لكل ثورة أعدائها في الداخل والخارج ، وهذا ما أصطلح على تسميته بالثورة المضادة او الثورة العكسية التي تحاول إحتواء الثورة القائمة ، ودفعها في غير مسارها الطبيعى ، وذلك من خلال خلق حالة من الفوضى والتوتر والإستنزاف لقوة الثورة ، إما بإطالة أمد هذه الثورة ، أو بخلق حالة من الخوف وألأعمال العنفية التي ترعب قلوب الناس حتى تشعرهم بخطورة ما قد تؤول إليه الثورة من أحداث . وبقراءة قريبة من الثورات العربية التي تشهدها المنطقة وخصوصا في مصر وتونس وليبيا يمكن لنا إن نتعرف على القوى التي تقف وراء إفشال هذه الثورات . وبداية لماذا أعداء الثورة ؟ والإجابة على السؤال ببساطة شديده لأن الثورة في أوسع معانيها تعنى التغيير الشامل لكل ما هو قائم ، والتغيير المقصود هو التغيير الذي يرتبط بأمرين هامين بالنسبة لأى نظام قديم : ألأمر الأول تغيير في موازين القوة الداخلية ، بمعنى تحول في مصادر القوة من فئة أو مجموعة معينة وهى قليلة العدد بطبيعتها إلى مصدر آخر هو الشعب وقد يكون أيضا فئة أو مجموعة قليلة وهذا يتوقف على نتائج الثورة ونجاحها من فشلها ، وألأمر الثاني تغيير في مصادر الثروة أيضا من فئة قليلة أقل من واحد في المائة من الشعب , وهذه الفئة هي التي تحتكر كل مصادر الثروة الداخلية ، والتي تحول الدولة إلى ملكية خاصة بها وبمن حولها ، وقد برز هذا في العديد من مظاهر الفساد وألأرقام الفلكية التي بدأنا نسمعها في هذه الدول ، وصلت ثروتها إلى مئات المليارات التي فاقت ثروة الدولة ذاتها ، بل إنها حولت دولها إلى دول مدانة ، وهذه الطبقة الرأسمالية الطفيلية ، تشكل مع الطبقة الحاكمة تحالفا سياسيا فاسدا يسيطر على كل وسائل ومصادر القوة المادية والمالية ، ومصادر القوة القمعية المتمثلة في أجهزة شرطة قمعية لكل حريات ومعارضة للنظام . وهاتان القوتان هما أول أعداء أي ثورة ، ولا يمكن تصور انه من السهولة بمكان أن تستسلم هذه القوى بسهولة ،فستظل تدافع عن مصالحها وثرواتها بكل الوسائل غير المشروعة بتحريك القوى المنتفعة من ثرواتها وهم عبارة عن جماعات منفصلة عن شعبها وتندرج تحت تسميات كثير كجماعات البلطجة والزعرنة والفتوات والخارجين عن القانون ، أو الهاربين من القانون ، وبعض من رجال القوى الأمنية التي إرتبطت مصالحها مع مصالح النظام القديم . وهذا ما يفسر لنا المرحلة التالية للثورة والتي تتسم بالفوضى العارمة ، وأعمال عنف ونهب كثيرة ، وهذه المرحلة قد تطول وقد تقصر . ولا شك أن نجاح أي ثورة يتوقف على القدرة على التغلب على هذه القوى المضادة وملاحقتها قانونيا ، ومحاسبتها بشده ، لأنه طالما بقيت هذه الرؤوس تطل برأسها فالثورة في خطر . وقد تنتهي بالفشل . وهذا ما ينبغي إدراكه منذ البداية ، ولا يجدى مع هذه الجماعات إلا سياسات الحزم الشديده، والقوة الصارمة ، وعدم التلكؤ والتاخير معها . ومن أعداء الثورة نفسها قد يكون الثورا أنفسهم ، فهم ودون أن يدركوا أنهم قد يتحولون إلى أعداء لأنفسهم، وهو ما أطلق علية بالغرور الثورى ، وإستمرار الثورة ، وتحولها إلى سلسلة من المطالب التي لا تنتهي ، متناسين ومتجاهلين أن الثورة هي دعوة ومطالبة بالتغيير ، ومحاربة الفساد وإستئصاله من جذوره ، وان الثورة جهد عمل متواصل من أجل إستعادة الإقتصاد عافيته حتى يمكن أن تتحقق المطالب من الثورة ، وهذا لن يتحقق في أيام قليلة بل قد يحتاج أي فترة زمنية طويله . وكما قال الشيخ محمد متولى شعراوى رحمه الله آفة الثائر الحر أن يظل الثائر ثائرا ، وينسى الهدف الرئيس من الثورة وهى البناء والتنمية . والخطورة هنا إن التغيير الذي قد تحدثه الثورة قد يكون أكبر من قدرة الثوار والشعب على إستيعابه في وقت قصير ، ولذلك قد يشكل إستمرار مظاهر الثورة هروبا من هذا الواقع الجديد . وإذا ما تسارع الثواروالشعب إلى إدراك ذلك ففى هذه الحالة فإن الثورة قد تأكل نفسها بنفسها ، ويتمثل ذلك في إستمرار الإحتجاجات الفئوية التي تريد التغيير السريع والقاطع ، والى قد يفوق قدرة أي مؤسسة . ومن أعداء الثورة أيضا القوى ، والمعارضة الخاملة والضعيفة والتي كانت عاجزة عن التغيير والثورة ، بمحاولة إحتضان الثورة والقفز عليها ، والتحدث بإسمها ، وهنا نجد التناقض والتعارض في الرؤى والتفسير لما حدث ، ولما قد يحدث ، وهو ما يعنى فقدان الرؤية السياسية الشاملة والتي في يقينى قد تشكل العدو الخفى للثورة .وتتمثل خيوط هذا العداء في التطاحن وفى سقف المطالب المطلوبة من الثورة نفسها ، ففى أثناء الثورة المطالب قد تكون مشروعة في تغيير النظام ، ومحاسبة الفساد ، ولكن هذه المطالب قد تتحول إلى عبء كبير وثقيل على الثورة ذاتها ، برفع سقف المطالب من ثورة لم تملك بعد مصادر القوة ، بل العكس تركة الثورة تكون كبيرة ومثقلة مثلا بالديون التي تركها النظام السابق . والثورة الناجحة هي التى تبدا الخطوة ألأولى الصحيحة والسليمة وتبنى عليها مطالبها تدريجيا . والعداء الداخلى قد يعبر نفسه في الكثير من المظاهر والصور ، ولعل أبرز ذلك العلاقة بين الحركات الدينية والقوى الأخرى ، وألإتفاق حول هوية الدولة ، وأقصد بذلك هل كل هذه الحركات قادرة على التعامل مع الواقع الجديد الذي خلقته الثورة ، بما يتفق مع أهداف الثورة في المواطنة والعدالة ، والحرية والديموقراطية والتنمية والرخاء ألإقتصادى ، فلا شك أن الإتفاق حول هوية الدولة والنظام السياسي ليس بالأمر الذي يحسم في لقاء تليفزيونى أو مناظرة هنا أو هناك ، به هي عملية عميقة ترتبط بالقدرة على تغيير المنظومة القيمية القائمة بمنظومة قيمية جديده تحتاج إلى وقت طويل جدي لترسيخها . ولا يتوقف أعداء الثورة على الداخل فقط ، بل هناك أعداء الثورة في الخارج ، وهم الذين يتربصون باى نجاح عربى . فالمنطقة العربية كلها ، ومصر خصوصا بمحورية دورها ، ومركزية مكانتها في العالم العربى ألأكثر إستهدافا ، وتدرك الدول التي تتربص بمقدرات هذه الأمة ، أن القلب إذا بقى مريضا غير قادر غير على النبض وتدفق الدم في شرايينه ، يسهل إمتلاك والتحكم في بقية أجزاءهذه ألأمة . والقوى المتربصة ليس فقط إسرائيل بل هناك قوى كثيرة إقليمية ودولية لا تريد أن ترى نجاحا لشعوب المنطقة ، لا تريد إن تنهض هذه ألأمة ، لأن نهضتها تعنى قدرتها على إدارة مواردها برشادة أكبر ، ولمصلحة أمتها ، وهو ما يعنى أن تتحول هذه المنطقة كلها إلى قوة إقليمية ودولية مؤثرة ، وهذا يتعارض مع القوى التي تريد أن تبقى هي ألأقوى في المنطقة . هذا هو العدو الحقيقى للثورات العربية ، لأن هذا العدو لن يهدأ ، ولن يكف عن إحتواء هذه الثورات وضربها من الداخل ، لأن هذه القوى تعتمد على إثارة الفتن الداخلية ، والضرب في مكونات النسيج ألأجتماعى للدول العربية ، وهذا ما نرى بعض مظاهرة الخطيرة في مصر . وبقدر إدراكنا لهذه المخاطر بقدر إفشال كل خططها ومراميها المدمرة والتي لا تريد خيرا لنا . هؤلاء هم أعداء الثورة من الداخل والخارج ، ويبقى حتى تنجح الثورة أن تعرف كيف تتعامل معها بعقلانية ، وهدؤ وتكافل وتعاضد من الجميع ، فأعداء النجاح أكثر من أعداء الفشل . أستاذ العلوم السياسية /غزه drnagish@gmail.com