دعوة إسماعيل هنية، لـ "أبو مازن" إلى زيارة غزة من أجل تحقيق المصالحةالوطنية، واستجابة أبو مازن للدعوة عبر إطلاق مبادرة تتضمن استعدادهزيارة غزة، وتشكيل حكومة مستقلين مهمتها إعادة بناء غزة والتحضير لإجراءالانتخابات؛ تطور مهم من شأنه كسر الحاجز النفسي الذي أقيم في ظلالانقسام، وبعد القطيعة التي شهدتها العلاقات في الأشهر الأخيرة.إن الدعوة والمبادرة انعكاس سريع للمتغيرات العميقة التي تشهدها المنطقةالعربية، وأدت حتى الآن إلى انتصار الثورات الشعبية في مصر وتونس، وتمثلأيضاً استجابةً للحراك الشعبي الفلسطيني الذي بدأ في الضفة الغربية وقطاعغزة، وهو مرشحٌ للتصاعد والاستمرار.إن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بحاجة إلى أكثر من زيارة إلى غزة، علىأهمية الزيارة، وإلى أكثر من تشكيل حكومة والتوجه إلى الانتخابات.فدون الاتفاق على إستراتيجية سياسية لمواجهة مهام وتحديات ومخاطر المرحلةالجديدة، وإقامة شراكة حقيقية تستند إلى ما تم الاتفاق عليه سابقًا، سواءفي إعلان القاهرة 2005، أو وثيقة الأسرى وحكومة الوحدة الوطنية، وحواراتالقاهرة، وتسعى لاستكماله بخصوص الأساس السياسي للنظام السياسيالفلسطيني، والبرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية، وكيفية التعامل معالأجهزة الأمنية ومع منظمة التحرير، ومعالجة المستجدات النوعية سواء علىصعيد المفاوضات أو انعكاس الثورات العربية على القضية الفلسطينية.إن المبادرة لزيارة قطاع غزة أو الدعوة إليها مهمة؛ كونها تدل على بدايةحراك، ولكنها ستكون مجرد تسجيل نقاط ومناورة ومناورة مضادة؛ تهدف كل منهاإلى تحميل الطرف الآخر المسؤولية عن استمرار الانقسام، إذا لم يسبقالزيارة تحضير جدي يضمن نجاحها. وفي مضمار تسجيل النقاط والمناورات، دون شك أن حركة فتح "أشطر" من حركةحماس، فهي وقعت على الورقة المصرية، وراهنت على عدم توقيع حماس عليهاوكسبت الرهان، على الرغم من أن توقيع "حماس" كان سيحرج فتح والنظامالمصري السابق؛ لأنهما لن يطبقاها بعد المعارضة الأميركية الصريحة لها.وبعد دعوة هنية لأبو مازن، قدم الأخير مبادرته ضمن شروط من الصعب جداً أنتوافق عليها حماس؛ لأن حكومة المستقلين والانتخابات السريعة وحدهما دوناتفاق على صفقة شاملة، تتضمن المنظمة والسلطة وكل شيء، لا تمكن حماس منالحصول على أي شيء، ما يعرضها لخسارة الأغلبية في المجلس التشريعي،والسيطرة الانفرادية على غزة؟إذا لم يتم الشروع في حوار وطني شامل جدي قبل أو بشكل متزامن يستهدفقراءة المستجدات النوعية التي طرأت على عملية السلام، وعلى المنطقة بعدعودة الروح والثورات العربية، ودون الاتفاق على جملة من المسائل المهمةالتي القفز عنها ستفشل الزيارة إذا تمت أو لن تتم، من المسائل التي يجبالاتفاق عليها قبل أو أثناء الزيارة: الاتفاق على كيفية التعامل معثمانين ألف موظف استنكفوا عن العمل بعد الانقسام واستيلاء حماس علىالسلطة في قطاع غزة، وسيسارعون إلى المطالبة بعودتهم إلى وظائفهم فورتشكيل حكومة الوحدة الوطنية؛ ما يضع هذه الحكومة تحت ضغظ ثقيل يمكن أنيؤدي إلى انهيارها فوراً، خصوصاً إذا كانت حكومة مستقلين وليست حكومةمختلطة تضم ممثلين عن الفصائل والمستقلين.عودة الموظفين المستنكفين ما هي إلا نقطة من نقاط كثيرة يمكن أن تفجرالوضع. على سبيل المثال لا الحصر: عدم الاتفاق على تجسيد المصالحةالوطنية بين أسر القتلى والجرحى والمعاقين والمتضررين من الحرب الداخليةالتي أدت إلى الانقسام، ستزيد من احتمالات الثأر والانتقام، ومسألةالمفصولين من العمل وغير المعينين لأسباب سياسية، والمؤسسات المغلقة،والمعتقلين السياسيين، كلها عناوين لنقاط لا تحتمل التأجيل، ويجب الاتفاقعليها، ويمكن الاتفاق عليها لزيادة فرص النجاح.كيف يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل وجود أجهزة أمنية تابعة لحماسفي غزة، وما يمكن أن تقوم به من ممارسات قمعية ضد "فتح" وأنصارهاومؤسساتها، وفي الضفة الغربية الأمر مماثل؟ فدون الاتفاق على توحيدالأجهزة الأمنية وإعادة تشكيلها وبنائها على أسس وطنية ومهنية بعيداً عنالحزبية؛ سيتكرر مصير حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعد اتفاق مكة،والتي انهارت على خلفية عدم الاتفاق على كيفية إنهاء الملف الأمني.كيف يمكن الاتفاق على الحكومة والانتخابات دون الاتفاق على أسس وضوابطومرجعية المفاوضات؟ وهنا لا يكفي القول: إن المفاوضات قد توقفت، أو أنهناك بنوداً حول المفاوضات في وثيقة الوفاق الوطني، ففعلاً المفاوضاتتوقفت، ولكن نهج المفاوضات والجهود لاستئنافها لم تتوقف. ماذا لو تمالاتفاق على استئناف المفاوضات على أساس بيان يصدر عن اللجنة الرباعية.هل سنكون أمام افتراق أم عودة إلى الصيغة البائسة التي أقِرّت سابقاً،ومفادها أن الرئيس واللجنة التنفيذية تفاوض، وتعرض ما يتم الاتفاق عليهعلى المجلس الوطني بتشكيلته الجديدة أو على استفتاء شعبي، إن المطلوب هوشراكة حقيقية بكل شيء بالغرم والغنم يتحمل المسؤولية فيها جميع الأطرافعن كل شيء.وكذلك دون الاتفاق على المقاومة، ومتى تبدأ ومتى تتوقف، وما هي الأشكالالتي سيتم استخدامها في هذه المرحلة، مع الاحتفاظ طبعاً بحق الشعبالفلسطيني باستخدام جميع أشكال النضال والمقاومة بما فيها الكفاح المسلح.كيف سيتم التعامل مع اتفاق أوسلو والالتزامات المترتبة عليه، في وقتاتسعت فيه المطالبة بإنهاء أوسلو أو وقف العمل بالالتزامات المترتبةعليه؟كيف سيتم التعامل مع شروط اللجنة الرباعية المطروحة على أية حكومةفلسطينية، هل سيتم الوفاء بها أم تجاوزها، خصوصاً في ظل إمكانية تجاوزالمجتمع الدولي لها أو لبعضها على الأقل، بعد الثورات العربية وما تفرضهمن تغييرات على الموقف الدولي.كيف سيتم توفير أمن الرئيس أثناء الزيارة؟ وماذا لو تدفق عشرات الآلاف أومئات الآلاف لاستقباله، واستغل البعض هذه الحشود في اتجاهات قد تؤدي إلىما لا يحمد عقباه؟كيف سيتم وقف الانتهاكات الشاملة للحقوق والحريات في ظل حكومة الوحدة، مادامت السيطرة الفعلية لن تكون حتى الانتخابات وطنية بل فئوية؟كيف سنذهب إلى الانتخابات قبل التوصل إلى وفاق وطني حول الأهدافالأساسية، وأشكال النظام الأساسي، وقواعد العمل السياسي والديمقراطي،وعلى كيفية توفير شبكة أمان للكتل الانتخابية الفائزة حتى لا يتكررسيناريو ما بعد الانتخابات الأخيرة، حيث اعتقلت إسرائيل عشرات النوابوعطلت عمل المجلس التشريعي، والآن إمكانية التدخل الإسرائيلي أكبر بكثيرمن السابق؛ لأن الحكومة الإسرائيلية أكثر تطرفًا من سابقاتها، وفي ظل وقفالمفاوضات، وأن الوحدة الفلسطينية المرتقبة ستقوي الموقف الفلسطينيالمتجه لمجابهة إسرائيل، خصوصاً بعد الثورات العربية، وليس إلى الاتفاقمعها جراء التعنت والتطرف الإسرائيليين.ماذا لو منعت إسرائيل إجراء الانتخابات التي من شأنها تقوية عدوهاالفلسطيني؟لا يمكن دون الإجابة عن هذه الأسئلة إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، حتىلو تمت زيارة الرئيس إلى غزة، وتشكيل حكومة مستقلين، وذهبنا إلىالانتخابات الأمر المستبعد جدًا إذا لم يتم الاتفاق على القضاياالمذكورة، أو معظمها على الأقل.تأسيساً على ما سبق، لا مفر من الشروع في حوار وطني شامل في القاهرة؛نظراً لأهمية مصر التي تسير نحو استعادة مكانتها بعد ثورتها المجيدة،حوار يشارك فيه جميع القوى والفعاليات الوطنية، بصورة أوسع من الحواراتالسابقة، بحيث تتوفر الإمكانية لمشاركة أكبر لممثلي الشتات والشبابوالمرأة والمستقلين.وفي ظل الخشية من كون الحوار القادم ماراثونياً لا يُفضي إلى نتيجة، يتمالاتفاق سلفًا على أنه حوار لن يمتد سوى أسبوع أو أسبوعين.وإذا توفرت الإرادة فسيتم الاتفاق خلال هذه الفترة، وإذا لم تتوفر فلنتتم زيارة غزة، وإذا تمت لن تنجح، وإذا فشلت ستطوى صفحة الوحدة إلى إشعارآخر.لكن يبقى الأمل موجوداً في الشعب الفلسطيني، الذي لن يرضى باستمرارالانقسام، وفي حركة الشباب التي تحركت وإن ببطء، ويمكن أن تتواصل وتكبروتتعاظم حتى تستطيع فرض إرادة الشعب على الجميع