"التغيير قادم" هذه هي الرسالة التي وصلتني كمواطن فلسطيني تابع مشاركاً في الحراك الجماهيري الذي قاده شباب الوطن بالأمس، 15 آذار، وقد يكون من الصعب على من تابع هذا الحراك عن بعد، أن يصل إلى جوهر هذه الرسالة "التغيير قادم" لأن وسائل الإعلام على اختلاف أشكالها، لم تبحث عن عمق هذا التحرك، وظلت أسيرة لرسائلها التقليدية عبر أسئلتها المتداولة والبحث عما هو أكثر إثارة، فقد اهتمت هذه الرسائل بالحصول على إجابة شافية على السؤال الذي اعتقدت أنه الأكثر أهمية، "هل هذا الحراك سيؤدي حقاً إلى إنهاء الانقسام؟" وباعتقادي أن هذا سؤال بالغ السذاجة إذا ما ظل متعرياً عما يحيط به من أسئلة ومن تداعيات ترافق هذا التحرك، ولعلّ هذه الوسائل توقفت طويلاً أمام بعض المشكلات التي رافقت هذا التحرك، مثل اطلاق النار في الهواء على المتظاهرين، وهو ما تم نفيه رغم أنني سمعت عدة زخات من الطلقات وان بشكل محدود، كما اهتمت بتعدد المجموعات المشاركة، وعدم الالتزام برفع علم واحد، علم الوطن الفلسطيني، وهو حتى الآن، على ما أظن ليس محل خلاف، إذ رفعت حركة "حماس" علمها متلاصقاً مع العلم الفلسطيني خلافاً لكل الاتفاقات التي سبقت هذا التحرك، وبحيث تغير الشعار من "الشعب الفلسطيني يريد إسقاط النظام" إلى شعار "علم واحد مش علمين" وصياغات أخرى للسياق نفسه."التغيير قادم" فعلاً، بل أعتقد أن التغيير قد تم فعلاً، فقد كسر حاجز الخوف لدى جموع الشباب الفلسطيني، لم يعد يخشى الاعتقال، والمطاردة وغرف التحقيق والزنازين والقمع، وربما القتل "بالخطأ"، والأهم وفوق كل ذلك، أظهر شباب فلسطين قدرة على التنظيم وإدارة التحرك الشعبي، وقياساً لأن ما جرى بالأمس، هو التجربة الأولى على هذا الاتساع، فإن المناورة الجريئة التي اعتمدها المنظمون، بالانتقال من "ميدان الجندي المجهول"، الذي تم إعداده من قبل حركة "حماس"، لضمان سيطرتها على التحرك، إلى "ميدان الكتيبة"، هي مناورة بارعة على الأرجح ان الجهات المنظمة كانت قد أعدّت لها، ولو ضمناً، كون المنظمين لم يكونوا بحاجة إلى كبير ذكاء كي يتوقعوا مثل هذه العراقيل والعقبات أمام تحركهم، ولعل في ذلك، ما يبرر القول، إن هناك تغييراً في طرق ووسائل التنظيم التي تأخذ بالاعتبار، حلولاً للاحتمالات والتوقعات الطارئة.إنها روح جديدة، ودماء ثورية متجددة، جرت في عروق هذا الشعب المنكوب بالاحتلال والانقسام، تسلمتها عقول شابة اكتسبت تجربتها الوليدة من الواقع دون تجاهل لتجارب النضال السابقة والمستمرة، وهذا هو جوهر التغيير الذي أتحدث عنه، ذلك أن هؤلاء الشباب، وفي فترة قصيرة، امتلكوا قدرات كانت بحاجة إلى عقود كي تتراكم إلى نظرائهم من الشباب، لكن غزارة التجربة اليومية في الواقع الفلسطيني، وكثافة المتغيرات والتحولات والأحداث اليومية في الوضع الفلسطيني، استثمرها شباب فلسطين لتعميق تجربتهم الخاصة، والتي تحولت إلى فعل مقاوم في 15 آذار، وإلى فعل "كاشف" لكل "الأبرياء" الذين شاركوا في الحراك، مع أنهم يعلمون جيداً أن إنهاء الانقسام، هو نهاية لمصالحهم الفئوية والفصائلية والشخصية، فقد ظهرت علناً، تلك الجهات التي تصدت لكل محاولات رأب الصدع وإنهاء الانقسام، بكل قوة وبكافة الوسائل، مع أنها لم تتغيب جسدياً عن الحضور والمشاركة في "جنازة الانقسام" مع أنهم رغبوا في أن يخرج كل لحظة من نفسه!"التغيير قادم" إذ إن المطلوب من هذا التحرك، ليس شبيهاً بما كان مطلوباً وأنجز من التحرك الشبابي المصري، فهذا الأخير واجه سلطة مستبدة، ولم تنجح في إثارة الفتنة داخل هذا الحراك، بينما الشباب الفلسطيني، وإضافة إلى الاستبداد الذي يواجهه، فإنه يواجه عفناً داخلياً متمثلاً في أطر وكتل وتجمعات لكل منها سياساته واستهدافاته، مظاهر ذلك تتجلّى في الخلاف على الشعارات، وأماكن الحراك، والإعلام ومحاولات سرقة هذا الجهد حتى قبل أن يبدأ من جهات عديدة، وصمود شباب فلسطين في وجه هذه المنغصات والعقبات، والإصرار على الاستمرار، هو دليل ليس على النجاح فحسب، بل إن "التغيير قادم".إنها ثورة الرأي العام الفلسطيني على الانقسام، أصحابه والمستفيدين من استمراره وتعزيزه، وبهذا فإن هذا التحرك هو ثورة حقيقية، البعض يعتقد أن الثورة يجب أن تغير نظام الحكم، وهذا فهم خاطئ وسطحي لمصطلح. فالثورة، كما أرى هي فعل تغيير جدي، وقفزة إلى الأمام، في أي ميدان من ميادين الحياة، فالثورة قد تكون صناعية، أو ثقافية، أو اجتماعية، شريطة أن يكون التغيير جوهرياً وأساسياً ويشكل قفزة عما سبق، وإعادة الاعتبار إلى دور الشعب والرأي العام في الحياة السياسية، هو قفزة عما سبق، بعدما ترك المجال لمبادرات الفصائل والجامعة العربية ومنظمات المجتمع المدني، كي تقود عملية المصالحة وهو فعل ينبغي عدم التنكر لأهميته، لكن الأهم، هو أن يتلقف الشعب الفلسطيني ذاته هذا الهدف، ويسعى إلى تحقيقه، إذ بات الأمر مناطاً بالرأي العام الفلسطيني للتأثير على الأطراف التي تعرقل عملية المصالحة والضغط عليها للتراجع عن مكتسباتها وامتيازاتها الناتجة عن الانقسام، والتي تدفع بها إلى المماطلة حيناً، والمناورة حيناً آخر، والرفض معظم الأحيان للإبقاء على الدم الفاسد جارياً في عروق هذا الانقسام.أكتب الآن، وقبل أن تنتهي الساعات الأولى من هذا الحراك، وقد توصلت إلى أن التغيير قادم، حتى من دون التعرف على نهاياته أو سيرورته، لاعتقادي أن ما تم حتى الساعات الأولى من هذا الحراك، هو دليل كافٍ على أن التغيير قادم، بصرف النظر عن نتائج هذا الحراك، المباشرة وغير المباشرة، وحتى مع فرضية فشل هذا التحرك هذه المرة، فإن ذلك لن يلغي أن التغيير قد تم، على الأقل لجهة إمساك الشعب الفلسطيني بقضيته الداخلية والاصرار على الخروج من أزمتها، كي يتمكن من مواجهة الاحتلال، الامر الذي لم يعد ممكناً في ظل الانقسام القائم الآن!