لفتني سلوك حكومة غزة وحركة حماس من تحركات الشباب الداعية لإنهاء الانقسام. وكنت ومثلي كثر ننظر بإيجابية لما بدا وكأنه سماح ودعم لتحركات الشباب الداعية لإنهاء الانقسام، وإلى إعلاء راية فلسطين على كل الرايات، وإلى خلع رداء الحزبية والتدثر برداء فلسطين. وكنت أفكر كثيراً قبيل الحراك في كتابة مقال حول الانقسام وكان تفكيري ينصب على كتابة مقال حول مبادرة د. سلام فياض رئيس حكومة رام الله لإنهاء الانقسام، وكنت قد سمعت عنها بشكل عام ولكني لم أطلع على مكوناتها أو تفاصيلها. ومع ذلك بنيت موقفاً أولياً وكنت أرى فيها مبادرة لتأبيد الانقسام ومأسسته وليست لإنهائه. وفي المقابل كنت واثق من أن حماس وحكومة غزة لن تقفا مكتوفتا الأيدي تجاه الحراك الشبابي، فكنت أتوقع حضور مكثف برايات فلسطين وأن ترفع لافتات تضيف إلى شعار الشعب يريد إنهاء الانقسام، شعارات تدين التنسيق الأمني والمفاوضات وأخرى حول إنهاء الاحتلال وثالثة حول الثوابت وعبثية المفاوضات، ولكن أبداً لم أتوقع أن ما بدا وكأنه سعة صدر وبعد نظر سيتحول إلى سلوك مفضوح في سعيه لتقويض مبادرة الشباب وحراكهم، فتنصب منصة حماس ويتناوب خطباؤها وترفع راياتها. بل وتهدد الفصائل بأن الخامسة من مساء الثلاثاء هو أخر موعد ستسمح به الحركة لبقاء الشباب في الساحة. بل أكثر من ذلك محاولة وصم الشباب بأنهم مدفوعين من فصائل وأحزاب، في محاولة لتبرير قمعهم، وهذا بالرغم من أن معظم الأحزاب دعت عناصرها للمشاركة في حراك الشباب، إلا أن الحقيقة أن الحراك تجاوز الأحزاب وأن الأحزاب فقدت القدرة على تحشيد الآلاف المؤلفة. لقد حشدت حماس آلاف مؤلفة بحيث لم تترك مكاناً لشباب الحراك في ساحتهم المعلنة مسبقاً. نعم لقد فاجأني هذا السلوك ولكن ما صدمني هو الهجوم الصاعق على المعتصمين في ساحة الكتيبة في الساعة السابعة مساء، بعد أن حل الظلام فهاجموا من يحمل كاميرا وضمنوا أن لا كاميرا سوى تلك التي كان يحملها أشخاص يرافقون من انهالوا بالضرب بلا هوادة على رؤوس المعتصمين دونما تمييز بين طفل أو سيدة بين صحافي أو محامي أو طبيب.والغريب أنه وبالرغم من أن آلاف الحاضرين ومنهم عشرات الصحفيين والمحامين ونشطاء حقوق الإنسان، فإن الكذب والإنكار كانا سيد الموقف حيث نفت الحكومة نفياً قاطعاً أن تكون قمعت الناس، مشددة على أنها حاولت أن تفصل بين المتظاهرين الذين هم في معظمهم من الأجهزة الأمنية السابقة، وهذا هو الكذب عينه، حتى لو تمكنت الأجهزة الأمنية من تلفيق اعترافات مغايرة للحقيقة. حاولت أن أفهم ما جرى وبعد محاولة متواضعة للتحليل وجدتني أصل إلى استخلاص مفاده أن محاولة تقويض الحراك تعني في أحسن الأحوال أن حماس معنية باستمرار الانقسام، وترى في حراك الشباب تهديداً جدياً لها ولسلطتها، وإلا إذ كانت صادقة في شعاراتها إنهاء الانقسام ما الضير في أن تتركهم ؟ بل – وهذا ما كنت أتوقعه – أن يحضر الأستاذ إسماعيل هنية رئيس الوزراء في حكومة غزة، ويخاطب الشباب مثنياً على حراكهم ومعلناً الاستجابة لمساعيهم وأن حكومته ومن وراءها حركة حماس ستبذل أقصى جهدها وستقدم ما استطاعت من تنازلات لتحقيق رغبة الشعب. ماذا كان سيجري لو فعلوا كذلك وسيسجلوا حينها ليس فقط سماحهم بل وأسرع استجابة لإرادة الجماهير في المنطقة العربية أليس كذلك..؟ أما الاستفادة من تجربة الشاويش علي في اليمن، والمنقلب على أبيه في البحرين في تحشيد الحشود لتطغى على صوت الشعب وشبابه، فإنه لأمر يشير إلى الضعف أكثر منه إلى القوة. كما سيكرس من الحكومة كجزء من منظومة الاستبداد العربية التي انتفض وخرج من عبائتها التوانسة والمصريين، فهل سيأتي يوم يتغير فيه هدف الحراك...؟