤكده رئيسة حزب كاديما الإسرائيلي المعارض تسيبي ليفني: بقولها "أن إسرائيل تحوّلت إلى دولة منبوذةٍ في العالم بسبب سياسة حكومة نتنياهو ووزير خارجيته" وتعيش إسرائيل وضعا إقليميا مغايرا لأجواء محرقة غزة السابقة والتي أعلنت حينها الحرب بكل وقاحة من فوق ارض ومنبر عربي دون أن يتحرك أحدا بينما اليوم أصبحت دولة حرة القرار عربية النخوة ترسل برسالات قوية لإسرائيل تحذرها من خطورة وتهور نتائج ما قد يترتب عليه من محرقة جديدة على غزة وهذه اللغة لم تسمعها إسرائيل منذ 30 سنة خلت أي أن الحدود لم تعد آمنة ومحمية كما في السابق، ومن ناحية أخرى مازالت إسرائيل تراقب الحراك الشعبي العربي وخاصة في دول الجوار سوريا والأردن والتي قد تتحول في عشية أو ضحاها إلى حدود مؤرقة لإسرائيل كحدود لبنان وغزة، هذه الأسباب وغيرها تجعل إسرائيل في حيرة من أمرها عند اتخاذ قرار شن العدوان وهذا ما أكده المعلق والمحلل الإسرائيلي "ابرم ابرموفيتش" للتلفزيون الإسرائيلي القناة الثانية الليلة الماضية أن نتنياهو تائه ولا يعرف ماذا يفعل ولا يستطيع فعل أي شيء تجاه حماس وفصائل غزة سوى التأجيل وهذا ما ذهب إليه شأوول كمحى الطبيب النفسي الإسرائيلي بأن نتنياهو يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر، ولا تتطابق تصريحاتها على أفعاله، و لا يعرف كيف يتخذ قراراً بشكل سريع، كما أنه لا يعرف كيف يصدر قرارات حاسمة تحت ضغط" بينما قال باراك" انه لا يمكننا أن نصبح ضحايا لقراراتنا" وقد عبرت هآرتس وبصريح العبارة "على نتنياهو أن يهدئ التصعيد، بدلا من الانجرار إلى حملة جديدة في غزة. حملة ’رصاص مصبوب’ هي الأخرى لم تحقق الردع لزمن طويل فالوضع السياسي لإسرائيل يختلف جوهريا عن الوضع الذي ساد قبل سنتين" ومن جهته قال موشي يعلون وزير الشؤون الإستراتيجية "ليس من مصلحة إسرائيل الانجرار لمواجهة حركة حماس", بينما ادعى طال روسو قائد المنطقة الجنوبية"موضوع الحرب ليس متعلق بنا، هذا الموضوع يحدده الجانب الآخر في قطاع غزة، كل ما نريده نحن هو إعادة الهدوء لسكان الجنوب" أمام هذه التصريحات والمواقف المتضاربة مابين النارية والناعمة تستنتج أن إسرائيل تعيش وضع مأزوم وعليها أن تعترف بأن نجمها في أفول وعليها أن تغير من نهجها إن أرادت لعمرها أن يطول؟